من الصعوبة بمكان ترك إبرة الإذاعة على هواها، أغنية «تحنّن» وأغنية «تجنّن»، لكن هذا لا يمنع من دقائق قليلة، تترك فيها الخيار لمنسّق الأغاني في إذاعة ما، ندر فيها الذوق لنوعيّة الاختيارات الموسيقية... الحظ السعيد يكتمل بغياب (منظّري) الإذاعات مذيعي قنوات FM الذين «يتحفوننا» بآرائهم السطحية، ولهجاتهم «المؤنّثة»، المفرطة في (دلع) لم يعهدوه في صغرهم، يمارسونه بعد انقطاع عن بلوغهم العمري، فيحاولون أن «ينتقموا» منّا، بفرض سذاجتهم ولعثمتهم علينا وعلى الأذن المسكينة، وهي المطلوب منها تصفية ما استطاعت إليه سبيلاً.
في خضم الأغاني والأصوات، وبعد محطة إعلانية عن منتج للتنحيف أو التطويل، أو لزرع الشعر، أو لتكبير أو تضييق أشياء لها علاقة برسائل الجمال الاصطناعي، تنبثق مقدّمة موسيقية كإشارة إلى أغنية متكاملة. فضربات القانون الأولى تشير إلى طمأنة، وانسحاب الإيقاع الهادئ يشي بأن الصوت القادم هو من الأصوات الملتزمة، ويزيد من حجم المفاجأة انسياب صوت مغني «مليون مرة أحبك» وائل جسار.
تتجلّى موهبة الملحّن الذي يضع لمساته في ثنايا الأغنية، كما فعل وليد سعد في هذه الأغنية، التي لو أخرجناها من لحنها، لوجدنا أن معانيها مكرّرة، لكن اللحن والتوزيع استطاعا حماية الأغنية من السقوط.. لدرجة أن من يستمع إليها يتواصل مع الفواصل الموسيقية كجزء أساسي... فهي خليط من طرب يعتمد الجملة (الركيزة) في انطلاق اللحن نحو الفضاء الأوسع، وهدوء الإيقاع يتيح هضم الأغنية، وتبنّيها من المستمع، وتبقى الملاحظة للمحتوى الشعري المفرط في (كلاسيكيته) وتكراره، كما في هذا المقطع:
إنتي أجمل من جمالك /نفسي أعرف إيه في خيالك
واللي يخطر يوم في بالك/والحنين ليه منتهاش..
الرموش تسأل عيني /ليه ما شفتش إلا هي
والدموع تنسي الأسيّه/وحزني لسه ما ابتداش
يبقى الجسار وائل الذي يتسلّل كلاعب كرة مخضرم، لا يهدر وقته في الركض فقط، بل يسجّل الأهداف ويحظى بمباركة الجمهور، في حين ذهب الجميع إلى الأغنية الراقصة والقفشات المركّبة والسريعة الباحثة عن نيل الألقاب. يقرّر الجسار أن يدخل قلوب المصريين بعد عدّة تجارب لبنانية لم تصله إلى حدّ الطموح وقدرات صوته المميّز، فيطلّ من خلال مجموعة أدعية نفّذها في مصر وقدّمته كصوت واضح المعالم، شديد الالتزام بالأصول الغنائية... فالأدعية تحمل كلاماً جللاً يحتوي على حروف التفخيم وعلى ذكر المرسلين وذلك يفرض احتراماً على السامعين بمختلف أهوائهم. بهذا، حقّق وائل أهدافاً عدّة في خرق (المرمى) المصري الحصين على العرب الأجانب الذين ما زالوا يحرصون على إرضاء هوليوود الشرق من خلال منتجهم الفني...
عاد الجسار للغناء مقدّماً تجربة جمعته مع صوت مصري (الفنانة حنان)، فاحتلّت أغنيتهما «يا روحي غيبي» عقب تقديمه لمجموعة الأدعية مراتب أولى في بورصة الأغاني، متقدّماً على مخضرمي الأغنية المصرية منهم هاني شاكر ومحمد فؤاد، ليحظى بأكثر نسبة استماع ومباركة حتى من وجوه دينية معروفة.
«يا روحي غيبي» جاءت بلمسات مصرية صرفة، وزاد من شدّة التألّق صوت مطربة شابة لها عبق الراحلة ذكرى من حيث تزاحم العُرب الصوتية المنسابة بين الكلمات القادرة على جذب المستمع للسؤال: من هي صاحبة هذا الصوت الجميل إلى جانب وائل جسار في «يا روحي غيبي»؟
عملية البحث عن صاحبة الصوت في هذه الأغنية مضنية... لا يوجد سوى خبر يتيم على الشبكة العنكبوتية يبشّر بهذا الصوت ويتحدّث عن الشركة المنتجة وعن مخرج «الفيديو كليب» صاحب التجارب الناجحة..
لذا، نكتب لنوثّق في هذا العدد من «سيدتي» أن الصوت الذي رافق وائل جسار في أغنية «يا روحي غيبي» صوت حنان، سيكون له شأن مهم في المستقبل، وقد يهدّد أصواتاً متربّعة حالياً على عرش الأغنية المصرية الطربية بالتحديد.. ويبقى أن نتوجّه لوائل الجسار لنقول له: حان الوقت للبحث جدياً عن العوائق التي تؤخّر وصولك إلى المرتبة الأولى، لماذا أنت في الصف الثاني وأنت الأكثر تسجيلاً للأهداف؟
عشر سنوات ماذا أضافت لهيفاء وهبي؟
حفل دبي الأخير الذي جمع هيفاء وفضل شاكر طرح الكثير من الأسئلة، أوّلها كيف يمكن لمستمع فضل شاكر أن يستمع لهيفاء؟ انتقلنا إلى تقبّل فكرة أن هيفاء استعراضية، وهذا ما تروّجه وسائل الإعلام وبعض الأقلام «الحاذقة» في تفسير الظواهر... فخيبة الأمل هنا باتت أكبر، وفي دبي بالتحديد التي تجذب عادة فنوناً من جميع أصقاع الأرض، وقد نجد أحياناً راقصين في مجمّعات التسوّق، من فرق فنية لديها من الموهبة ما يشعرنا بأن الاستعراض شيء آخر، ليس كالذي «تهشّمه» هيفاء وأعوانها من المطربات «المتراقصات»... مشاهدة المتسوّق لعرض فني لبضع دقائق قد تصل به حدّ الدهشة، بينما من تابع حفل هيفاء وهبي في مهرجان التسوّق (اندهش) بالتأكيد ولكن أي نوع من الدهشة؟ عشر سنوات وهيفاء تحاصرنا في المجلات والقنوات والحفلات وصورها على الطرقات ووو... لعلّ فستان هيفاء كان أكثر حضوراً ممّا خطّطت له لجذب الجمهور... سيدات عديدات سألن عن الفستان، وكثيرون حضروا لمشاهدة هيفاء لأن الحفلة قائمة قائمة. لكن الحلّ آتٍ فالمنقذ في الكواليس وهو فضل شاكر، لأن النيّة حضور حفل موسيقي يبعث على البهجة. فلا مانع من بعض «الهرطقات» الفنية قبل أن يبدأ حفل فضل شاكر.
أين الخلل في تكرار التساؤل حول هذه الظاهرة التي استمرّت عشر سنوات في تصاعد إعلاني، واستطاعت سحب البساط من تحت أقدام فنانات لهن شأن في عالم الأغنية؟
تشير التقديرات إلى أن هيفاء تخطّت الأربعين من العمر والعمر الافتراضي (للاستعراض) عادة يكون دون هذه الفئة العمرية... إذاً، ما الذي تملكه من مفاجآت تمكّنها من الاستمرار بمحاولتها، واستمرارنا بقبولها مع البحث عن أعذار لهذا الصوت الذي ينأى عن الطرب، وعن القدرة على إيصال أي رسالة ذات معنى إنساني.
كلّنا متّفقون على أن أداءها يدخل مجال «الدلع» المجاني والذي سئمناه في عالم لم يعد يبحث فيه المراهق عن صورة عارضة جميلة ليزيّن بها جدار غرفته على أساس أنها فتاة الأحلام.
ونشهد تغيّــرات هائلة على جميع المستويــــات... فالتغيّرات لا بدّ أن تصل للذوق العام المتهالك، كون «الفساد» عكس نفسه في الكثير من الأعمال الفنية التي تفرض علينا كما أشياء كثيرة لا رأي لنا فيها، ما أكّد أننا أمام عصر جديد لا قيمة فيه «للتزوير» الفني..