حكاية بدأت منذ الطفولة، أمام ريشة وألوان مبعثرة، ولوحة خشبية تقول: "خذني إلى مخيلتك"، هكذا أبدع هذا الطفل فن الرسم، الذي أخذه من معلم محترف، وقف مبهوراً أمام طريقة رسمه للمباني السكنية، وفن الزخارف على النوافذ والأبواب، إلى أن تمكّن منها، على الطريقة الدمشقية والعسيرية والأندلسية، صار عنده عصف ذهني لكل ما يخص هذا الفن في المجال المعماري، ثم توجه إلى الديكور الداخلي.. قصة مصمم الديكور السعودي حاتم الأحمد، الحكم الرئيسي لبرنامج ديزاين "أجمل تصميم"، الذي أبدع في تصميم أروع قصور المملكة، وبعض المرافق الترفيهية.
استقطبت حاتم شركة بدائية في صناعة الدرابزين، فصار يبدع الزخارف على الدرابزينات، يتابع قائلاً: "لم أبدأ من حيث انتهى الآخرون، بل بدأت بأسلوب جديد، هو السهل الممتنع، الذي يبدو بسيطاً، لكنه مدروس، حتى أصبح عملي مميزاً بشهادة الجميع.. فأنا أبدأ بفكرة أبتكرها بعقلانية، ثم تنشأ ببيئة خصبة حتى تنضج، ليصبح عقلي غير قادر على حملها، وأحولها إلى واقع يسرّ الناظرين".
كل تصميم يبدع فيه حاتم، يراه الأجمل؛ لأنه يحاول في كل عمل أن يثير كشف روح الجمال في من حوله، يستطرد قائلاً: "لكل تصميم وقت معين، وخامات معينة، ومساحات محددة، وبيئة مختلفة عن الأخرى؛ حيث لا يمكنني تحديد أيها الأجمل، لأن من أساسيات عملي حتى لو كان مشروعاً لا يزيد على 4 أمتار في العرض والطول، أو مجلساً 20 في 20 يكون بنفس التكنيك والجمال".
السعوديون يدركون معنى المكان الجميل، والأخطاء الديكورية فيه، وهي غايتنا
خطوطٌ ملكيّةٌ فخمةٌ
نقطة ضعف.. يتوقف عندها حاتم غير قادر على إكمال عمله، إذا اضطر أن يصمم ديكوراً لمخطط بناء سيئ، يستدرك قائلاً: "هي أشبه بالقهوة الفاخرة، المسكوبة في كوب متصدع، مهما كانت القهوة تحمل مذاقاً فريداً إلى أنني غير قادر على الاستمتاع بها".
على الرغم من ذلك، فإن الكثير من تصميماته، تتماوج بخطوط ملكية فخمة، تكشف عن ملامح تراثية تغوص في كل العصور، لترسم هذه الإبداعت الراقية، يتابع حاتم: "أنا حريص على أن أتغذى بصرياً بكل ما يخص العمارة والديكور، سواء كانت من العصور السابقة، وتحديداً الديكور الأندلسي الذي بدأ في دمشق وانتهى في الأندلس، أو الديكور المعاصر في شنغهاي وسنغافورة ودبي، كلها خطوط اختلطت وصنعت خطاً ملكياً مختلفاً في جميع المقاييس".
وجودي يعني تكاليف أقل
كانت غالبية المجتمعات العربية، لا تستوعب فكرة مصمم الديكور، فيما كان المهندس المعماري يعمل بفكرة واضحة، لكنهم لم يسمعوا من قبل بصاحب تقنية اسمه: "مصمم الديكور"، يستدرك الأحمد: "حتى المثقفين كانوا يعتقدون أن تصميم الديكور لبيوت الأثرياء من الطبقة المخملية فقط، وأن وجوده يعني زيادة في التكاليف على المشروع، وهذا خطأ، فهذا ما أحاول جاهداً أن أثبته للمجتمع... فوجودي يعني تكاليف أقل ومكاناً أفضل.. هذه المعادلة على الرغم من صعوبة إثباتها، لكنها أصبحت تحتل مكانا واسعاً في البرامج التلفزيونية التي تختص في الديكور، ومنشورات التغذية البصرية على السوشيال ميديا، أصبح لدينا شبان سعوديون موهوبون، أوصلوا الفكرة إلى المجتمع، الذي عنده قابلية عالية للتفهم، وبات الناس يدركون المكان الجميل، والأخطاء الديكورية في المكان، وهي غايتنا".
تعرّفي إلى المزيد: المصمّم أحمد البيك:الألوان الحيوية أساسية في تصاميمي
ملايين متناثرة
كثير من المواد الأولية للتصميم غير متوفرة في السوق، وهذا قد يدخل أي مصمم ديكور في دوامة كبيرة، ويصعب عليه الحصول على منتج لإكمال مشروعه، يتابع حاتم: "واجهنا فقراً في توفر الخامات في السوق، ولكن رب ضارة نافعة، فهذه الحالة صنعت منا مصممين مختلفين عن البقية، والمصمم الشاطر المحترف هو الذي يصنع من حبات التراب ديكوراً مبدعاً، من أي خامة بسيطة، ونحن نثبت للناس أن الديكور لا يعني بهرجة في الخامات، ولا يعني ملايين متناثرة داخل المنزل.. الديكور الجميل أساسه فكرة توظف أي خامة، وهذا ما يميز المصمم السعودي، وقد وصلنا إلى مرحلة سهولة عالية في الحصول على الخامات، من الصين أو إيطاليا أو أميركا".
امض في عملك
هناك عملاء يثيرون استياء حاتم أثناء اختيار الديكورات والأثاث، وقد اعتاد مناقشتهم بطريقة سلسة، بعد دراسة المخططات، يتابع قائلاً: "للأمانة إذا شعرت بأن العميل ليس متفهماً، أتجنبه، وأختار من يثق بي، فأنا أعشق العملاء الذين يقولون "امض في عملك"، فحينها تكون مساحة الإبداع أكبر، وأكثر العملاء إرهاقاً هم الذين يقيدونني في تصاميم محددة، ليس فيها جرأة، وغالباً ما تأتي من الرجل الذي يحسب تكاليف التصميم، فيما المرأة يهمها جمال التفاصيل، ونبذل جهداً عالياً للتوفيق بين الاثنين".
صنع بفن
يفكر المصمم حاتم بابتكارات جديدة للتصميم أثناء السفر، ومن أكثر الأمكنة التي حلّقت فيها أفكاره، هي قرية دافن في جنوب الصين، يتابع قائلاً: "هي قريبة من هونج كونغ، مهتمة بكل ما يخص الفن وخطوطه، والأعمال اليدوية والابتكارات، تخيل أن تكون موجوداً في مكان كل ما فيه صنع بفن، كان مكاناً ملهماً، كلما زرته تصنع أفكاري أجمل الأعمال".
في بال حاتم تصميم تمنى لو كان ملك أفكاره، لكان أبدع فيه، وحفر بصماته على مبناه وجدارياته، وعنه يقول: "كنت أتمنى لو صممت مبنى إدارة شركة "سامرف"، وهي شركة بترولية تابعة لأرامكو الأم، لكن كانت هناك اشتراطات مهمة لهم لم أتمكن من تجاوزها، مثل ساعات العمل المحدودة... وغيرها".
وهو يحاول في أعماله استخدام الخامات البديلة، فهناك خيارات للمواد الطبيعية في الرخام والأحجار الكريمة، يستدرك قائلاً: "أحاول دائماً اختيار البديلة التي تكون محاكاتها عالية للطبيعة".
تعرّفي إلى المزيد: المصمم حمزة العُمري: بنيت لغتي الخاصة من خلال التعلّم المستمر
افرضي هيمنتك
حوارنا كان مع المدرب المُعتمد في الجمعية السعودية للثقافة والفنون، الذي يعاني من تفاوت الثقافية الديكورية بين المتدربين، يستدرك قائلاً: "نحن نقدم دورات يحضرها أناس مختصون من جهة، ومن جهة أخرى هناك من لا يفرق بين أنواع السيراميك والرخام، وهذا يجهدني عقلياً لأنني بوصفي مدرباً يجب أن أوصل المعلومة إلى الجميع، مهما كانت الثقافة الديكورية، عالية أم شحيحة، وبصفتي الحكم الرئيسي لبرنامج ديزاين "أجمل تصميم"، أيضاً، أجد أن الجيل الصاعد، متمكن ومبتكر وذكي وواقعي، يمتلك أدوات لم يمتلكها من سبقه، جيل يستطيع صناعة الديكور للطبقة الكادحة والمتوسطة، والاقتصادية والفاخرة، وهذا ما كان مفقوداً سابقاً؛ حيث كان المصمم فقط للطبقة المخملية، جيلنا يحوّل من اللا شيء شيئاً لافتاً، ومن التراث أفكاراً مبهرة، خصوصاً المصممات اللواتي يمتلكن حساً عالياً في التفاصيل من حيث الإضاءة وصناعة تصميم ديكوري مختلف، وبكل قوة أراهن على الجيل القادم من المصممين".
يختم حاتم، كلامه وهو يشير إلى أهم خطأ تقع فيه سيدة الأعمال عندما تريد تصميم مكتبها الجديد، ويقول لها: "افرضي هيمنتك وشخصيتك على الديكور الداخلي، فمجال عملك يجب أن يتواجد بقوة في المكان. واستوعبي أن ديكور المكاتب، مختلف تماماً عن ديكور الملابس، فقد سئمنا واستنفدت أفكارنا من مشاهدة مكاتب بتصاميم تقليدية، وكئيبة، لا تعكس لا هوية ولا شخصية سيدة الأعمال".
في نهاية حديثه، أغلق الأحمد كتاباً كان يحمله، بعنوان: "كيف يستطيع تفكيرك أن يشفي جسدك، للكاتب ديفيد هاملتون، وعلّق قائلاً: ""كان كتاباً ملهماً بتفاصيله".