مصمّم أدرك مهمة حياته، وهو طفل لم يتجاوز عمره الخامسة، عندما كان في لندن؛ هو يذكر بحنين تلك الأيام، التي كان يذهب فيها مع والده، للتمتع بالنظر إلى لوحات الكنائس أيام الآحاد. علمه والده كيف يرى الفن من منظور خاص. في ذلك العمر، علمه أنه يستطيع تصميم أي شيء، وإضافة لمسات جمالية إلى المنظر الطبيعي. كان فاز في مسابقة رسم للأطفال على متن السفينة كوين إليزابيث عندما أبحر مع عائلته من لندن إلى مونتريال في عام 1966. في تلك الرحلة، رسم حقيبة سفر، لأنه كان في حيرة شديدة بشأن كيفية حزمه لكل ممتلكاتهم في بعض الحقائب للذهاب إلى العالم الجديد. هو المصمم كريم رشيد، الذي التقته"سيدتي" وأمتعنا بذكرياته الفنية، وبروعة معروضاته في مساحة كان يقف فيها بجوار باسكوالي جونيور ناتوزي في منتدى التصميم داون تاون ضمن أسبوع دبي للتصميم.
إعداد :لينا الحوراني
إحداث تأثير في التصميم
بدأ كريم رشيد مسيرته المهنيةفي عام 1992، عندما كان يبلغ 32 عامًا من عمره، وتحديدًا عندما انتقل إلى مدينة نيويورك. قبل ذلك عمل في شركات تصميم أخرى. يستدرك قائلًا: "أقمت في شقة متهالكة في مانهاتن، بدون مطبخ أو حمام، وكافحت للبقاء على قيد الحياة بحثًا عن أي عملاء. كنت مصممًا على إنشاء حياة فنية ناجحة. بدأت فيها من مكتبي، بعد الاتصال بنحو 100 شركة من La-Z-Boy وCoca Cola إلى Gillette وHerman Miller، لم أحصل إلا على عميل واحد، Nambe في سانتا في، بنيو مكسيكو. استغرق الأمر الكثير من المثابرة، والعديد من مرات الرفض لأعمالي قبل أن أتمكن من إحداث تأثير في عالم التصميم".
وأضاف: "كانت التسعينيات وقتًا رائعًا للتصميم، حيث كانت هناك مشاريع جذرية تحدث على مستوى العالم، فيما كانت أعمال الفنادق والبوتيكات مزدهرة، كما كانت صناعة الأثاث مغامرة. ببساطة، كان التصميم موضوعًا عامًّا".
العمل الحقيقي هو الدمج التعاوني للعقول والرؤى والأيديولوجيات، وعندما يكون لديك العلاقة الصحيحة في الحب، العمل، الصداقة، والدعم
تأثير الحمض النووي
يعتمد المصمم على نهج محدد، متمثّل في ضخ روح إيجابية، وجمالية، في عالم التصميم. وتلمس أعماله حواس البشر الخمس، وتُطور السلوكيات البشرية. يقول، في هذا الصدد: "التصميم هو صانع ثقافتنا، وهو يُحسّن المجتمع، وينقله من نطاق صغير إلى نطاق كبير. عندما تصمم فندقًا أو مطعمًا أو منتجًا، تعيش التجربة الإنسانية الفريدة والغامرة. بتصميماتي أنا واثق من قدرتي في التأثير على من حولي عاطفيًا، ووظيفيًّا، وجماليًّا، وسلوكيًّا".
لم يتجه كريم إلى التراث المصري، الذي يُشكّل أصوله بطابع مفهومي، وواع في تصميماته، لكنه يؤمن بالحمض النووي الذي يخرج من دون وعي، في تصرفات الإنسان، وأعماله. يوضح، في هذا الإطار، أنه أدرك منذ نحو 15 عامًا فقط، أن رموزه تشبه الهيروغليفية المصرية. يقول: "لم أفكر في الأمر من قبل، فقد استغرق الأمر مني 44 عامًا للعودة إلى مصر بعد أن غادرت عائلتي، في عام 1962 إلى إنجلترا. وعندما عدت إلى القاهرة، شعرت على الفور ببهجة المدينة تسري في عروقي. إنها مكان غريب رائع حيث أصول حضاراتنا الإنسانية القديمة في كل مكان. ولكن في الوقت نفسه، كانت المدينة غريبة، ولم تعد جزءًا من ثقافتي. كنت صغيرًا جدًا عندما غادرت، وكانت والدتي إنجليزية، وكذلك والدي لم يعد أبدًا، ولم يتحدث كثيرًا عن الثقافة، لذلك لم أتعلم اللغة العربية أبدًا. لكنني نصف إنجليزي وقضيت سنوات أكثر بكثير في إنجلترا، وكندا، والولايات المتحدة، مقارنة بمصر".
أريكة ميموريا تعريف جديد للراحة
عمل المصممان المشهوران باسكوالي جونيور ناتوزي وكريم رشيد أخيرًا معًا، وهما أضافا رؤى إبداعية استثنائية إلى قائمة المشاركين الدولية في أسبوع دبي للتصميم. في هذا الإطار، عرضت "ناتوزي إيطاليا" أحدث إبداعاتها في جناح B1، بما في ذلك أريكة "ميموريا" من تصميم كريم رشيد، التي تأتي ضمن مجموعة "دائرة الانسجام - الذكرى الخامسة والستون"، وتعبر عن قيم ناتوزي إيطاليا في الدفء، وحسن الضيافة. الأريكة مستوحاة من تلال منطقة "أبوليا"، يقول كريم: "من خلال العمل مع Natuzzi، أردت إنشاء مساحة من المنحنيات والانسيابية التي تجمعنا معًا. الأريكة تؤمن مطرحًا لاجتماع للناس، والصداقة، والحميمية"، مضيفًا أن "أريكة Memoria ولدت من بحث طويل ودقيق، حيث كان القصد إنشاء أريكة فريدة من نوعها، لناحية الراحة، ونقية في المظهر، حيث يبرز مسند الظهر بخط مستمر ومتعرج، ما يعطي شكلًا نحتيًا في أي غرفة. أريكة ميموري بخطوطها العضوية المتدفقة تعكس جذور العلامة المتوسطية. كما يتيح تصميمها القابل للتكوينات المرنة، إعادة تعريف الراحة والأناقة في غرف المعيشة الحديثة".
كتاب الكلمات و الأشياء لميشيل فوكو غيّر حياتي، وأضاف لمسيرتي المهنية والفنية
محاضرات في أسبوع دبي للتصميم
عبّر المصمم كريم رشيد عن سروره لزيارة دبي، واحدة من أكثر المدن تطورًا وإبداعًا وتقدمًا في العالم، حيث قدم كلمة رئيسية تحت عنوان "كسر الحدود: إعادة تعريف التصميم مع كريم رشيد"، تابع قائلًا: "كما شاركت باسكوالي جونيور ناتوزي، المدير الإبداعي للعلامة التجارية "ناتوزي إيطاليا"، في نقاش مثير حول "قوة التحولات التي تُحدثها أشكال التعبير متعددة الثقافات"، بمشاركة عدد من المتحدثين البارزين، من بينهم المصممة نيكا زوبانك، وجاسم الصداح من استوديو بابنيم نيم للتصميم، وتناولنا كيفية تأثير دمج العناصر الثقافية المتنوعة في تشكيل التصميم المعاصر، والمحاضرة كانت تجربتي الأولى في دبي عمومًا، وفي هذا الحدث الضخم تحديدًا".
البشر هم نواة أفكاري
بحسب المصمم، يُقدّر العديد من المصممين، التصميم الفردي، بشكل كبير، إلا أنهم يفشلون في الحفاظ على هذا الزخم. وبرأي كريم أن الأمر يبدو كأسطورة مفادها أن المصممين لديهم فكرة، وشركة تنتجها. يستدرك قائلًا: "لكن العمل الحقيقي هو الدمج التعاوني للعقول، والرؤى، والأيديولوجيات. استغرق الأمر مني سنوات عدة لأتعلم أن الوقت الوحيد الذي ينجح فيه المرء، هو عندما تكون لديه العلاقة الصحيحة، والعلاقات هي كل شيء في الحياة: الحب، والعمل، والصداقة، والدعم، فأنا استوحي أعمالي من البشر والطبيعة. إلهامي هو إنشاء تصاميم سهلة / ناعمة لتناسب أجسادنا. أدركت أن السمات الأكثر بروزًا في التصميم الحالي لا علاقة لها بالواقع البشري. حيث لا توجد زوايا حادة وتناسق في الطبيعة. لذلك، وجدت أن عناصر الديكور دائرية الشكل في التصميم، و الملموسة، أكثر إنسانية. بذا، يضفي المصممون طابعًا إنسانيًّا على عالمنا المادي والافتراضي، في كل الأماكن: في المنزل وفي العمل... إنهم ببساطة يجعلون البيئة أكثر إنسانية".
كتاب الكلمات والأشياء
عبّر كريم رشيد عن سعادته البالغة جدًّا بالإقامة في آخر مشروع لزها حديد، وهو فندق Me by Melia في دبي. وعلّق قائلًا: "بصفتي مصممًا صناعيًّا مهووسًا بالنمط العضوي غير المتبلور القائم على البيانات، كنت أحترمها كثيرًا. إن تشكيل الفضاء للتجربة الإنسانية يحتاج إلى هذه الحساسية والحسية والجمال التي غرستها برشاقة في الهياكل على المستوى الدولي".
يوصي المصمم الصناعي كريم رشيد، بقراءة كتاب الكلمات والأشياء لميشيل فوكو، والذي يشرح فيه فوكو المعرفة بشكل جميل من خلال اللغة والفن والسياسة وكل ما يمكن تخيله. في هذا الكتاب. أفكاره ملهمة للغاية. يقول رشيد: "هذا كتاب رائع غيّر الطريقة التي أرى بها الحياة. أشعر أنني مدين بمسيرتي المهنية لكتابات فوكو".