السرطان هو مرض معقّد له أسباب متعدّدة تشمل العوامل الوراثية والبيئية وأنماط الحياة. ولكن، في السنوات الأخيرة، بدأ بعض الدراسات والأبحاث في تسليط الضوء على دور العوامل النفسية في تطوّر هذا المرض.
في هذا المقال، سنتناول فكرة أن السرطان قد تكون له جذور نفسية وكيف يمكن لعواطفنا أن تؤثر على صحتنا الجسدية، كما توضح الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والبرمجة اللغوية العصبية في العلاج الإيحائي وفي العلاج بخط الزمن أزنيف بولاطيان لـ "سيّدتي".

العلاقة بين العقل والجسد
منذ القدم، كانت هناك معرفة في الثقافات المختلفة بوجود علاقة قوية بين الصحة النفسية والجسدية. فالجسد والعقل ليسا منفصلين عن بعضهما، بل هما مترابطان بشكل عميق. علم النفس الجسدي (السايكوسوماتيكس) يُظهر كيف أن التوتر والضغوط النفسية يمكن أن تؤدي إلى مشكلات صحية جسدية، بما في ذلك السرطان.
كيف تؤثر العواطف السلبية على الجسم؟

من المعروف أن العواطف السلبية مثل الغضب، الخوف، الحزن العميق، والإحباط يمكن أن تترك آثاراً سلبية على الجسم. عندما يبقى الشخص في حالة مستمرة من القلق أو التوتر، فإن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض كفاءة الجهاز المناعي، مما يجعل الجسم أكثر عرضة للأمراض.
على سبيل المثال، الغضب المكبوت أو الحزن المستمر يمكن أن يسبب التوتر المزمن في الجسم، مما يعرقل قدرة الجسم على ترميم نفسه ويزيد من خطر الإصابة بالأمراض المختلفة، بما في ذلك السرطان. كما أن العواطف المكبوتة يمكن أن تسبّب حالة من "التوتر الداخلي" التي قد تساهم في نشوء الخلايا السرطانية.
دور الصدمات النفسية في تطوّر السرطان
عند النظر إلى تأثير الصدمات النفسية على الجسم، نجد أن الأشخاص الذين مرّوا بتجارب قاسية أو مؤلمة في حياتهم، مثل فقدان أحد الأحبة أو الصدمات العاطفية العميقة، قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة. تشير بعض الدراسات إلى أن تراكم الصدمات النفسية قد يؤدي إلى ضعف في الجهاز المناعي، مما يعزّز احتمال تطور السرطان.
إن عدم معالجة الصدمات العاطفية أو تأجيل التعامل معها يمكن أن يؤثر على الجسم بشكل عميق، حيث قد تظل تلك المشاعر مختزنة في الجسم، مما يتسبّب في تفاعلات فيزيولوجية قد تؤدي إلى تطوّر المرض.
من المفيد التعرّف إلى أضرار كثرة البكاء على الصحة النفسية والجسدية.
العلاج النفسي والسرطان: الطريق نحو الشفاء الشامل

- رغم أن العلاج الطبي التقليدي مثل الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي لا يزال الأساس في معالجة السرطان، إلا أن العديد من الأطباء والمختصين في العلاج النفسي يؤكدون أن العلاج النفسي يمكن أن يكون عاملاً مهماً في عملية الشفاء. العلاج بالحديث، التأمل، تقنيات الاسترخاء، والعلاج بالتحفيز الذاتي هي بعض الطرق التي يمكن أن تساعد المرضى في التعامل مع الضغوط النفسية المرتبطة بالسرطان.
- التقنيات التي تساعد في تقليل التوتر مثل التأمل واليوغا يمكن أن تساعد في تعزيز الجهاز المناعي وتحفيز الشفاء العاطفي. ومن خلال تعلّم كيفية التعامل مع العواطف السلبية، يمكن للأفراد تحسين نوعية حياتهم ودعم الجسم في مقاومة المرض.
- تقنيات البرمجة اللغوية العصبية: عندما يعاني الشخص من مرض عضوي مثل السرطان، فإن هناك العديد من التقنيات التي قد تساعد في إعادة برمجة التفكير السلبي وتوجيهه نحو تقبل الحالة، والتمكين الذاتي، وتعزيز القوة الداخلية.
بعض تقنيات البرمجة اللغوية العصبية
- التحوّلات في التصوّر (Visualizations): يمكن استخدام التصور لمساعدة الشخص على رؤية نفسه بصحة جيدة، مُعافى من المرض. من خلال تخيل شفاء الخلايا، والتصور الإيجابي، يعزز الشخص من ارتباطه بالصحة والراحة النفسية. قد يكون التصوّر الفعّال للتعافي من السرطان وسيلة للحدّ من تأثيراته النفسية.
- إعادة البرمجة الذهنية (Reframing): هذه التقنية تتضمن تغيير كيفية رؤية الشخص لموقفه. بدلاً من رؤية المرض على أنه نهاية، يمكن للمرء أن يعيد تأطير الموقف على أنه فرصة للتعلم والنمو أو لتقوية الروح. هذه العملية تساعد على تقليل الشعور باليأس وتحفيز الشخص على مواجهة المرض بروح أقوى.
- الاستفادة من النموذج اللغوي (Meta Model): في هذه التقنية، يتم تسليط الضوء على اللغة المستخدمة للتعبير عن المشاعر والأفكار. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يقول "السرطان يعني نهاية حياتي"، يمكن تحويل الجملة إلى "السرطان هو تحدٍ، لكنني أستطيع مواجهته بالتفكير الصحيح والدعم المناسب". هذا يساعد على تحويل العقلية من المحدودة إلى العقلية المنفتحة والمرنة.
- تحويل الأفكار السلية إلى إيجابية Swish Pattern: تستخدم هذه التقنية لتحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية. إذا كانت هناك صورة ذهنية سلبية مرتبطة بالمرض، مثل صورة مقلقة للمستقبل، يمكن استبدالها بصورة ذهنية إيجابية، مثل صورة الشخص وهو يواجه المرض بقوة ويمضي في رحلة التعافي.
- هذه بعض التقنيات التي يمكن استخدامها لتخفيف الضغط النفسي المصاحب للسرطان. تساهم هذه التقنية في تحويل الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع مرضه، وتساعده في الحفاظ على التفاؤل والصحة النفسية أثناء التحديات.
السرطان ليس مجرد مرض جسدي
السرطان ليس مجرد حالة طبية مرتبطة بالجسم فقط، بل هو أيضاً مرض يرتبط بالحالة النفسية والعاطفية للفرد. من خلال فهم العلاقة بين العقل والجسد ومعالجة العواطف السلبية والصدمات النفسية، يمكن أن نساهم في تعزيز الشفاء الشامل والوقاية من الأمراض.
التواصل مع مشاعرنا، العمل على تقوية جهازنا المناعي، والتوجه نحو العلاج النفسي يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو الشفاء. فالعقل السليم في الجسد السليم هو مفتاح الصحة العامة، وقد يكون ذلك هو الطريق للوقاية والعلاج من السرطان.
ينصح بمتابعة هل العزلة عن الناس نضج فكري أم مرض نفسي؟
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.