أهدت الكاتبة والفنانة اللبنانية «مروة كريدية» أحدث إصداراتها لكل طفل عانى من ويلات الحروب، ولكل سيدة ترغب في أن ترقى نحو أفق مغاير تحقق فيه تمام إنسانيتها. جاء ذلك خلال أمسية ثقافية استضافها معرض الشارقة الدولي للكتاب ضمن فعاليته، وذلك بحضور حشد من المهتمين بالقضايا الفكرية والأدبية.
وقالت صاحبة «عواصف النسيان»: «طيلة حياتي كانت أفكاري تمثل عقوبة لي، وتمنيت أن تكون الاحتفالية بهذه الرواية في غير تلك الظروف المتشنجة، التي يعيشها «لبنان» والمنطقة في ظل إرهاصات واضحة لعودة الحرب الطائفية والمذهبية من جديد». وأضافت: «لقد كتبت هذا الإصدار في ظل مواجدي وعميق ذاكرتي، حيث ملامح الطفولة العتيقة، واختبرت أن الإنسان ممكن أن يعود في ذاكرته بالتأمل إلى ما قبل عالم تكوينه البيولوجي.
وتروي النصوص قصة بنت عادية في مجتمع احترف الخداع، حيث استطاعت أن تختبر بطيبتها وفطرتها السوية عمق مأساتهم، وتحول الظروف المريرة إلى إبداع عبر اختبار التجربة الإنسانية.
الشخصيّة الرئيسة في الرواية هي «بنت النور»، التي تروي حياتها منذ ما قبل الولادة، عندما أحست أمها بعلامات الحمل، ونشأت بطلة الرواية محبة للوحدة، وعلى قدر كبير من العنفوان والإباء، تحيطها عائلة متناقضة، تواجه مشاكل جمة بين أم متطرفة دينياً وأب يعيش شباباً مسرفاً.
وتتمرد في مراهقتها على هذا التدين الفاسد، وترفض التسربل بالسواد. وبمقاربة جميلة تتجاوز المألوف، تمزج الكاتبة بين هذا الرفض للشعائر والشرائع بما يقابله من إيمان قلبي ومحبة باذخة لله الذي لا يرضى لمحبيه الكبت المغلف بالفضائل، وبأصالة فطرية تنطلق إلى منبع النور بشكل سوريالي باهر عبر اختبارها منازل الوجد وانعتاق الروح من خلال الاحترام التام لنرجسية الجسد.
وتطرح الرواية كذلك إشكاليّة النزاعات الطائفية في «لبنان» إبان الحرب الأهلية، وفساد رجال السلطة الذين يتاجرون بطوائفهم وبالقضية الفلسطينية، ويعملون على إعادة إنتاج مجتمعات عنصرية؛ ليضمنوا بقاء سلطتهم. ويستشف القارئ كيف أن الإيمان يرتقي بالإنسان، فيما الطائفية محض تفريق ومكمن كل فساد.
وبقالب سردي جميل تقدم الكاتبة تعقيدات العلاقة المجتمعية التي تكرس الفوقية والعنصرية تجاه الفئات التي تعد أدنى، فتعمل على إذلال المرأة، وتشوه مفهوم الأنثى، وتضعها بمرتبة دنيا. حيث لا يُنظر إليها إلا كجسد خانع، فيتعامل معها البعض على أنها «عورة» يجب أن تُخبأ وتتسربل بالسواد، فيما يراها آخرون «صورة» وجسداً مثيراً، فيعملون على إخضاعها لعمليات التجميل المستمرة. وكلتا الحالتين وجهان لعملة واحدة، تذل المرأة الإنسان قبل كل شيء، فتحولها إلى كائن دائم الافتقار للرجل، تبحث عن رضاه وإشباع رغباته، ولا ترى الأمان إلا عبره.
الكتاب صدر عن دار النهضة العربية في بـ«يروت»، حيث تواصل الكاتبة في روايتها الجديدة الوقوف إلى جانب القضايا الإنسانية، ودعوة الإنسان إلى التحلي بالوعي، واكتشاف الذات من خلال الحكمة والعرفان. وتطل للقارئ عبر مشاهد حوارية تناقش إشكاليّات كثيرة يعيشها المجتمع العربي ويعاني منها: الحرب الأهلية، نزاعات الطوائف، والإرهاب، والمال، والذكورة، والإيمان الحقيقي والتدين الفاسد...
وفي الرواية الكثير من آراء الروائيّة في الحياة والمرأة والحب والمجتمع، مما جعل شخصيّة «بنت النور» البطل الوحيد، الذي يروي حكايات متسلسلة تشكل سيرة حياة.
وقد لاقت مقتطفات من الرواية قبل صدورها انتشاراً عبر موقع عبر صفحة الكاتبة، حيث جاءت على شكل قصص وحكم صغيرة.