جيران

العلم الذي هو روح العصر يأخذ كلَّ المواضيع إلى المختبر، ويُجري عليها الدراسة والتحليل، ثم يُصدر النتائج

>>> 

في كل يوم تطالعنا الأنباء عن أبحاث ودراسات جديدة

وفي آخر ما طالعني وقرأت عن دراسة أميركية جديدة تناولت الجيران

نعم الجيران

وأصدرتْ نتيجة علمية تقول: إن الثقة بالجيران هي وسيلة حديثة لتحسين الصحّة

>>> 

وقد وجد الباحثون في ولاية ميسوري، ومن خلال مراجعتهم لاستطلاع أُجري في لوسْ أنجلس عام 2001 «أن الأشخاص الذين اعتبروا جيرانَهم جديرين بالثقة، كانت صحّتهم أفضل. كما تبيّن أن أصحاب الدخل المرتفع كانوا أقلّ ثقة بجيرانهم

وتتابع الباحثة الين بجورنستورن شرحها فتؤكّد أن الأماكن العامّة المشتركة، مثل الحدائق والأرصفة المخصّصة للمشي، يمكن أن تعزّز التواصل بين الناس، وتساعد على ردم الهوّة القائمة بين الجيران. وهذا قد ينعكس على صحتهم نفسيّاً وجسدياً

>>> 

ونحن، في تقاليدنا، كنّا نعرف ذلك، ومن دون دراسة وأبحاث

ومن بعض الأمثال الشائعة القول: «إسأل عن الجار قبل الدار

أو جارك القريب ولا أخوك البعيد

>>> 

وقد تنبّهتُ في الآونة الأخيرة بأن التحوّلات الحاصلة في مجتمعنا الحديث، وفي مدن مثل عاصمتنا، بيروت، يُنذر بأن مثل تلك الأقوال، قد لا يعود مطابقاً للواقع، كما لا يصحُّ على المجتمع الجديد النامي في شقق بنايات تناطح السحاب

>>> 

قبل نصف قرن، اخترتُ مع عائلتي السكن في هذا الحيّ

ما شدّني إليه هو الهدوء والسكينة، حتى تنطبق عليه التسمية «حيّ سكني بامتياز

لم يكن الحيّ مزدحماً؛ والبنايات، على أناقتها، كانت تتركُ بينها فسحاتٍ يعبرُ منها النور والهواء الطلق

كما تُتيح لقاء السكان، من أمّ تجرُّ عربةَ طفلها، إلى شيخٍ مسنّ يقوم بنزهة الصباح أو المساء. كما تُركتْ بعضُ الفسحات ملاعبَ للأطفال

>>> 

في خلال سنوات الحرب، هاجر بعض السكان؛ إنّما التقارب بين من بقي كان يزداد مع ارتفاع نسبة الخطر، كما كان يجمعهم التأكيد على الصمود والتمسّك بالمكان

>>> 

لكن تلك الألفة بدأت تتلاشى مع تحوّلات جديدة حصلت في الإعمار. فمن المقعد الذي أجلس عليه الآن، كنتُ أسرّحُ النظر، وأنا في الطابق الأول، فيطالعني منظر الشاطئ، وتؤنِسني حركة الأمواج

وبفضل ما شُيِّد مُؤخراً من عمارات شاهقة، فقد توارى المشهد، وكاد يحتجب عنّا الفضاء

>>> 

وقبل عقد من الزمن، شُيّدتْ عمارة جديدة عند حدود بناية سكننا. وأُعلمنا بأنها شققٌ للبيع نفقتْ بسرعة. وتوقّعنا أن تُطلّ علينا، من خلالِ الشرفات وجوهُ الجيران الجدد

وهذا ما لم يحصل. وقد انقضت سنوات، ولا تزال العمارة تتمتع بالوحدة والصمت

>>> 

واليوم أشاهدُ أكثر من عمارة تشهق في الجوار من حولنا. بعضُها وصل إلى حدّ خنقنا، وحجب نور الشمس والهواء الطلق

وهي بنايات فخمة، وتُناطح السحاب. وميزتُها أنها تغيِّر ملامحَ المكان، خصوصاً العلاقة التي كانت تقوم بين الجيران

>>> 

وهذه حالةٌ مستجدّة في مجتمعنا، وأرجو أن تجدَ لها بين العلماء والباحثين مَن يشرح لنا كيف ستكون أحوال المستقبل، وصحّة الجيران