يشير "لورانس ستون"، مؤرخ الزَّواج البريطاني، إلى أنَّه على مدى حقب التاريخ لم يكن دوام الحبِّ أو استمراره قويًّا بشكل يدعو إلى التفاؤل بشأنه؛ بسبب الأمثلة الكثيرة والمتكرِّرة لانفصال كثير من العشاق الذين كانوا مضرب الأمثال في قوة العشق، حتى إنه لا أحد يتصوَّر أن يأتي ذلك اليوم الذي ينفصلان فيه بعد أن يذبل حبهما ويموت.
اليونانيون القدامى كانوا يرون أنَّ الحبَّ ليس إلا تجربة قصيرة في الحياة... ورأى البريطانيون أنَّ الحبَّ لا يخرج عن كونه عاطفة تجلب المعاناة للمحبين، وكثيرًا ما تتحول إلى مأساة مؤقتة.
أما الفرنسيون فإنَّهم يرون أنَّ النهايات السعيدة في تجارب الحبِّ لا تحدث إلا في خيال الروائيين.
يقول «لورانس ستون»: إنَّ مفردات العاطفة الملتهبة ابتكار بدأ في نهاية القرن السابع عشر، وتوطدت أركان مفردات ومصطلحات الحبِّ الملتهبة مع بداية القرن الثامن عشر... وبدأ مع قراءة الأوروبيين للروايات الرومانسيَّة الأولى.
في ذلك الوقت قال الأوروبيون: إنِّ الحبَّ سلوك مكتسب ولا ينبع من داخل الإنسان، بل يكتسبه ويمتلكه بالعلم، وكذلك قالوا: إنَّ الحبَّ بين الزوجين هو أن يخضع للتساؤل بعد أن كان الزواج في بدايته الأولى مجرد ترتيب تجاري بين عائلتين.
لكن منذ القرن التاسع عشر عرف الحبُّ بأنه انتصار على جمود العادات الاجتماعيَّة، وساعدت الروايات في كشفه للناس على اعتبار أنَّ جوهر الحبِّ هو أن يظهر طرف الحبِّ، وأن يتلقاه الآخر بامتنان في صورة تعبيرات عاطفيَّة جميلة تتدفق من قلب محبٍّ.
والمثير في أمر الحبِّ والمحبين في رأي «لورانس ستون» أنَّه كلما ازداد الطلب على الحبِّ ارتفعت معدلات الطلاق، حيث ارتفعت معدلات الطلاق إلى %50 في الزيجات التي بنيت على الحبِّ؛ ولكن من ناحية أخرى يؤكد «ستون» أنَّ الحبَّ بعد أن أخذ شكلاً اجتماعيًّا عالميًّا، فإنَّ استقراره يساعد كثيرًا على الاستقرار الاجتماعي.
يصف «لورانس ستون» الحبَّ بأنَّه قوة غامضة ومسيطرة، ولها تأثيرها القوي للغاية على تفكيرنا وقراراتنا، وهو يبدأ مع العمر المبكر، ومع النضج يصبح له طعم زائد في حلاوته يستطعمه من يقدّر قيمته ويعرف قدره، ويتطلب الحبّ الولاء والإخلاص، ونستجيب له بحريتنا.
في رأي «لورانس ستون» أنَّ القول لا للحبِّ يعد مأساة؛ لأنَّ في ذلك ما يشير إلى الفشل في تحقيق وقيام أهم أركان الحياة الإنسانية، كما أننا جميعًا نشعر بالفشل عندما يموت حبنا وتتمزق أوتار قلوبنا ونحن نستمع لمن يغنون بقسوة لمحبوب وهجره.
وفي رأيي أنَّ الحبَّ أهم عاطفة إنسانية، فبغير الحبِّ تكون الحياة بلا طعم، مجرد أكل ونوم و«خلاص»، ولأهمية الحبِّ في حياتنا نحن نحمِّله فوق طاقته، أو نطلب منه أكثر مما يمكن أن يُعطى. فالمحبُّ -أو المحبّة- يطلب من الطرف الآخر أن يحبه أكثر مما يحبه هو، ويطلب منه الإخلاص والأمانة والرقة والتفاني، وقد تتضارب هذه المطالب بحيث يبدو الحبُّ قد فشل. والحقيقة أنَّ الفشل سببه طرفَا الحبِّ وليس الحب نفسه.
والحبُّ في أحسن تعريفاته هو الأمان. فإذا أمِن الإنسان لشخص قام الحبُّ ببقية المطلوب من العلاقة.
أعطني أمانًا أعطك حبًّا.
أشياء أخرى:
«نعرف أنَّ فلانًا مات..
عندما نحتاج إليه»