أكدت دراسة أميركية صادرة عن «مركز مونيل للأبحاث الكيميائية» Monell Chemical Senses Center، بفيلادلفيا «أن العوامل الوراثية تؤثر في الشهية، وأن الجينات الوراثية قد تتحكّم في مدى تحويل الطعام إلى طاقة، ما يعوق عملية إنقاص الوزن». «سيدتي» اطلعت من رئيس قسم الكيمياء الحيوية بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور جلال أعظم جلال على تأثير العوامل الوراثية وبراعم التذوق على التحكّم بالشهية.
ممّا لا شك فيه أن معرفة التاريخ الغذائي للفرد تشكّل عنصراً مهمّاً للتحكّم في الوزن، وأن احترام التاريخ الغذائي أهمّ بكثير من تجنّب السعرات الحرارية الزائدة، إذ غالباً ما ينتج عن تناول صنف غذائي معيّن الإفراط في تناول الطعام وفقدان التحكّم بالشهية!فعلى سبيل المثال، توصي بعض الحميات الغذائية بتناول 100 غرام من المكسّرات يومياً لتعزيز الشبع وتقليل الجوع بدون التفكير في التاريخ الغذائي لها، ما قد يحوّل هذه الكميّة البسيطة إلى آلاف السعرات الحرارية الزائدة! وأشارت دراسة غذائية حديثة إلى أن من يتناولون وجبات منخفضة الدهون، ينتهي بهم الأمر إلى استهلاك المزيد من السعرات الحرارية مقارنة بمن يتناولون الطعام المشبع بالدهون، وذلك لاعتقادهم الخاطئ بأنه ليس هناك مشكلة في تناول الأطعمة قليلة أو خالية الدهون بكميات كبيرة.
وفي هذا الإطار، يؤكّد اختصاصيو التغذية أن النمط الخاص بكل فرد في تناول الطعام يشكّل بصمته الغذائية التي تشير إلى أنواع الطعام والعوامل السلوكية والمواقف التي تحفز عدم السيطرة على تناول الطعام، وأن إدراك البصمة الغذائية هو من أقوى أدوات التحكّم في الوزن.
تواريخ مشتركة
تسبّب هذه العوامل المشتركة في كل التواريخ الغذائية فقدان السيطرة على الشهية وإعاقة إنقاص الوزن، وذلك على الشكل التالي:
- تناول أنواع الطعام المفضّلة: يؤدّي تناول قطعة صغيرة منها إلى إثارة الشهيّة والإفراط فيها، كالشوكولاتة أو البسكويت أو الوجبات الخفيفة المقرمشة، وذلك لاحتوائها على نسبة عالية من السكر المضاف الذي يؤثر في الكيمياء العصبية للمخ ويحفّز على الإفراط في الاستهلاك والشراهة في تناول الطعام.
- ممارسة السلوكيات المحفّزة للشهيّة: يحفّز جعل الأنواع اللذيذة من الطعام في متناول اليد على استهلاكها بإفراط من دون الشعور بالشبع، كما أن البقاء لفترات طويلة من دون طعام يؤدّي إلى التهام كميات كبيرة منه دفعة واحدة، كذلك شراء الوجبات السريعة التي تكون منخفضة القيمة الغذائية وعالية السعرات الحرارية.
- الوجود في الأماكن والمواقف المحفزة على تناول الطعام: يدفع الذهاب إلى مطاعم الوجبات المفتوحة الحافلة بالطعام اللذيذ أو حضور الحفلات أو المناسبات الاجتماعية الى تناول صنوف الحلويات والمخبوزات والمقليات.
- تكرار تناول الطعام في الأوقات المثيرة للشهية: أشار مسح إحصائي أجري أخيراً وشمل 98 فرداً، إلى أن النسبة الأكبر منهم لا تعاني من مشكلة الحرمان من الطعام حتى الرابعة أو الخامسة عصراً، الا أنّها تصاب بالجوع الشديد بعد هذه الفترة، وترغب بصورة ملحّة بتناول كميات كبيرة من الطعام! ويعزى السبب إلى أنه في حال حرمان الجسم من الكمّ الكافي من السعرات الحرارية أثناء اليوم، فإن مستوى عنصر «نيورو بيبتايد» المسؤول عن تنظيم عملية الأيض الغذائي، سيرتفع بمجرد البدء في تناول الطعام، ما يؤدي إلى خفض نشاط آليات التحكّم بالشهية، وزيادة الرغبة بتناول المزيد من الطعام، خصوصاً الكربوهيدرات البسيطة كالمنتجات المصنوعة من الدقيق أو السكر الأبيض، وبالتالي صعوبة مقاومة الإشارات الكيميائية الصادرة عن الجهاز العصبي في المخ، بكفاية الكميات المتناولة من الطعام.
براعم التذوّق
قد تؤثّر الجينات الوراثية في مدى قوّة رد الفعل تجاه مذاق وقوام الطعام والتي تعرف بـ «براعم التذوق»، وهي مجموعة خلايا اللسان المسؤولة عن تنظيم حاسّة التذوّق والتمييز ما بين المذاقات المختلفة للطعام، كالطعم الحلو والمر والمالح، ما يجعلها ذات تأثير قوي في مجال التحكّم في الوزن.وخلصت نتائج الأبحاث الرائدة حول براعم التذوّق إلى الإشارة إلى مجموعات ثلاث من الأفراد قسّموا حسب عدد خلايا التذوّق باللسان، وهي:
- فئة عديمي التذوّق: تشمل من لديهم بضع مئات فقط من براعم التذوّق في اللسان، الأمر الذي يجعلهم ذوي قابلية أكثر لاشتهاء الطعام المملّح المليء بالدهون، فيسرفون في تناول الكثير من الطعام، ما يفسّر عدم اكتفاء البعض بكميّة قليلة من رقائق البطاطس أو شريحة من البيتزا.
- فئة فائقي التذوّق: تشمل من يمتلكون عشرات الآلاف من براعم التذوّق في اللسان، إذ أن الطعام لديهم ذو مذاق أكبر!فعلى سبيل المثال، إن الأطعمة الدهنية يكون مذاقها لدى هذه الفئة دهنياً أكثر، فيما طعم «السكرين» يكون مراً للغاية في أفواههم، كما أنهم لا يفضّلون النكهات المرّة أو اللاذعة في صنوف الطعام.
- فئة متوسطي التذوّق: تشكّل الفئة الوسطية بين المجموعتين السابقتين، وتتميّز بالاعتدال في تناول الطعام والحفاظ على ثبات الوزن.