غزوة النخيل

كنا خمسة أشداء، وفي بداية ظهور علامات الرجولة علينا، اجتمعنا لا على شيء، إلا على قتل الوقت، سواء ليلاً أم نهارًا، ولكن هذه المرة كنا ليلاً، فبعد أن مللنا من مشاهدة التلفاز، وفرغنا من وصلات «التريقة والتقريع» على بعضنا بعضًا، وإذْ بصديق لنا يأتي بفكرة شيطانية، وهي أن ننتقم من رجل يملك حقلاً من النخيل، فلطالما منعنا من لعب الكرة ونحن أطفال، وكم من مرة أوسعنا ضربًا عند اقترابنا من حقله، بسبب سقوط الكرة في مزرعته، وكم من مرة أخذ الكرة ولم يردها لنا إلا أشلاء ممزقة.. ورأى صديقنا أنه حان الوقت للانتقام منه، بأن نذهب حيثُ حقله ونأتي بما نستطيع أن نحمله من التمر، ولا أنسى أن أذكر هنا أن تمره هو الأجمل والأفضل، إنْ لم يكن الأغلى أيضًا، ورحب الجميع بالفكرة، وبدأوا في الاستعداد للغزوة النخيلية، إلا أنا، أصابتني حالة من الهلع، فلم أقم بمثل ذلك العمل من قبل، ولا أُجيد تسلق النخل.. نظر أصدقائي إليَّ نظرة مفادها أنني جبان، وجمعوا أنفسهم بعد أن تسلحوا جيدًا بالسكاكين والفؤوس، والكثير من الحبال، كأنهم يعدون لمعركة ما، وذهبوا أربعتهم، وبقيت مكاني أتابع مسلسلاً إذاعيًّا، فقد كان الإرسال التليفزيوني ينتهي عند الثانية عشرة ليلاً، وكان المسلسل يحكي قصة مرعبة، وفجأة إذ بالباب يركل على عجل، وبصديق من أصدقائي الأربعة يدخل مسرعًا والطين يلطخ ملابسه، وأسرعت خلفه وهو ممسك بالباب ينظر من فتحة ضيقة، فقلت ماذا حدث، وهو لا يزال يلهث، ولا يردد سوى «كانوا كثرًا، كانوا كثرًا» لم أفهم منه شيئًا، ولكنني توقعت أنه جابه معركة شرسة ضارية، هدأت من روعه مع احتياجي لمن يهدئ روعي، وإذْ بالمشهد نفسه يتكرر مع الثاني، والثالث، والرابع، بالطريقة نفسها، كانوا متشابهين، حتى أنني لم أستطع أن أفرِّق بينهم إلا من أصواتهم، فقد كان الطين يغطي معظم ملابسهم، والغريب أيضًا أنهم تركوا أسلحتهم وعتادهم مكان الغزوة، وبعد أن هدأوا قليلاً بدأوا بسرد ما حدث لهم، فقال قائل: كانوا عشرة، فقد كانت الحجارة تنهال علينا من كل الاتجاهات، وأخذ الحديث آخر فقال: لقد أُصبت إصابة مباشرة بحجر في ظهري أسقطني من على النخلة، وقال آخر: رأيتهم، فقد كانوا يتحلَّقون حولنا ويزأرون زئيرًا مخيفًا.. وسألت منْ هم؟ قالوا: لا ندري، وعدت وسألتهم أين عتادكم وأحذيتكم؟ فقالوا بصوت واحد: «اسأل عن حياتنا أولاً»..  وعمَّ الصمت، ونال التعب من الجميع، فنمنا حتى الصباح وأثار الفضول فينا أن نمر مكان الحدث، فبعد أن بدلنا ملابسنا، مررنا على المزرعة، فوجدنا صاحب المزرعة نفسه، اقتربنا منه وسلمنا عليه، ورحب الرجل بشدة، وأعد لنا الشاي، وانتظرنا أن يقص علينا ما حدث أمس، ولم يطل انتظارنا كثيرًا.. فقد لمحت بطرف عيني أحذية أصدقائي ملقاة بجواره وجميع عتادهم، وبعد أن سألنا عن وجهتنا وتأكيدنا له على أننا أردنا فقط أن نسلم عليه، ونكون ضيوفه، فكرر ترحابه وقال: أمس حدثت لي قصة طريفة، وبدأت وجوهنا تتلون.. وأخذ يقص الرجل قائلاً: كانوا قرابة العشرة رجال، وكنت وحدي، لقد كانوا ينوون سرقة المزرعة، ولكن هيهات.. فقد هزمتهم ولا أحسن مدفعية وكأفضل رامٍ، فقد أمطرتهم بالحجارة فولوا مدبرين تاركين هذه الغنائم.. ويضحك الرجل ونحن نضحك؛ ولكن على خيبتنا.

ملحوظة مهمة، هذه القصة من خيال الكاتب، والكاتب بريء من هؤلاء اللصوص، ولم يكن له مطلقًا أصدقاء لصوص، حتى في طفولته، وللعلم وجب التنبيه.