«كلُّ شخصٍ في الدنيا لديه قصَّةٌ ليرويها». لهذا نتعلَّقُ بالسينما، ونحبُّها، ونشعر بالشغفِ عند مشاهدتها. يراودنا شعورٌ في تلك اللحظةِ بأننا لسنا وحيدين، كما أن أفلامها، تعكسُ ما نحسُّ به، ولا نُحسِن التعبيرَ عنه. السينما مرآةُ الواقع، ولأن الواقعَ السعودي الآن أصبحَ أكثر بريقاً وتوهجاً مقارنةً بما مضى فقد كان طبيعياً أن تتطوَّر السينما السعوديَّة بوتيرةٍ أعلى، وتُسجِّل خطواتٍ أسرع، وتتَّخذ مساراتٍ أكثر جرأةً، وتنفتح على الهمومِ الحقيقيَّة، والآمالِ العريضةِ للسعوديين، لتتحوَّل إلى أداةٍ مهمةٍ في طريقِ رسمِ مستقبلٍ مشرقٍ للمجتمعِ السعودي، الذي يعيشُ اليوم في عصرِ الفرصِ الذهبيَّة ضمن «رؤية 2030» الحكيمةِ والملهمة.
البدايات
مَن يظن أن السينما السعوديَّة حديثةُ عهدٍ، فهو مخطئٌ تماماً، فشغفُ السعوديين بالسينما والفنِّ قديمٌ، ومتجدِّدٌ دائماً، إذ بدأت السينما في البلادِ خلال خمسينياتِ القرنِ الماضي مع ما سُمِّي بـ «سينما الأحواش»، أو «أفنية المنزل» والأسطح، وسينما الأنديةِ الرياضيَّة، التي استمرَّت في الستينياتِ والسبعينياتِ قبل أن تتوقَّف، لتعودَ بشكلٍ أقوى مع انطلاقةِ «رؤية السعوديَّة 2030» حيث أحدثت تغييراتٍ جذريَّةً في قطاعِ الأفلامِ والعروضِ المرئيَّة، لا سيما بعد إنشاءِ الهيئةِ العامَّة للثقافة عامَ 2016 التي أشرفت على المجلسِ السعودي للأفلام، الذي تأسَّس في 2018، ويهدفُ إلى تطويرِ الإنتاجِ المحلي، والمحتوى الإبداعي.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط
لماذا السينما؟
السينما قوَّةٌ ناعمةٌ، تستحقُّ الاستثمار، فهي في عصرنا الجاري، ليست مجرَّد وسيلةٍ للترفيه، وإنما أداةٌ قويَّةٌ لتعزيزِ الثقافات، وتعميقِ الفهمِ بين الشعوب، ونقلِ الرسائلِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة. من هنا، يمكننا القولُ: إن السينما، تستحقُّ الاستثمارَ الضخمَ الذي تقومُ به عديدٌ من الدول فيها، كونها صارت «قوَّةً فنيَّةً»، يمكن أن تُغيِّر المجتمعات.
هوليوود وبوليوود
عندما نتحدَّثُ عن السينما، تأتي «هوليوود» في صدارةِ المشهد فقد تحوَّلت إلى «سفيرةٍ ثقافيَّةٍ» للولايات المتَّحدة للعالمِ كلّه حيث تجاوزت الأفلامُ الأمريكيَّة الحدودَ الوطنيَّة، وأصبحت جزءاً من الثقافةِ العالميَّة، ما جعل أمريكا تحظى بمكانةٍ عالميَّةٍ مرموقةٍ.
بوليوود، هي الأخرى، تمثِّلُ نموذجاً ناجحاً للسينما بوصفها قوَّةً ناعمةً فالأفلامُ الهنديَّة، تعكسُ التنوُّعَ الثقافي واللغوي والديني في البلاد. وهذه ليست مجرَّد أمثلةٍ على القوَّةِ الناعمةِ للسينما، بل على «كيف يمكن أن تصبح الثقافةُ الشعبيَّة وسيلةً فاعلةً لتعزيزِ الهويَّة الوطنيَّة»، تماماً كما هو الحالُ مع الأنمي الياباني، الذي يُعرِّفُ بالثقافةِ اليابانيَّة بطريقةٍ مبتكرةٍ وجاذبةٍ.
دعم غير مسبوق
جاءت بدايةُ التغييرِ الحقيقيَّة في ديسمبر 2017 عندما أعلنت وزارةُ الإعلامِ عن السماحِ بإصدارِ تراخيص دورِ عرضٍ سينمائيَّةٍ في البلاد. وفي أبريل 2018، تمَّ افتتاحُ أوَّلِ سينما بمركزِ الملك عبدالله المالي في الرياض، ليتوالى بعدها افتتاحُ دورِ العرضِ في عديدٍ من المناطق السعوديَّة، وتأسيسُ وزارةِ الثقافة، التي رعت قطاعَ الأفلامِ عبر «هيئة الأفلام»، وأطلقت مجموعةً من المبادراتِ لدعمه، منها مهرجانُ البحرِ الأحمر السينمائي الدولي، ومسابقةُ ضوء لدعم الأفلام.
ما رأيك بالاطلاع على الأفلام السعودية في المهرجانات العالمية رحلة نصف قرن من "اغتيال مدينة" إلى "نورة"
إيرادات خيالية
دخلت السينما السعوديَّة مرحلةً جديدةً ومهمَّةً في مسيرتها خلال العامَين الأخيرَين عبر إنتاجِ أفلامٍ جماهيريَّةٍ، استطاعت حصدَ إيراداتٍ تاريخيَّةٍ في «شبَّاك التذاكر» مثل «سطار»، الذي أصبح الفيلمَ السعودي الأكثر تحقيقاً للإيرادات في التاريخِ إثرَ عرضه في دورِ السينما نهايةَ عامِ 2022. كذلك «الهامور» أوَّلُ فيلمٍ سعودي يُعرَض جماهيرياً في دورِ السينما المصريَّة.
مهرجانات سعودية
تمَّ إطلاقُ مهرجاناتٍ سينمائيَّةٍ محليَّةٍ في السعوديَّة مثل مهرجانِ أفلام السعوديَّة، الذي انطلقَ في الظهران بالمنطقةِ الشرقيَّة عامَ 2008 بغية دعمِ الأفلامِ وصنَّاع السينما في البلاد، ومهرجانِ البحرِ الأحمر السينمائي الدولي «عام 2019 في جدة».
إنجازات عالمية
تشارك عديدٌ من الأفلامِ السعوديَّة في أهمِّ وأكبر مهرجاناتِ السينما حول العالم مثل مهرجانِ فينيسيا السينمائي، الذي شاركت فيه المخرجةُ هيفاء المنصور بفيلمها «المرشَّحة المثاليَّة»، ليصبحَ أوَّلَ فيلمٍ سعودي ينافسُ في المسابقةِ الرسميَّة بهذا الملتقى السينمائي العالمي، ومهرجان كان، الذي شهد مشاركةَ فيلمِ «نورة» للمخرج توفيق الزايدي ضمن مسابقةِ «نظرة ما»العامَ الجاري، وحصل على تنويهٍ خاصٍّ من لجنة التحكيم. كذلك حقَّق فيلما «ناقة»، و«مندوب الليل» نجاحاً لافتاً في مهرجانِ تورنتو السينمائي. بينما يعدُّ الفيلمُ الروائي القصيرُ «حرمة» للمخرجةِ عهد كامل أوَّلَ عملٍ سعودي يشارك في المسابقةِ الرسميَّة لمهرجانِ برلين عامَ 2013.
جودة الأفلام
تحسَّنت جودةُ الأفلامِ السعوديَّة بشكلٍ ملحوظٍ بفضلِ إسهامِ عديدٍ من المؤسَّسات التعليميَّة، والمهرجاناتِ السينمائيَّة، والمشروعاتِ الثقافيَّة بالسعوديَّة في تنفيذِ برامجَ تدريبيَّةٍ، تهدفُ إلى تطويرِ مهاراتِ صنَّاع الأفلامِ والمحترفين. ومع زيادةِ جودةِ وكميَّة إنتاجِ الأفلامِ السعوديَّة، زاد نطاقُ توزيعِ هذه الأفلامِ على الأسواقِ، والمهرجاناتِ الإقليميَّة والعالميَّة.
ما رأيك بالتعرف على 3 مخرجات عربيات وحديث عن دور الأفلام في حياة الناس
مواقع تصوير جاذبة
المملكة العربيَّة السعوديَّة، تتمتَّع بتنوُّعٍ جغرافي كبيرٍ، سواءً على صعيدِ المعالمِ التاريخيَّة، أو المعاصرة، وهو ما يجذبُ شركاتِ الإنتاجِ الدوليَّة. وفي الأعوامِ الثلاثةِ الماضية، شهدت البلادُ إنتاجَ عديدٍ من الأعمالِ السينمائيَّة الدوليَّة حيث جرى تصويرها في مناطقَ مختلفةٍ من السعوديَّة، وتمَّ توفيرُ التسهيلاتِ اللوجستيَّة والدعمِ المالي اللازم لها، منها فيلمُ Kandahar من بطولةِ جيرارد باتلر، وجرى تصويره في محافظةِ العُلا، ومدينةِ جدة، وفيلمُ Cherry، وصُوِّر أيضاً في محافظةِ العُلا، والعاصمةِ الرياض، وفيلمُ Desert Warrior من بطولةِ أنتوني ماكي، وتمَّ تصويرُ جزءٍ كبيرٍ منه في مدينةِ تبوك على مدارِ 11 شهراً، مع إشغالِ معظمِ الوحداتِ السكنيَّة فيها، بالتالي ازدهارِ النشاطِ التجاري في أسواقِ المدينة.
منصّات البث
ارتفع في الأعوامِ الأخيرة، تأثيرُ نموذجِ منصَّات البثِّ الرقميَّة المتقدِّمة في مشهدِ صناعةِ الترفيه، ما يمثِّلُ تحدياً كبيراً لنموذجِ «شبَّاك التذاكر» التقليدي. ودخلت شركاتُ البثِّ الرقميَّة العالميَّة الكبرى مثل «نتفليكس»، و«أمازون برايم فيديو»، و«ديزني+» في منافسةٍ مع شركاتِ السينما لجذبِ الجماهير، إذ توفِّرُ سهولةَ الوصول، وتدفُّقاً مستمراً لمحتوى متنوِّعٍ بلغاتٍ وأشكالٍ عدة، وظهر هذا جلياً مع عرضِ أفلامٍ سعوديَّةٍ على أكبر المنصَّات العالميَّة. على سبيل المثال، حقَّق الفيلمُ السعودي «الخلاط+» نجاحاً كبيراً، وجاء ضمن قائمةِ أفضل عشرةِ أفلامٍ من حيث المشاهدة في منصَّة «نتفليكس» على مستوى العالمِ في أسبوعه الأول بـ 1.57 مليون ساعةِ مشاهدةٍ.
خطوات ملموسة
الناقدُ السعودي أحمد العيَّاد، يرى أن الحديثَ عن السينما السعوديَّة متشعِّبٌ جداً، والآراءُ حولها مختلفةٌ ما بين قولٍ، يرى أنها سينما مُبالغٌ في الاحتفاءِ بها، وآخرُ يجدها لاعباً أساسياً في المشهدِ السينمائي العربي حالياً.
وحول ذلك، قال العيَّاد لـ «سيدتي»: «بعيداً عن الفريقَين، إذا اطلعنا على المشهدِ بشكلٍ واقعي، فسنرى أن هناك خطواتٍ سينمائيَّةً مهمَّةً وملموسةً. لو اعتبرنا أن البدايةَ العمليَّة للسينما السعوديَّة، المدعومة، كانت في 2018، سنلحظ، عاماً بعد آخر، تطوُّراً كبيراً في المشهد، وانتشاراً للفيلمِ السعودي، وإن كنت أرى أن 2023، هو عامٌ فارقٌ سينمائياً بشكلٍ كبيرٍ لوجود فيلمَي مندوب الليل، وناقة، فبعيداً عن تميُّز العملَين من الناحيةِ الفنيَّة، من وجهةِ نظري، ووجودهما في مهرجانِ تورنتو السينمائي الدولي، أجد أن ميزتَهما الوصولُ عربياً، والنجاحُ الكبيرُ لدى الجمهورِ العربي، إلى جانبِ نجاحهما النقدي عند غالبيَّة النقَّاد».
وأضاف: «أيضاً فيلمُ ناقة، حقَّق مشاهداتٍ عاليةً على منصَّة نتفليكس في أوَّلِ أيامِ عرضه، في حين حصد فيلمُ مندوب الليل نجاحاً كبيراً في مهرجانِ البحر الأحمر السينمائي، وصالاتِ السينما السعوديَّة، وخلال الجولةِ التي قامَ بها في عددٍ من الدول.
واستطرد: «تتويجُ السينما السعوديَّة، جاء بمشاركةِ فيلمِ نورة في مهرجانِ كان السينمائي في أوَّلِ مشاركةٍ رسميَّةٍ للسينما السعوديَّة في المهرجانِ العريق». والآن نحن في انتظارِ عديدٍ من الأفلامِ المحليَّة المرتقبة مثل هوبال، صيفي، القيد، المجهولة، وهجرة، وأغلب التوقُّعات تشير إلى أننا سنشاهدُ أحدها، خاصَّةً آخر فيلمَين، في مهرجاناتٍ سينمائيَّةٍ عالميَّةٍ في مقبلِ الأيام».
أرقام استثنائية
خلال الأعوام الستة الماضية
- عدد دور العرض ارتفع إلى 66 دار عرضٍ موزَّعةً على 22 مدينة
- 607 شاشات عرضٍ سينمائيةٍ
- القدرة الاستيعابيَّة لها 62530 مقعداً
- إيرادات دور العرض السينمائي تجاوزت 888 مليون ريال «236.8 مليون دولار»
- 17 مليون تذكرةٍ مقارنةً بـ 14.3 مليون تذكرةٍ في 2022
- عرض 432 فيلماً من مختلف دول العالم
المصدر: وكالة الأنباء السعودية «واس»
يمكنك أيضًا الاطلاع على أفلام سعودية بمستوى عالمي: المستشار تركي آل الشيخ يكشف عن خطة إنتاج الأفلام الفترة المقبلة