لا يخلو الحوار مع مهندس التصميم الداخلي شاد عسكري من عمق، فالأخير يحمّل الكلام عن التصميم شحنات تاريخيّة وفلسفيّة، ويتطلّع إلى أن تكون المنطقة من روّاد التصميم في العالم في القريب. بين السويد وإيطاليا والإمارات، تنقّل عسكري ذو الأصول الكرديّة، مع تولي مشاريع في أنحاء العالم، ما انعكس على الرؤية التي لا تتجاوز الماضي، من دون أن تغفل عن المستقبل.
المزيد عن فلسفة عسكري في التصميم، في الحوار الآتي نصّه.
____
ولدت وترعرعت في السويد، حيث أسّست استوديو التصميمي الأوّل الخاصّ بك. كيف أثّرت النشأة على الاهتمام بالنمط الإسكندنافي؟
لطالما كان التصميم الإسكندنافي جزءاً منّي؛ كان المهندس المعماري لودفيغ ميس فان دي روه الملهم وصف هذا النمط الذي يجاري العصر، قائلاً: "الأقلّ هو المزيد"، بمعنى أن القدرة على الإنشاء يجب أن تظهر من خلال الحدّ الأدنى، لناحية الشكل، مع الإشارة إلى أن الشكل هو واحد من أكثر الأجزاء صعوبةً في التصميم. تشتمل خصائص التصميم الإسكندنافي على استخدام الحدّ الأدنى من المواد، لكن يفرز ذلك في النتيجة الثراء، خصوصاً أن المواد مصدرها الأرض، ما يرفع من قيمة أي غرفة. بخلاف الشائع، تطبيق تصميم الحدّ الأدنى (المينيمالست) ليس سهلاً.. الجدير بالذكر أن مهندسين مهمين قدّموا أشكالاً وهياكل مهمّة تبيّن عن كيفيّة الإنشاء بطريقة سلسة. يمثّل ما تقدّم أحد الأصول القوية للتصميم الاسكندنافي.
تاريخ عريق
حدّثنا عن دمج النمطين الإسكندنافي والمتوسّطي، في مشاريعك؟
لكلّ نمط من النمطين المذكورين في سؤالك، تاريخ عريق. لذا، يفرز دمج النمطين ببعضهما البعض توليفة أراها الأجمل، سواء لناحية المواد المستلّة من بلدان البحر الأبيض المتوسّط، مثل: الحجر وتصميم الأثاث الأكثر ثراءً، أو بثّ الشعور بالهدوء والزن والبساطة التابعة للدول الإسكندينافيّة عبر العمل الفنّي. الجدير بالذكر أن هندسة العمارة والتصميم وُلدا في هذه المناطق الجغرافيّة (الدول المتوسّطية والاسكندينافيّة)، لذا من الهام فهم أساس هذا الدمج. كان لي شرف التعرّف إلى بعض من أفضل مهندسي العالم، كما العمل معهم، وقد مثّل هؤلاء مرشدين لي، وهم علّموني كيفيّة إنشاء أساس لأي هيكل، انطلاقاً من استلهام الهدوء والاستقرار من الدول الإسكندينافيّة، ثمّ ملء التصميم بالتاريخ، بالاستلهام من إيطاليا لتقديم أفضل مزيج.
ماذا بقي في ذهنك من دروس من أعوام الدراسة الجامعيّة، في إيطاليا؟
لقد تشرّفت بالدراسة في واحدة من الجامعات الأفضل، ثمّ العمل جنباً إلى جنب الأسماء الكبيرة، في ميادين التصميم وهندسة العمارة.. لكن، من النادر للغاية التعلّم من الأشخاص الروّاد في هذه المجالات، على الرغم من الصداقة الشخصيّة مع غالبيّة مهندسي العمارة ومصمّمي الأثاث. لكن، في الجانب الآخر، يُسهّل ذلك ابتكار رؤية تصميمة ومعماريّة ذاتية.
إيواء اللاجئين
سبق أن كُرّمت في مصر نتيجة تصميم منازل لإيواء اللاجئين في مناطق الأزمات؛ ما هي المميّزات الفريدة التي تمتلكها هذه المنازل؟
في عام 2016، سافرت إلى العراق، وساهمت في المساعدة في أزمة اللاجئين؛ في إثر ذلك، قرّرت أن أقوم بما قد يفيد هؤلاء الناس الذين يعيشون في خيم، ويواجهون ظروفاً مروّعة. بدأت في تصميم منزل للإيواء مجزٍ لناحية التكلفة، ويلبّي احتياجات ساكنيه، بعد أن أجريت مع فريق، مقابلات مع الكثير من اللاجئين لفهم احتياجاتهم. ثمّ، أنشأت المنزل، بصورة يكون فيها قابلاً للتركيب والتعبئة في صندوق، حتّى يستطيع اللاجئ تركيبه ذاتيّاً على غرار مكعبات "الليغو"، ومن دون الحاجة إلى استخدام البراغي، مع الإشارة إلى أن هذا المنزل ينفع أيضاً في استضافة مدرسة أو مشفى. يُمنح اللاجئ "المنزل" عند وصوله إلى المخيّم، فيشيّده، مع إمكانيّة إضافة أجزاء إليه، إذا وجد حاجةً لذلك. يقي التصميم من البرد والحرارة. تلقيت التكريم على هذا التصميم، من الرئيس المصري عبدالفتّاح السيسي، في إطار النسخة الأولى من "منتدى شباب العالم" عام 2017، الذي انعقد في مصر. الجدير بالذكر أن "استديو" التصميم الخاصّ بي ابتكر المشروع من الألف إلى الياء، وأن جزءاً من عائدات المشاريع التي أتولاها يرجع إلى تطوير منازل الإيواء.
ما هي المهام الأكثر تحدّياً في مشاريعك؟
يتمثّل التحدّي في تثقيف المستخدم عن تاريخ وقوّة كل جزء في أي عمل. لكلّ مصمّم فلسفة كامنة خلف إبداعه، وهذا الأخير لا يقتصر على مجرّد صنع أثاث جذّاب، على سبيل المثال لا الحصر. يبدو لي أمر مشاركة هذه الفلسفة بمثابة امتياز، ولو أن كلّ الناس لا يقدّر هذا الأمر. لذا، لا أصيغ أي عمل بصورة سريعة بل آخذ الوقت الكافي لكل مشروع لتلبية توقعات العميل.
ثقافة دول مجلس التعاون الخليجي
ما هي تأثيرات الاحتكاك بعوالم الشرق والغرب، نتيجة التنقل والعيش بين دول الشرق والغرب، على أسلوبك؟
آمل أن يُلهمني الغرب والشرق، من دون استبعاد ثقافة دول مجلس التعاون الخليجي. ففي المشاريع التي أتولّاها، لا يتعلّق الأمر على الدوام بمجرد إضافة ما يمكن استيراده بل بطبع العمل بهويّة تصميميّة، والاستلهام من أجزاء أخرى من العالم، وبناء تصاميم جديدة انطلاقاً من ذلك.
ما هي نظرتك إلى مستقبل التصميم في منطقة الشرق الأوسط؟
تتطوّر هذه المنطقة، بسرعة كبيرة، وبصورة تتجاوز أي مكان آخر. أرى أن المصمّمين يحاولون تكييف أجزاء مستلّة من مناطق في العالم في أعمالهم التصميميّة في المنطقة، لكني آمل وأعمل من أجل إنشاء تاريخ وفلسفة للتصميم والإبداع. لهندسة العمارة والتصميم تاريخ، وتطوّرات على مدار الزمن، وعلينا أن لا ننسى ذلك. صحيح أنّنا لسنا آباء وأمّهات العمارة والتصميم، لكن يمكن أن نظهر للعالم أننا روّاد المستقبل، في هذه المجالات.
ما هي مشاريعك المستقبليّة؟
أهدف إلى توسيع الأعمال من خلال فتح المزيد من "الاستوديوهات" في الخارج، وأعتقد أن إيطاليا والولايات المتحدة مكانان مرشّحان لذلك. داخل دبي، أسعى إلى التنسيق مع المطوّرين العقاريين التجاريين، لأني ألاحظ فجوة في سوق المباني الشاهقة الفاخرة بين العمارة الخارجيّة ودواخل الشقق، لذا أرغب في سدّ هذه الفجوة، والاهتمام بالتصميم الداخلي.
في سطور...
شاد عسكري مهندس تصميم داخلي كردي سويدي مقيم حاليّاً في دبي؛ كان أسّس استوديو للتصميم الداخلي S A Interior Design Studio في ستوكهولم عام 2017، قبل افتتاح فرع جديد في دبي. عمل عسكري مديراً لفندق وشغل منصب قائد في القوّات العسكريّة السويديّة، قبل الانتقال إلى روما لدراسة هندسة التصميم الداخلي في Istituto Europeo di Design.
يتحدّث المصمّم ستّ لغات بطلاقة، ما يساعده أثناء السفر، وهو يعمل على مجموعة من المشاريع، في أنحاء أوروبا. ويعتبر أن السفر مصدر قوة وشغف كبير، ويعلّق على هذه الهواية دور تجديد الرؤية، ما يسمح بقراءة الواقع بصورة مختلفة، كما الاستلهام في التصميم.