قد يكون من السهلِ تناولُ أقراصِ أدويةٍ عند الشعورِ بألمٍ، أو انزعاجٍ، لكنْ إذا بحثَ المرءُ عن جذورِ الأوجاعِ التي يشكو منها، فسيجدُ أن علاجَ حالته يتعلَّق بطريقةِ معيشته، وأن إجراءَ بعض التعديلاتِ عليها، وتناولَ أعشابٍ محدَّدةٍ «سيطرد» الألمَ دون رجعةٍ.
إعداد:نسرين حمود
ردة للطب التقليدي؟
مع طبيعةِ الحياةِ المعاصرة، وكثرةِ الوظائفِ المكتبيَّة، والتداخلِ الكبيرِ بين ساعاتِ العمل، والراحة، تنتشرُ أمراضٌ كثيرةٌ بين الناس! وعلى الرغمِ من قصدهم العياداتِ الطبيَّة إلا أنهم لا يجدون علاجاتٍ «نهائيَّةً» لها.
من جهةٍ ثانيةٍ، وفي سبيلِ التخلُّص من الأمراض المزمنة التي يشكو منها بعضهم، قد يتناول هؤلاء الأشخاصُ أقراصاً طبيَّةً بالعشرات وبصورةٍ يوميَّةٍ! فيرهقون جسدهم وميزانيَّتهم، ومع ذلك قد لا يصلون إلى حلولٍ ناجعةٍ، إذ «تخمدُ» أوجاعهم لفترةٍ، ثم ترجعُ ثانيةً لتطلَّ برأسها، أو قد تتطوَّرُ إلى أمراضٍ أصعب، وعليه يفكِّرُ بعضهم في التحوُّل إلى علاجات بديلةٍ، خاصَّةً أنها أقلُّ تكلفةً، ولا تستهدفُ المرضَ فحسب، بل والجوانبَ النفسيَّة والفلسفيَّة والأخلاقيَّة أيضاً، فهل صحيحٌ أن هناك ردَّةً للطبِّ التقليدي؟
الطب البديل في الوقت الراهن
خلال لقاءٍ في بيروت، العاصمة اللبنانيَّة، مع الدكتورة رلى حسن صبرا، المتخصِّصة في خدماتِ الرعايةِ الصحيَّة البديلة والشاملة، أكَّدت ما لاحظته «سيدتي» من تزايدٍ لاهتمامِ الناس بالطبِّ البديل وعلاجاته. وبعد التمييزِ بين أنواعٍ عدة من الطبِّ البديل، منها الطبُّ العربي القائمُ على الأعشاب، والمُستَخدمُ على نطاقٍ واسعٍ في دولٍ مثل الجزائر، مع تقسيمِ الأعشابِ إلى باردةٍ وحارةٍ، واستخدامِ كلٍّ منها في حالاتٍ محدَّدةٍ، نجدُ حالياً بروزاً للطبِّ البديلِ الصيني، ونظيره الهندي، لا سيما أنهما يأخذان في الاعتبارِ حالةَ المريضِ النفسيَّة، ونمطَ حياته قبل تقديمِ العلاج.
وحول الأسبابِ التي تدفعُ بالناسِ في الوقتِ الراهن إلى الرجوعِ لاستخدام علاجاتِ الطبِّ البديل، أجابت صبرا: «الحياةُ المعاصرةُ السريعة، هي السببُ، إذ تجعلُ الكثيرين يشعرون بأوجاعٍ متنقِّلةٍ في أجسامهم، ولا يجدون أي تفسيراتٍ لها في إطارِ الطبِّ الغربي، لكنْ عند البحثِ في علاجاتِ الطبِّ البديل، يتنبَّهون إلى أنه يلحظها، ويُخفِّف من ألمها، وتسمَّى هذه الأوجاعُ فاتا، حسبَ الطبِّ الهندي، فيما العلاجاتُ تتمثَّل في إجراءِ تعديلاتٍ على نمطِ الحياة».
واستشهدت الاختصاصيَّة بأرقامِ منظَّمة الصحَّة العالميَّة، وقالت: «نحو 70% إلى 80% من سكانِ العالم، يعتمدون على الأدويةِ غير التقليديَّة بشكلٍ أساسي من المصادرِ العشبيَّة في رعايتهم الصحيَّة». وذكرت أن «وسائلَ التواصلِ الاجتماعي، ساعدت في جعلِ الكثيرين يسألون عن العلاجِ البديلِ بعد الاطِّلاعِ على طرقِ المداواة، حسبَ الطريقتَين الهنديَّة والصينيَّة».
الأيورفيدا
وركَّزت صبرا حديثها على الطبِّ الهندي التقليدي، المعروفِ بالأيورفيدا، وماهيَّته، والاختلافاتِ بينه، وبين الطبِّ الغربي في فهمِ الجسمِ، والمرضِ، والعلاجاتِ المعتمدة، وذكرت: «الأيورفيدا، النظامُ الطبِّي الهندي التقليدي، يرجعُ إلى أربعةِ آلافِ عامٍ قبل الميلاد، وهو من الأوائلِ في إجراءِ عمليَّاتٍ جراحيَّةٍ، وتجميليَّةٍ، وفي العينِ». مضيفةً: «الأيورفيدا يقاربُ كلَّ حالةٍ مرضيَّةٍ من جوانبَ عدة، تشملُ الجانبَ الطبِّي، والجانبَ النفسي والعقلي للمريض، إضافةً إلى الوضعِ الاجتماعي، والبيئة». وزادت: «الطبُّ الهندي التقليدي، يقومُ على أن الجسمَ يتأَّلف من ثلاثِ طاقاتٍ، هي فاتا، وكافا، وبيتا، ولكلِّ طاقةٍ وظائفُ محدَّدةٌ في الجسم، ويجب أن تكون الطاقاتُ الثلاثُ متوازنةً، مثلاً لناحيةِ التغذية، ومع المواظبةِ على تناولِ طعامٍ محدَّدٍ لوقتٍ معيَّنٍ، قد تزدادُ طاقةٌ ما من هذه الطاقات، وتتغلَّب على الأخرى، ما يؤثِّر سلباً في الجسم. وينسحب الأمرُ على اعتمادِ نمطِ معيشةٍ معيَّنٍ».
العلاج بالطب الهندي التقليدي يخصص لكل حالة على حدة مع النظر إلى الحالة النفسية والتغذية ونمط المعيشة
د. رلى حسن صبرا
تحديات
وتحدَّثت صبرا عن التحدِّياتِ التي يواجهها المعالجون بالطبِّ الهندي التقليدي، مبينةً أنها تتمثَّل في طلبِ غالبيَّة المرضى علاجاتٍ قصيرةِ الأمد، وتُعطي نتيجةً ملموسةً، وتابعت: «قد تأتي إليَّ مريضةٌ، عرفت أن صديقتها لاقت نتيجةً إيجابيَّةً بعد أن وصفتُ لها نوعَ زيتٍ محدَّداً لعلاجِ آلامِ الظهر، وتشتري هذا الزيتَ المنضوي تحت فئةِ علاجاتِ الأيورفيدا، لكنَّ الأخير لا يفعلُ المفعولَ عينه في حالتها، لأن العلاجَ بالطبِّ الهندي التقليدي مخصَّصٌ لكلِّ حالةٍ على حدة، مع النظرِ إلى عواملَ أخرى إضافةً إلى المرضِ مثل الحالةِ الاجتماعيَّة، والحالةِ النفسيَّة، والبيئةِ، والتغذيةِ، كما أسلفت».
وفي الإجابةِ عن السؤالِ حول ماهيَّة بعض العلاجاتِ الواعدةِ في الطبِّ الهندي، ودورها بالتقدُّمِ الطبِّي في المستقبل، اتَّكأت الاختصاصيَّة على دراسةٍ منشورةٍ في Pubmed، تفيدُ بأن «الأيورفيدا، يتضمَّن نهجاً شاملاً للصحَّة والطبِّ الشخصي، وهو أحدُ أقدمِ الأنظمةِ الطبيَّة، ولديه القدرةُ على المساعدةِ في علاجِ عديدٍ من الأمراضِ المزمنة مثل السرطانِ، والسكري، والتهاب المفاصل، والربو، وتخفيفِ الآلامِ المتأتِّية منها، لكنْ هناك حاجةٌ ماسَّةٌ إلى البحثِ القائمِ على الأدلَّة للاعترافِ العالمي بالأيورفيدا وقبوله، الأمرُ الذي يحتاج إلى مزيدٍ من التقدُّم في منهجيَّة البحث».
اختلافات في العلاجات
وحدَّدت الاختصاصيَّة الاختلافاتِ الأبرزَ بين الطبِّ الهندي البديل، والطبِّ الصيني البديل، موضحةً أن «الطبَّين، يرتكزان على أن وظائفَ الجسم، تُسيِّرها طاقاتٌ محدَّدةٌ، وهذه الأخيرةُ تتغيَّر مع اختلافِ الفصولِ، ونمطِ الحياة، والتغذية، لكنَّهما يختلفانِ في طرقِ العلاج، إذ يعتمدُ الطبُّ الصيني على الوخز بالإبرِ الصينية، وتمريناتِ التاي تشي، والحجامة، بينما يتَّكئ الطبُّ الهندي على إعادةِ تجديدِ الطاقة وإنتاجيَّة الجسد باستخدامِ الزيوت، وأنواعٍ محدَّدةٍ من التدليك، وتمريناتِ اليوغا، وأعشابٍ معيَّنةٍ». مستدركةً: «الطبُّ الصيني، بدوره، يستندُ إلى الأعشاب، لكنَّها مغايرةُ لنظيرتها في الطبِّ الهندي. ربما يلتقيان في النظرةِ إلى أعشابٍ مثل الكركم، المسمَّى أيضاً العقدةَ الصفراء في بعض الدولِ العربيَّة، والزنجبيل».
فاعلية موثوقة
وكشفت صبرا عن علاجاتٍ في الطبِّ البديل، أثبتت دراساتٌ طبيَّةٌ موثوقةٌ فاعليَّتها قائلةً: «علاج الأرق باستخدامِ الوخز بالإبرِ الصينيَّة، أثبت فاعليَّةً عاليةً، مع أهميَّة الإشارةِ هنا إلى أنه في كلِّ مرَّةً يتلقَّى فيها المصابُ بالأرق علاجَ الوخزِ بالإبر، تستهدفُ الأخيرةُ نقاطاً محدَّدةً في جسمه. بمعنى آخر، لا توخزُ الإبرُ في المناطقِ عينها دائماً. كذلك يركِّز العلاجُ بالإبرِ على نقاطٍ في جسمِ المصابِ بالأرق مغايرةٍ عن مصابٍ آخر، والأمرُ يرجع إلى سببِ الأرق، ومستوى الإرهاق أو السترس الذي يشكو منه».
ولناحيةِ الطبِّ الهندي، أفادت بأن «دراساتٍ، أكَّدت موثوقيَّة نجاحه في علاجِ بعض أمراضِ المناعةِ الذاتيَّة، منها أنواعٌ محدَّدةٌ من الروماتيزم، إضافةً إلى الأكزيما، لأنه يرتبط بالسترس». وتابعت: «حسبَ بحوثٍ، للطبِّ الهندي تأثيراتٌ إيجابيَّةٌ في علاجاتِ الأرق، وأوجاعِ الرقبة والظهر». وتوسَّعت في الحالةِ الأخيرةِ بالقول: «كثيرٌ من المرضى الذين يشكون من أوجاع الرقبةِ والظهر، يستفيدون من هذه العلاجات، وحسبَ الخبرة، تبيَّن أن مواظبتهم على تمريناتِ يوغا محدَّدةٍ، وتلقِّي علاجٍ يسمَّى فاستي vasti، يسهم في تجديدِ الخلايا، فلا تعاود الآلامُ الظهورَ لأعوامٍ، تصلُ إلى الخمسة».
بديهيات
وفي ختامِ اللقاء، ذكَّرت الاختصاصيَّة ببديهياتٍ في هذه العلاجاتِ بالقول: «ليس أي مرهمٍ طبيعي، أو دواءٍ عشبي، يفيدُ في علاجِ كلِّ الأمراض، خاصَّةً أن تناولَ بعض الأعشابِ بكميَّاتٍ غير مضبوطةٍ، يؤذي الجسم، لذا يجب أن يُشرِفَ متخصِّصون على العلاجِ الطبيعي، مع معرفتهم في الوقتِ نفسه بالطبِّ الغربي، إضافةً إلى الطبِّ الطبيعي، وكيفيَّة علاجِ الحالةِ المستهدفة»
لمتابعة الموضوع على النسخة الديجيتال، اضغط هنا