قصص للأطفال: "الدلفين صديق الإنسان".. من 5-8 سنوات

صورة لطفل يتابع صورة بالكتاب
الجدة تحكي لحفيدها قصة الدلفين

الجدة "بطة" كما تناديها حفيدتها عاليا وحفيدها طارق، كانت عائدة من اليونان، وهناك كانت تمضي معظم وقتها جالسة في ميناء "بيريوس" لمشاهدة السفن القادمة إلى اليونان والمغادرة إلى بلدان العالم؛ لهذا اختارت قصة الدلفين صديق الإنسان، قصة ثانية من التراث اليوناني لتحكيها لحفيديها، وكان هدفها أن تبث في قلبيهما التفرقة بين الخير والشر، بين الصديق الوفي المتعاون والآخر الأناني الذي لا يهتم إلا بنفسه وتحقيق مصلحته، واختارت الجدة الدلفين بطلاً للقصتين.

 

أطفال يشاهدون الدلفين

في الحقيقة لم يصبر طارق طويلاً ولحقته عاليا، بمجرد أن سمعا بأن جدتهما ستحكي لهما قصة عن الدلفين صديق الإنسان، سأل طارق: "ما الصفات التي تُقرب الدلفين من الإنسان؟" وتبعته عاليا: "وهل ما تقولينه حقيقة يا جدتي العزيزة؟".
وكان جواب الجدة: "يعود ذكاء الدلافين الحاد إلى أحجام الأدمغة التي تمتلكها؛ حيث إنها أكبر بكثير من تلك الوظائف التي تقوم بها في المياه، وذلك حسب ما أشار إليه فريق من الباحثين في جامعة هال.
وأضاف الفريق أن الدلافين حيوانات رائعة؛ فهي ذكية واجتماعية تتشابه في شخصياتها إلى حدٍّ كبير، كما تتفق على قضاء حاجاتها الأساسية بشكل تعاوني.
كما أنهم يشتركون مع البشر في صفات الضحك والمرح والنشاط، والانبساط، وكذلك العصبية والطيبة، والقلق والتوترات العاطفية غير المنتظمة".
"يكفي يا جدتي نريد سماع القصة"، هكذا نطق طارق وهو يستعد للجلوس بقرب جدته، بجانب أخته عاليا.

الأولى: قصة الدلفين صديق الإنسان

الدلفين صديق الإنسان

كانت السماء صافية والشمس ساطعة والبحر هادئاً، تجمَّع الصيادون قرب الشاطئ يفرغون قوارب صيدهم من الأسماك واللؤلؤ بعد رحلة شاقة في أعماق البحر، وكان في استقبالهم أسرهم وأبناؤهم الصغار يلعبون ويمرحون قرب الشاطئ، وبعضهم يمارس السباحة.
وعندما أشرف بعضهم على الغرق أسرع إليه الدلفين وقام بإنقاذه، وحدث أن كانت تزور الشاطئ أحياناً مجموعة من أسراب الأخطبوط المخيفة، وكلما اقتربت من الشاطئ؛ يهرب الأطفال بعيداً.
في الوقت الذي يقبلون على الدلفين ويقدمون له أعواد القصب وغيرها من الحلوى، وكلما اقترب من الشاطئ يسرع الأطفال فيمارسون هواية السباحة معه، والبسمات تعلو وجوههم لوجود الدلفين وسطهم وشعورهم بالأمان بقربه.
ولكن كلما اقترب الأخطبوط من الشاطئ، يُصاب الأطفال بالخوف ويهربون بعيداً، وكثيراً ما حاول الدلفين إبعاد الأخطبوط عن الشاطئ؛ حتى لا يسبب لهم الإزعاج والخوف.
في صباح يوم ما قام الأخطبوط بجمع عدد من أصدقائه، بعد أن رفض طلب الدلفين بالابتعاد عن الشاطئ، وقام الدلفين هو الآخر بجمع عدد من الدلافين للوقوف إلى جانبه، وأصبح الموقف نوعاً من التحدي.
طلب الدلفين من أحد صيادي الأسماك في البحر أن يعطيه حبلاً، أمسك به الدلفين وقامت الدلافين الأخرى بتطويق أفراد الأخطبوط بالحبل.
ولفَّت الحبل فوق أذرعها القوية، وكلما حاولت التخلص منه ازداد الحبل التفافاً عليها، وأصبحت في موقف صعب، ثم قامت الدلافين بجرها إلى الشاطئ وعندما شعرت بالضيق والخطر يداهمها، قال أحدها: "اتركونا نرحل ولن نرجع إلى الشاطئ؛ لا نستطيع العيش خارج الماء".
قال لهم الدلفين: "لا أريد رؤيتكم على الشاطئ مرة أخرى، وإن حاولتم العودة؛ فسوف تكون نهايتكم". فرح الأطفال بما قامت به الدلافين من إبعاد جماعة الأخطبوط بلا عودة، وكان شعورهم بالارتياح والأمان عظيماً؛ حقاً إن الدلفين صديق الإنسان.

الثانية: قصة الدلفين الذكي

طفل يطالع حركات الدلفين الظريفة

كان الدلفين الأسود ذكياً، أُصيب في أحد أطرافه بسبب شبكة باخرة صيد، كان في الباخرة صياد يصطاد كل الأسماك الصغيرة والكبيرة، أو التي ستضع بيضها، لا يهتم إن قطع جناحاً أو جرح أسماكاً أخرى، كان الصياد شريراً، يستهين بحياة الأسماك وسط المحيط؛ ما عرض الدلفين لإصابة في ذيله، الذي به لا يستطيع أن يتحرك بسرعة في البحر، ويلعب مع الأصدقاء أويقوم بحركاته البهلوانية الجميلة.
اتفق الدلفين الأسود الذكي مع أصدقائه من الأسماك على خطة ليلقن الصياد الشرير درساً في الأخلاق، بسبب اقتحام ممتلكات غيره وأذيتهم، فاتفقت الأسماك الصغيرة على استدراج الصياد الماكر الشرير بحيلة ذكية؛ سيستدرجونه وسط المحيط عندما يود أن يرمي شباكه ويصطاد، فيبدو له سرب السمك وسيرمي شبكاه ليصطاده.
وبعد أن يرمي الشباك سيقوم الدلفين الذكي باختراق الشباك وتمزيقها، ويحرر جميع الأسماك، وسيتكبد الصياد خسائر كبيرة عندما تتمزق شباكه ويعود أدراجه نادماً ذليلاً، وبعد أن خططت الأسماك مع الدلفين على تنفيذ الخطة، وصل الصياد وسط المحيط حتى يصطاد السمك، وفعلاً رأى الصياد فجأة سرباً من السمك الكبير، تحوم حول مركبه فرح الصياد وابتهج، وأطلق صافرة بداية رحلة الصيد.
أشعل مصباح المركبة حتى يقترب سرب السمك من مركبه أكثر، وبدأ برمي الشباك وسط المحيط وهمه ذلك السرب الكبير من السمك، وما سيجنيه من الأموال، صاح في وجه البحارة: "هيا ارموا الشباك، هيا". بعد وقت من رمي الشباك حملت سمكاً كثيراً وامتلأت الشباك، وبدأ بجرها لتقترب أكثر من المركب لرفعها لأعلى المركب.
صاح الكل فرحاً بهذه الوليمة ورقصوا فرحاً، اليوم سيجنون الكثير من المال، فجأة قفز الدلفين وسط الشباك قبل رفعها، مزق الدلفين الأسود الذكي الشباك كلها، ولم يترك لها جانباً ولا طرفاً إلا ومزقه، فتسرب السمك هارباً في كل اتجاه، صُعق الصياد الجشع ولم يصدق ما الذي حصل، خسر كل السمك وخسر شباكه وخسر كل أمواله، يا إلهي!
هنا قفز الدلفين الأسود وطفا فوق الماء يقوم بحركاته البهلوانية، رآه الصياد وقال له: "أنت مرة أخرى"، فرد الدلفين: "سوف ترى". غطس الدلفين مرة أخرى في الماء، وغاب عن نظر الصياد.
احتفل السمك بخطته الذكية ورقصوا الليل كله: "لقد نلنا من ذلك الصياد الجشع الشرير، وعاد الصياد إلى الميناء متحسراً باكياً، لقد خسر كل ماله؛ شبكته ممزقة، ولم يصطد شيئاً من السمك اليوم".
وكأن كل الأسماك اتفقت على أن تلقنه درساً في التعامل مع الأسماك والصيد غير الجائر؛ فهذا الصياد يتعامل مع الأسماك بكل الجبروت والقسوة ولا يحترم الوقت القانوني للصيد، ولا يحترم حجم السمكة؛ هل هي صغيرة أو لا، وهل هو موسم تبيض فيه الأسماك، كل همه أن يجمع كل شيء في شباكه.
وبينما هو يفكر؛ حط أمامه طائر النورس الجميل، وسأله لِمَ هو حزين ويبكي؟ فقصَّ عليه القصة أنه كلما نزل للبحر يمزق الدلفين الأسود شبكته، وتهرب الأسماك.
قال له النورس الجميل: "إن وجدت لك حلاً؛ فهل تطعمني سمكاً كل يوم؟" فقال الصياد "نعم". قال له النورس الجميل: "سأتحدث مع الدلفين الأسود الذكي، وسأعرف سبب فعله هذا وسأرد عليك".
ذهب النورس طائراً في السماء حتى وصل لمكان الدلفين الأسود الذكي الذي كان يقوم بحركاته البهلوانية، قال النورس الأبيض الجميل: "مرحباً أيها الدلفين الذكي، أريد أن أعرف لماذا تمزق شبكة الصياد".
قال له الدلفين الأسود الذكي: "الصياد لا يحترم قانون البحر ويصطاد كل الأسماك ويرمي شباكه في كل مكان، وفي كل وقت، ويسبب خسائر كبيرة في مخزون السمك، ويقتل الكثير من الصغار، وقد سبب جروحاً كبيرة لكثير من السمك، وها أنا ذا أمامك قد كسر زعنفتي وأعاق حركتي، ولم أعد كباقي أصدقائي".

رسالة الدلفين

الدلفين يمرح بالبحر وهو يشعر بالأمان

قال النورس معتذراً: "حقاً، أسفت، إنه صياد لا يخاف الله، سأرسل له رسالتك، وسأنقل له قولك؛ لعلنا نجد حلاً لمشكلتكم".
عاد النورس الأبيض الجميل للصياد قال له رسالة الدلفين الأسود الذكي، وقال: "أيها الصياد، دعنا نتفق أن تحترم وقت الصيد، والكمية التي يمكنك أن تصطادها من السمك، لا تتعداها ولا تستعمل الشباك التي تقتل كل الأسماك وتقتل بيضها"، فقال له الصياد: "موافق، لن أوذي أي سمكة بعد اليوم".
ذهب النورس الأبيض الجميل للدلفين الأسود الذكي، وبلَّغه ما قاله الصياد، بأنه لن يعيد الكرة مرة أخرى، ولن يؤذي أحداً.
فرح الدلفين الأسود الذكي، وقال: "موافقون، لكن إن عاد مرة أخرى لجرائمه؛ فلن نتركه مرة أخرى"، وعاد السلام مرة أخرى بين الأسماك والصياد، الذي احترم قانون البحار والصيد فيها، واحترم حقوق السمك في العيش والتكاثر وتربية صغارها.
واعتذر الصياد للدلفين، ووعده أن لا يؤذي أحداً مرة أخرى، أو سمكة أخرى؛ فشكره الدلفين الأسود الذكي، وغادر الصياد لحال سبيله، وعاد الدلفين ليحتفل مع أصدقائه الأسماك فرحين بهذه المناسبة السعيدة، وعاشوا بسلام وأمان.