عندما تمرين بمخبز وتذكّرك رائحة الفطير الطازجة بالوقت الذي قضيتِه مع جدتك عندما كنت صغيرةً، أو قد يكون عطر والدتك هو الذي تشعرين به فجأة وسط حشد من الناس، ويجعلك ترغبين في الاستيلاء على هاتفك والاتصال بها على الفور.. إنه لأمر مدهش حقاً، كيف يمكن للروائح أن تثير الذكريات الأكثر حيوية وأقوى المشاعر، وهناك علم حقيقي وراء ذلك.
ووفقاً لموقع (Brightside) لمعرفة سبب امتلاك الروائح لتلك القوة السحرية لفتح ذاكرتنا.. وهذا ما اكتشفناه.
إنه الخلايا الدماغية التي تربط الرائحة والذاكرة بشكل وثيق.
في المرة المقبلة، كُوني أكثر انتباهاً للروائح في بيئتك ومحيطك، ولا تُقللي من أهمية رائحة الخبز أو قهوة الصباح أو رائحة المطر، جميعها ستستحضر ذكريات سعيدة محفورة في ذاكرتكِ، يُمكنك أن تستمتعي بها متى أردتِ!
* تأثير بروست Proust Effect
في مطلع القرن العشرين، ألف المفكر الفرنسي مارسيل بروست روايته “In Search of Lost Time”.. يدور الكتاب حول كيفية تذكرنا لماضينا، يصف بروست طعم ورائحة مادلين، وهي كعكة إسفنجية صغيرة مغموسة في الشاي، تعيد ذكرى الطفولة المنسية منذ زمن طويل، وتطلق العنان لقصة واسعة.
طريقة تصوير بروست لذكرياته من الماضي، وكيف ربطها بروائح معيّنة، جعل علماء النفس والأحياء العصبية يبحثون في الأمر، وأطلقوا على هذا التأثير تأثير بروست.
* كيف يعمل هذا التأثير؟
عرّف كريتيان فان كامبين، الباحث العلمي في العلوم الاجتماعية، تأثير بروست بأنه “إحياء لا إرادي، ناتج عن حس حيوي وعاطفي لأحداث من الماضي”..
تخزّن ذاكرتنا طويلة المدى الروائح التي نشمها كديوراما ذهنية، يتم تخزين التفاصيل المرتبطة بها مثل: العواطف والأشخاص والمواقع والنباتات والحيوانات وما إلى ذلك.
يبدو الأمر كما لو أن الدماغ يصنع ذاكرة لتلك التجربة باستخدام الرائحة كمفتاح، إن شم هذه الروائح مرة أخرى سيؤدي إلى تذكر هذا الموقف بالذات، تسمى هذه الظاهرة أيضاً “الذاكرة الشمية”.
قرر العلماء مواصلة التحقيق في ظاهرة بروست، وصمموا دراسات لفهم تشريح الدماغ وكيفية معالجة المحفزات الحسية وتخزين الذاكرة.
ولفهم ذلك بصورة أعمق، إليكِ موجزاً بسيطاً عن كيفية استعياب الدماغ للروائح التي نشتمّها.
تدخل الجزيئات التي نستنشقها أنفنا؛ حيث تصطدم بالمستقبلات الشمية، تنقل هذه المستقبلات المعلومات إلى جزء من الدماغ يسمى البصلة الشمية، والتي تقع خلف الجبهة، تقوم البصلة الشمية بفك تشفير هذه المعلومات، وتحدد بالضبط ما نشمّه، ثم تنقل الخلايا العصبية هذه المعلومات إلى اللوزة الدماغية.
اللوزة هي منطقة في الدماغ تفسر المعلومات العاطفية، مثل: التجارب السعيدة أو الحزينة أو المضحكة.. من هناك، تتحرك الإشارة إلى الأمام نحو الحُصين، الحُصين هو هيكل على شكل فرس البحر يلعب دوراً في التعلم وتشكيل الذكريات؛ للتلخيص، يحفز الشم اللوزة والحصين معاً.
هذا هو السبب في أن شم الشامبو الذي استخدمته والدتك عندما كنت طفلةً،ا ربما يجعلك تشعرين بالحنين إلى طفولتك!
وعند تطبيق هذا المبدأ عملياً؛ فإن تعريض الناس لبعض الروائح سيجعلهم يتذكرون ذكريات سعيدة، ويمكن استخدام ذلك كنهج علاجي.
هذا المزاج الجيد الذي نشعر به أثناء ذكريات الماضي له آثار مفيدة؛ فهو يعزز احترام الذات ويزيد من التفاؤل، العلاقة بين الماضي والحاضر تزداد قوة، كما أنه يثير مشاعر الترابط الاجتماعي.
بالطبع، كل ذلك يعتمد على التجارب الفردية، يفسر الأفراد الروائح بشكل مختلف، وتعتمد طريقة تفسيرهم لها على تعرضهم لروائح مختارة وتجارب مرتبطة بها.
* كيف يُستخدم تأثير بروست وذاكرة الروائح في التسويق؟
تبنت الشركات أسلوباً مثيراً للفضول لتسويق العلامة التجارية يسمى التسويق الشمي.. يستغل هذا النوع تأثير بروست عن طريق إحداث نفحة من الحنين إلى الماضي في ديموغرافيتهم المستهدفة.
تمتلئ هذه المنتجات بروائح خاصة تحمل معنى وتثير إحساساً بالثقة والأمان المرتبطين بتلك الرائحة، غالباً ما تكون هذه الروائح مسجلة كعلامة تجارية وتُعرف باسم علامات الرائحة.
على سبيل المثال، في التسعينيات، قامت شركة تنس بضخ كرات التنس الخاصة بها برائحة العشب، ثم قاموا بتسجيل الرائحة كعلامة رائحة، عندما يفتح المستهلكون علبة كرات التنس، يغمرهم شعور أو ذكرى اللعب على العشب، تُنتج شركات العطور روائح متعددة لإغراء الحواس الشمية للمستهلكين، في محاولة لزيادة شعبيتها.