لا يوجد من لا يعرف السويسرية إيفيلن بوريه "أم أنجلو" في قرية تونس المصرية، هذه القرية الصغيرة شرق مدينة الفيوم، على بعد حوالي مائة كيلومتر جنوب غرب القاهرة، والتي تتميز بإطلالة خلابة على البحيرة والصحراء، حيث تعيش في منزلها الذي يجاوره مدرسة تعليم فن الفخار، التي قام بتصميمهما المعماريان الشهيران حسن فتحي (الحائز على جائزة نوبل الموازية فى العمارة) ورمسيس ويصا واصف.
• تركت الرفاهية والحياة المترفة لحياة أكثر بساطة وتلقائية
لم تندم إيفيلن أبداً على ترك الرفاهية والحياة المترفة في سويسرا لتعيش حياة بدائية بسيطة تشبه فنها ببدائيته وبساطته وروعته، حسب موقع Middle East Eye البريطاني أكدت أنها تعيش بسعادة مع القرويين الذين يعاملونها كفرد منهم، فهي تعشق لقب "أم أنجلو" الذي لقبوها به.
• حياة بسيطة تصنع إلهاماً كبيراً..
عندما زارت إيفيلن الفيوم لأول مرة، شعرت بالرغبة في التكيف مع حياة تذكرها بحياة أسلافها السويسريين. وعندما وصلت إلى القرية مع زوجها وأولادها، لم يكن هناك كهرباء أو مياه جارية، فكانت تعيش ببساطة، حيث تنقش زخارف ونقوشاً على أطباق دائرية صنعتها في ورشتها المتواضعة، إلا أنها وجدت الإلهام الحقيقي عندما شاهدت الأطفال يلعبون بالطين بجانب النهر، ولفتها كثيراً مقدرتهم الفائقة على تشكيل الطين، فأطفال القرية حسب وصفها "فنانون بطبيعتهم، فهم يستمدون من قلوبهم وليس عقولهم".
فكرت إيفيلن في استخدام المعارف التي اكتسبتها في الجامعة في سويسرا، لبناء مدرسة للفخار في القرية، لتعليم الأطفال الحفر على أغراضهم، وإعادة إنشاء صور للطبيعة من أشجار النخيل وأوراق النباتات إلى الخيول والأغنام.
حسب موقع tellerreport-com بدأت إيفلين في بيع المنتجات الخزفية المميزة بالقاهرة وخارجها، ثم بدأت تشارك في معارض دولية في سويسرا وفرنسا ومارسيليا وأمريكا.. حتى وصلت لمرحلة التصدير للعديد من الدول، فمنتجاتها من قلب الطبيعة ومن قلب البساطة تحولت لمنتج عالمي..
تابعي المزيد: معرض مغربي للزليج والفخار بفاس
• قرية بسيطة تتحول لأهم وجهات السياحة الثقافية والفنية في مصر
تحولت قرية تونس لمركز رئيسي لإنتاج الخزف في مصر والعالم العربي، وأصبح يقام بها العديد المهرجانات والمعارض والفعاليات المصاحبة لمهرجان الخزف، وتحولت قرية تونس إحدى أهم وجهات السياحة الثقافية والفنية والبيئة في مصر، حيث يعمل معظم القرويين إما في صناعة الفخار أو السياحة البيئية، وقد ساهمت مدرسة الفخار في تعليم النساء الريفيات ومساعدتهن على تغيير أقدارهن عبر الفن، ويُظهر فيلم تسجيلي أخرجته الراحلة عطيات الأبنودي في العام 1995 عن فتاة قرية تونس "راوية" التي غير الخزف حياتها فأنقذها من الزواج المبكر وتحولت لمصدر إلهام للكثيرين.
• زوجة لشاعر العامية المصري سيد حجاب
جاءت إيفيلن لمصر للمرة الأولى بصحبة والدها ستينيات القرن الماضي؛ حيث استقرت في القاهرة لمدة أربع سنوات، فتعرفت على شاعر العامية الراحل سيد حجاب، وتزوجته لمدة خمس سنوات عشقت خلالها مصر والمصريين، وتعرفت على عاداتهم وتقاليدهم، إلا أن الحياة لم تستمر معه وعقب طلاقهما عادت لسويسرا.
تابعي المزيد: الموت يغيب شاعر العامية سيد حجاب
• إيفيلن السويسرية تتحول لفلاحة مصرية
حسب موقع tellerreport-com تزوجت إيفلين مرة أخرى من مصمم الأزياء السويسري ميشيل بوريه وأصرت على العودة لمصر والاستقرار في قرية تونس مصدر إلهامها، وربت طفلتها (ماريا) وابنها (أنجلو) فيها، وهذا سبب تسميتها "أم أنجلو"، حيث ينادي القرويون في مصر النساء بأسماء أبنائهن من الذكور.
اندمجت إيفيلن مع واقع القرية المصرية فتحولت لجزء من نسيج القرية، تأكل مع الريفيين وتجلس معهم، تتبادل معهم الزيارات، ووصفات الطعام، كما كانوا يلجأون لها للحصول على وصفات طبية لدرايتها بالطب البديل والعلاج بالأعشاب، وأضحى الفخار عشقاً يجمع بينها وبينهم.
رحلت مؤخراً الخزافة السويسرية إيفيلين بوريه، رائدة صناعة الخزف المزجج والفخار في مصر ومؤسسة مدرسة الفخار، التي حولت القرية البسيطة لمركز دولي لصناعة الخزف المزجج.
تابعي المزيد: السياحة" تفتتح أول متجر لبيع منتجات الحرفيات في السعودي
• وداع رسمي وشعبي
ودعت السفارة السويسرية في مصر الراحلة في بيان رسمى وصفها بـ"الرائدة في خدمة المجتمع الإبداعي وأحد أعمدة الجالية السويسرية في مصر"، كما ودعتها وزارة التضامن الاجتماعي المصرية وأكدت في بيانها "أن القطاع الحرفي بأكمله لن ينسى الدور الكبير الذي لعبته الراحلة"، وودعتها كذلك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة في فيينا غادة والي، وكتبت على حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي "فقدت مصر إحدى محبيها الذين أخلصوا لها، وفقد العاملون في التنمية إحدى رواد التنمية".
خلافاً لما هو معتاد لم يتم دفن جثمان الراحلة في مقابر السويسريين في القاهرة، بل تم دفنها بحسب وصيتها في مقابر المسيحيين بإحدى القرى المجاورة لبحيرة قارون، حيث شيعها مسيحيو القرية، أما مسلموها بعد دفنها فقد استداروا ناحية القبلة وقاموا بقراءة الفاتحة والدعاء لها.