حفلة العرس في أوجها، المنصة التي يتصدرها مجلس العروسين غاصة بالناس،الكل يرقص، بعض النساء يزغردن، أم العروس تضحك وتبكي في نفس الوقت، وأبوها يرفع عكازه في الهواء، ويضرب برجليه الأرض مدندنًا مع اللحن الذي تبثه مكبرات الصوت، أصحاب الفندق لم يقصروا، جهزوا القاعة كما يجب وأكثر، ما كان عليه أن يبالغ في المساومة حين أتى يناقش سعر الليلة معهم.
الفرحة تقفز من عيني ابنته، التقت نظراتهما، واغرورقت عيناه، توقف عن تتبع إيقاع الطبل والتفت يبحث عن زوجته.
لم تكن على المنصة.
لمحها خلف طاولة، تستند على ظهر مقعد، وتشد صدرها بيدها.
نوبة قلبية؟ الآن؟
تملكه الهلع وشق طريقه بين المدعوين، وقفز أرضًا وكاد يقع لو لم تمتد يد رحيمة لتسنده.
تشبث بالذراع التي ساعدته وهرع إلى زوجته.. خير؟ نوبة جديدة؟ لا، لا، أم العروس تجهش ببكاء لم تعد لها سيطرة عليه، ابنتها سترحل، لن تسمع حسها بعد الآن في البيت.
طوقتها النساء من كل جانب، وارتفع نحيبهن، والتفت غير مصدق إلى صهره الذي كان يسنده، نسيبتك جنت، ظننتها تعرضت لنوبة قلبية، لكن لا، الهانم مفجوعة على فقدان ابنتها، أي هراء هذا؟
غضبه عليها أنساه أنه منذ لحظات فقط كاد يستسلم لنفس الضعف، أفزعته انحناءاتها المريبة، ربت على يد صهره، نعم الرجل، كان هناك حين كاد يفقد توازنه، وهو هنا الآن، معه، وهو يكاد يفقد عقله.
هون عليك يا عم، من حقها أن تبكي لفراق ابنتها، ولو أنه لن يكون فراقًا حقيقيًا، سنكون عندكم كل يوم.
إن شاء الله يا ولدي.
دس يده في صدره يبحث عن منديل، ها هو يبكي هو الآخر... كالحريم، شعر بأن شيئًا ما لم يكن في مكانه، وجد المنديل، لكنه لم يسحبه، تسمرت أصابعه لحظة ثم تحركت بانفعال محموم في كل الاتجاهات.
محفظة نقوده، أين هي؟ أين اختفت؟ يا رب أين المحفظة؟ فتح سترته وفتش في جيوبها، دس يده في جيب القميص، بحث في جيوب البنطلون، لا أثر للمحفظة، ما هذه المصيبة؟ حقوق أصحاب الفندق والعشرة آلاف درهم التي قدمها له صهره، فضيحة، ماذا يفعل؟ من أين يأتي بكل تلك الأموال؟
تهالك على المقعد الذي جذبه له العريس وولول كالولايا اللائي انتقدهن منذ لحظة، مصيبة، فقد كل ما يملكه.
اصفر وجه زوجته وسالت دموعها من جديد، وتحلق المدعوون حولهما،
فليهدآ، لن تطير المحفظة، إن وقعت منه سيجدونها، تحرك الجميع يبحثون بين الطاولات وتحت المقاعد وفوق المنصة، فتشوا القاعة شبرًا شبرًا، وانضم إليهم عمال الفندق، ولم يعثروا على شيء.
بكى والدا العروس وأخذهما صهرهما وعروسه في حضنهما، ورق قلب المدعوين، وخجلوا من فكرة أن يكون بينهم لص مندس، واقترحوا بأن يدفع كل منهم ثمن وجبة عشائه على الأقل، ومن يريد أن يساعد العائلة المنكوبة بأكثر فله ذلك، والله يجازيه.
تفهم أصحاب الفندق الوضع، ويسروا لوالد العروس سبل دفع ما بقي بذمته بالتقسيط.
انتهى الحفل، وتفرق الناس، وسافر العروسان لقضاء شهر العسل كما كان مخططًا في إحدى مدن الشمال، أقسم والد العروس أن لا يؤجل صهره السفر يومًا واحدًا، يكفي ما كلفه بإهماله.
غاب العروسان ثلاثة أسابيع، ولم يعلما بأن أصحاب الفندق اتصلوا بوالد العروس وقدموا له محفظته التي وجدها العمال مخبأة في آنية زهور، لم يكن فيها أثر للمال ولا للشيك، وحدها أوراق الهوية وبعض الوثائق غير الهامة مدسوسة فيها.
فكرت العروس بعد استقرارها في شقتها بأن تدعو أهلها وأحبابها لمشاهدة فيلم الحفلة الذي نسيه الجميع بعد ما وقع، قد يكون من المفيد تذكر اللحظات الجميلة في تلك الليلة، جلس الجميع أمام الشاشة وأشرقت أساريرهم وهم يتابعون وقائع الحفل، دخول العروسين، تبادل التهاني، الرقص والمرح وعناق الأحبة، ووالد العروس يقفز ويضرب برجليه أرض المنصة ويتوقف ثم يقفز ويسقط شيء من صدره.
محفظة نقوده.
أحدهم يسرع خلفه، ينحني بخفة فائقة، الكاميرا تتابع رقص جمع من المدعوين، يد الشخص تبدو في الزاوية، قرب آنية زهور، ترمي شيئًا فيها، وتدس شيئًا آخر في صدر... العريس!
الشخص الذي سرق المحفظة هو العريس!
خيم الصمت على اللمة، وساحت دموع العروس.