يؤكد علماء التربية أن فترة المراهقة أشبه بولادة جديدة للطفل؛ حيث إنها مرحلة انتقالية تزيد فيها العلاقة تعقيداً وتوتراً بين الآباء والأبناء، ومن هنا تنشأ المشكلات وتُثار التساؤلات؛ حيث تتحول سلوكيات الابن المراهق إلى تصرفات مستفزة وغير لائقة تجاه الوالدين، الذكور منهم بشكلٍ خاص، مثل التحدث بنبرة صوت غير مناسبة، وإظهار عدم المبالاة بتوجيهات الوالدين، وتجاهل الاستماع إليهم.
وفي هذا التقرير نتعرف إلى أسباب هذا التغير في سلوك المراهق وتقلباته المزاجية وما يجعله فظاً أحياناً، وحساساً بشكل زائد في أحيان أخرى، ولماذا قلَّ احترامه لوالديه عن ذي قبل؟
ومعها نطالع أبرز النصائح للتعامل مع هذا الابن المراهق المستفز. اللقاء وخبيرة شؤون الأسرة الدكتورة سامية مروان؛ للشرح والتوضيح.
معلومات تهمك عن فترة المراهقة
لا بُدَّ من التأكيد على الفروق الفردية بين المراهقين، والفروق الثقافية بين مجتمعٍ وآخر في التعامل معهم، وتأثير ذلك في تشكيل سلوكيات هذه المرحلة.
في العقدين الأخيرين، أكد الباحثون أن الدماغ يمر بتغيرات هائلة في مرحلة المراهقة، وأنها تشهد حالة فريدة دماغياً وهرمونياً،
وبسبب هذا يمكن أن تتغير حالة المراهق المزاجية بسرعة.
والحقيقة أنه لا يستطيع التعامل دوماً مع مشاعره المتغيرة، ولا التحكم في ردود أفعاله تجاه الأحداث غير المتوقعة، وقد يؤدي هذا أحياناً إلى حساسية مفرطة، وغضب وفظاظة، وتعبير مستفز.
سن المراهقة.. ماذا يحدث؟
خطوات للتعامل مع المراهق المستفز
تجنب أخذ الأمر على محملٍ شخصي
يُنصح بعدم أخذ كل ما يقوله أو يفعله المراهق على محملٍ شخصي، وبدلاً من الشعور بالغضب تجاه هذه التصرفات، يُمكن مواجهة المراهق وإخباره بشكلٍ صريح أن عليه ألا يتعامل مع والديه بهذه الطريقة المستفزة، ثم تركه والابتعاد عنه.
وضع حدود وعواقب سلوكية واضحة
يمر المراهق بمرحلة مليئة بالتغيرات، الجسدية، والنفسية، والعاطفية، والاجتماعية، والمعرفية؛ ما يجعله غير متوازن تماماً في تصرفاته وأفعاله، ولهذا يحتاج بشكلٍ عام إلى وضع حدود وقواعد سلوكية واضحة تضبط سلوكه.
إذ يحدث في محاولة المراهق لتحقيق الاستقلالية عن والديه، والحصول على المزيد من الخصوصية، نجده يعترض ويُحاول استفزازهم والتقليل من احترامهم، وعلى الوالدين في هذه الحالة عدم التفاعل مع أي تجاوزات للحدود والقواعد.
تعزيز السلوك الإيجابي
يُمكن التخلص تدريجياً من سلوكيات المراهق المستفزة وغير المحترمة مع الوالدين، من خلال التركيز على بناء السلوكيات المرغوب فيها والمحترمة مع الوالدين، وكذلك مدح المراهق والثناء عليه عندما يتصرف بطريقةٍ لائقة وغير مستفزة.
تجنب الخوض في نقاشات لا فائدة منها
غالباً لا تكون هناك نتائج إيجابية عند الجدال مع المراهق المستفز؛ حيث سينتهي الأمر بمشاعر غضب عارمة، لذا يُنصح بتجنب الجدال معه من الأساس وتجاهل تصرفاته المستفزة.
وفي حال الاضطرار إلى الخوض في نقاشٍ معين، يُنصح بالحفاظ على الهدوء ومراعاة التحدث بنبرة صوت معتدلة، وإذا اشتد الخلاف يُفضل تأجيل النقاش إلى وقتٍ آخر.
لماذا تسوء علاقة الطفل بوالديه؟
استقلالية عاطفية
خلص عدد من الدراسات إلى أن الكثير من التصرفات «المستفزة» للمراهق هي جزء من عملية اكتشافه لنفسه بوصفه شخصاً مستقلاً، وليس عيباً فيه، ولن يصاحبه بقية حياته، إنها مرحلة نمو.
والكلام لا يعني تقبل تلك الوقاحة، وإنما محاولة للفهم، بأن عملية الاستقلال العاطفي من جانب المراهق يمكن أن تتم بطرق أسلم وأسهل.
أمور عليك تقبلها من المراهق
تقبل أن ابنك يكبر
يصعب على بعض الآباء أن يفقدوا شعورهم بأهميتهم في حياة أبنائهم، ولا يتقبلون بسهولة أن ذلك الطفل أصبح أكثر إقبالاً على الأصدقاء، ولم يعد ينظر إليهم بوصفهم أبطالاً.
وفي الجانب الآخر نقول للآباء والأمهات: دوركم لم ولن ينتهي؛ فالابن سيظل بحاجة إليكم، ولكن هذا الاحتياج تحول من اعتماده الطفولي عليكم إلى الحب والثقة والمشاركة.
لا تأخذ الأمر بشكل شخصي
عليك أن تدرك طبيعة المراهقة، وأن تصرفات ابنك الاندفاعية أمر وقتي في حياته، ولا تدل على قلة احترامه لك بقدر ما تدل على ما يخوضه في هذه الفترة من تغيرات.
لهذا؛ تقبل ولا تدع صدمتك من قلة الاحترام التي يبديها المراهق تنسيك أنه ابنك الذي يُعد استقراره النفسي وخروجه من فترة المراهقة إلى مرحلة النضج مكوناً لراحة بالك.
أيها الأب الحنون، ليس المطلوب أن تتقبل فظاظة ابنك بصدر رحب، ولكن فقط لا تتعامل معها بوصفها إهانة لشخصك.
أعطه مسؤوليات
ينضج المراهقون أسرع في المجتمعات التي يتحملون فيها مسئوليات مبكرة، ويكونون أقل عرضة لمشكلات المراهقة، بشرط أن تكون تلك المسؤوليات مناسبة لهم، ومفيدة في اكتسابهم خبرات حياتية.
أما المراهقة/ المراهق المدلل المُعْفَى من الالتزامات، الذي يطول عليه وقت الفراغ في التنقل بين النوم، واللعب، وتصفح الهاتف؛
فسيلجأ تلقائياً إلى الجدال، وأسلوب الحوار العنيف، وإبداء الملل والسخرية للتعبير عن الذات والاستقلال العاطفي.
تقبل وتحكم ولا تدع فظاظته تشتت انتباهك
مرحلة المراهقة مليئة بالأمور الجدية التي تحتاج إلى تركيز واهتمام الأبوين، أكثر من استهلاك الطاقة في المشاحنات بسبب قلة الاحترام المتصورة من قبل الآباء.
والمتعارف عليه تربوياً؛ أن التركيز على الخطأ غالباً ما يؤدي إلى استمراره وزيادته، في حين تجاهله كثيراً ما يكون أكثر فاعلية.
لا تستجب إلى فظاظة ابنك/ ابنتك بالصراخ والتهديد، اكتفِ بنظرة غاضبة، أو توبيخ قصير، ولا تدع فظاظتهم العارضة تشتتك عن الموضوع الرئيسي.
اضبط الأمور
لا يعني تفهم الحالة الدماغية والهرمونية للمراهق، وما ينتج عنها من تأثيرات سلوكية، أن يتقبل الوالدان كل ما يقوم به.
كن هادئاً مهما كان غضبك الداخلي، وأكد له أنك لا تقبل مثل هذه الطريقة في الحوار.
أَنْهِ المناقشة وغادر المكان، وأخبر ابنك أو ابنتك المراهقة استعدادك للحوار إذا غيَّرا طريقتهما.
اسحب بعض الميزات منه إذا أصر على أسلوب الاستفزاز وتقليل احترامك.
كن حاسماً في العقاب، ولا تطل الجدال، ولا تقبل التفاوض، و دعه يفهم أن العواقب لا يمكن التراجع عنها.
تقبَّله في كل حالاته وعامله باحترام
كثيراً ما يردد الآباء أنهم يعاملون أبناءهم المراهقين باحترام ولطف، رغم أنهم لا يلقون منهم إلا الفظاظة، وهنا نقطة مهمة ينبغي التنبه إليها، وهي أن احترام المراهق له أبعاد أكثر من احترام الطفل؛ فهو الآن بحاجة إلى تطبيق أشمل للاحترام:
- تحترم خصوصيته؛ فلا يشعر بأنك تراقبه، أو لا تصدقه، فتتعقب محادثاته، أو تتأكد من أصدقائه.
- تحترم هواياته واهتمامه وتنقله بينها؛ فلا تجعل ذلك مادة للسخرية منه، أو التشكيك في جديته.
- تنصت له وتتحدث إليه بأسلوب يحترم عقله، وألا تعتمد على القسوة في العقاب، أو التحدث عنه بشكل غير لائق.
تقوية العلاقة
السلوكيات الفجة من المراهق كثيراً ما تدل على الضغط والقلق الذي يعاني منه؛ لذا فإن شعوره بالحب والاهتمام، ووجوده في أسرة متماسكة ومتفهمة عنصر أساسي.
جرب أن تخصص له وقتاً صافياً تمارسان فيه هواية مشتركة أو حتى تتنزهان، وستجد تحسناً ملحوظاً في حالته المزاجية، وسلوكه العام.
* ملاحظة من"سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.