اشتهر العرب بالشعر ونظمِه، ولطالما كان للشاعر في قبيلته منذ الجاهلية الأولى مكانةً لا تضاهيها مكانة، حيث تُحسب مكانة القبيلة بفصاحة شعرائها وبلاغة ما ينظمونه وما تتفتق عنه قرائحهم من قصائد تُلهِب الأفئدة وتأخذ بالألباب، فالشاعر ميثاق القبيلة، يُخلد مآثرها ويذب عن أحسابها ويحمي أعراضها، فالشاعر ببيت منظوم مقفى يرفع قوم، وبقافية ورويّ يحط من قدرهم..
التقت "سيدتي" د. عبد المجيد صابر المحمدي أستاذ الأدب العربي كلية الآداب ليحدثنا أكثر عن هذا الموضوع.
-
مراحل تطور الشعر العربي
- مرحلة العصر الذهبي للشعر حيث القصائد تكتب بماء الذهب:
كان الشعر العربي في العصر الجاهلي وسيلة التواصل الأمثل للتعبير عن وقائع الحياة والمعيشة التي كانت سائدة بالقبيلة وكان الشعراء ذو مكانة كبيرة، وكانت أشعارهم وقصائدهم مثل العقود النفيسة تعلق بالأذهان، حيث كانت القصائد تكتب بماء الذهب وتعلق على استار الكعبة، ومن أشهر شعراء الجاهلية امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وعنترة بن شداد.
وكان الشعر آنذاك يُنَظَم متخذًا من القصيدة شكلًا بنائيًا والتي كانت تتكون من أبيات شعرية، وكل بيت كان يتكون من شطرين تتبعه أبيات بنفس المبنى الشعري المنتهي بحرف واحد والذي كان يعرف باسم "القافية"، وكانت القصيدة تُنَظَم على موسيقى واحدة عرفت باسم البحر العروضي، واستخدم الشعر في العصر الجاهلي للتعبير عن طبيعة حياة القبائل العربية، واستطاع أن يصورها بشكل دقيق، مما دفع المؤرخين إلى تسميته بديوان العرب".
اقرئي المزيد: الشعر العمودي وكيف اختلف بين القديم والحديث
- مرحلة البعث والأحياء
وكانت في فترة صدر الإسلام حتى العصر الأموي، حيث استخدم الشعر في نصرة الدين الجديد والفخر بالنبي عليه الصلاة والسلام وتسجيل الغزوات، ومن أشهر الشعراء: حسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وعبد الله بن رواحة. واعتمد الشعراء على تقليد الشعر الكلاسيكي الذي كان سائدًا في العصر الجاهلي من حيث نظم القصيدة الشعرية والقافية والموسيقى، دون أن يطوروا أو يجددوا عليها، إلا أنهم غيروا في مواضيعها، فاتجهوا إلى وصف وتصوير الحياة العربية الجديدة، وما تحتويه من قيم دينية واجتماعية جديدة.
- مرحلة الشعر الكلاسيكي
وكانت في أوجها بالعصر العباسي، حيث عمد الشعراء للتجديد بالمواضيع المطروحة في شعرهم، كما ركزوا على كتابة القصيدة الشعرية بشكل جديد، وقاموا بإحداث تغييرات في شكلها الخارجي، وتناولت موضوعات الحرب والنصر على الأعداء والذود عن الدين ومدح الخليفة، وقام الشعراء بوصف الترف والغِنى وأشكال الحضارات المتنوعة التي كانت سائدة آنذاك ومظاهرها، وساعد على ذلك اتساع رقعة الدولة الإسلامية واطلاع واهتمام عدد كبير من الشعراء العرب المسلمون بالشعر العجمي ودراسته وتقليدهم له، ومن أشهر الشعراء: المتنبي، والأصمعي، وأبي فراس الحمداني، وأبي العلاء المعري.
ثم ظهر الشعر الأندلسي في ظروف لامثيل لها في المشرق العربي اتصلت بالطبيعة الأندلسية، حيث اختلط العرب لأول مرة مع أجناس لاتينية وقوطية وبربرية، مما أدى للتنوع والتجديد في الفنون الشعرية بامتزاج اللحن الموسيقي في الشعر خاصة الموشحات، ومن أشهر الشعراء: أبا البقاء الرندي، ولسان الدين الخطيب، وابن زيدون في عشقه لولادة بنت المستكفي.
- مرحلة الشعر الحديث
تمثلت هذه المرحلة بنهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وفيها ظهرت المدارس الرومانسية والكلاسيكية والمهجر والواقعية، ومن أشهر الرواد: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وجبران خليل جبران. وخلال هذه المرحلة تغير البناء الشكلي التقليدي للشعر تمامًا، واستطاع الشعراء كسر القيود التقليدية للشعر العربي والتحرر منها، حيث تم التخلي عن وسائل الشعر التقليدية مثل الشكل الخارجي وغير ذلك من تبعية المواضيع المطروحة. ساعد على ذلك إطلاع الأدباء العرب على الشعر الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية، حيث زادت البعثات الأوروبية، مما جعل الشعراء يطلعون على ثقافات مختلفة نهلوا منها وانعكس ذلك على شكل ومتن القصيدة.
اقرئي المزيد: أنواع الشعر العربي
- مرحلة الشعر الحر
في هذه المرحلة اختلف الشعر تمامًا بموسيقاه اختلافًا جذريًا عن الشعر التقليدي، وقام الشعراء بتحرير القصيدة تمامًا من الشكل التقليدي بأبياتها ذات الشطرين، مما مكن الشعراء من التعبير عما يدور في أنفسهم بحرية أكبر، كما تحررت القصيدة من استخدام القافية الواحدة فتعددت القوافي وتنوعت في القصيدة الواحدة.