حفّز فيروس «كورونا»، الذي أعلنته «منظّمة الصحّة العالميّة» جائحةً في مارس الأسبق (2019)، لم يسدل الستار عليها بعد، طرح السؤال الآتي: «هل نعيش في عصر الأوبئة؟»، خصوصاً مع سهولة انتشار الفيروسات والبكتيريا في ظلّ السفر العالمي، و«تمادي» الإنسان في التعامل السيء مع الطبيعة.
يرد في الموقع الرسمي الخاصّ بـ «منظّمة الأمم المتحدة» أن هناك دلائل من مرحلة ما قبل التاريخ لجائحة ضربت عام 3000 قبل الميلاد «هامين مانغا» بشمال شرقي الصين؛ مصدر الجائحة هو الهياكل العظمية المحترقة لأشخاص يُفترض أنهم أحرقوا أنفسهم من دون أن يتبقى أحد لأداء طقوسهم الأخيرة. أمّا الجائحة المسجّلة الأولى ترجع إلى أثينا، وتحديداً إلى عام 432 قبل الميلاد؛ وقد عبرت إلى مصر وليبيا وإثيوبيا وأودت بحياة ثلثي مجموع السكان في أربعة بلدان.
ليس عصرنا استثنائيّاً
حسب البروفيسور في «الجامعة الأميركيّة في بيروت»، والباحث في علم الفيروسات حسن زراقط، فإن وصف «عصر الأوبئة» يُطلق على دول محدّدة ذات بنية تحتية ضعيفة، وترتفع نسبة التلوّث فيها، كما تتسبّب بنشر الفيروسات التي تصعب السيطرة عليها. لكن، ليس العصر الراهن استثنائيّاً، على صعيد الأوبئة في العالم، فكلّ عصر من العصور عرف أوبئة محدّدة، بعضها كان أثره مدمّراً مع انهيار الأنظمة الصحّية والعجز عن مداواة المرضى، بالتزامن مع انتشار حروب ومجاعات.
الفارق بين الماضي واليوم حسب البروفيسور زراقط، أن العالم لم يكن متصلاً من قبل بحسب الشكل الذي نعرفه اليوم، فهناك قرى ومناطق منعزلة كانت تعرف انتشار الأمراض، لتبقى الأخيرة ضمن حدودها، أو تغادرها وتشيع، بصورة أبطأ، إذ لم تنشط حركة الملاحة الجوية على غرار اليوم، والاتصال بين الدول كان ضئيلاً.
في العصر الحديث، أصبح العالم بمثابة قرية متصلة، إذ قد ينقل مسافر واحد خلال ساعات معدودات أي فيروس من دولة لأخرى. أضف إلى ذلك، يُسهّل التوسّع العمراني، وانعدام الفواصل بين الغابات وأماكن السكن انتشار الأوبئة ذات المصدر الحيواني، بالإضافة إلى عادات الطعام في بعض البلدان، مثل: تناول مأكولات تسهّل امتداد الأوبئة (الخفافيش أو حيوانات الغابة النافقة في أفريقيا التي تشوى وتؤكل، في الوقت الذي يكون بعضها مصاباً بالأمراض، وهذا الأمر قد ينقل الجراثيم إلى أحشاء المتناولين لها. وإذا كانت الفيروسات أو البكتيريا قابلة لأن تعمّ، فإنها تنتظر الوقت المناسب لذلك، حتّى تصبح واضحة على نطاق أوسع).
الجدير بالذكر أن «كورونا» المستجدّ سريع السريان، وذلك لأن الفيروس ينتقل عبر التنفّس، مع فترة حضانة قصيرة نسبيّاً، أمّا في حالات أخرى، فإن بعض الفيروسات قد لا يتفشّى حسب الوتيرة التي عرفناها مع «الفيروس التاجي»، لأن بعض الجراثيم يؤدي إلى مرض حامله بسرعة، مع قلّة أيّام الحضانة للفيروس وعدم العدوى خلالها، ما يسهّل السيطرة، مثل: حالة «الإيبولا» في أفريقيا، وجراثيم أخرى يطلعنا الإعلام عنها، لكنّها لا تجعل البشرية تعيش حالة اللااستقرار، على غرار «كورونا»، إمّا لعدم كفاءة الفيروس و«رشاقته» في الانتقال، وإما للسيطرة على بيئة الفيروس أو التغيير فيها (المقصود بالبيئة هو التلوّث، في بعض الحالات، أو الاكتظاظ السكّاني، أو وجود حيوانات تسهّل انتشار الفيروسات بين البشر).
لناحية المضادات الحيويّة، فإن تعاطيها خبط عشواء، قد يظهر بكتيريا مضادة لها، ما يفقد فعالية معظم هذه الأدوية، ويصعّب علاج البكتيريا، وهذا خطر، إذ يؤدي إلى إزهاق الأرواح جرّاء جرح صغير أو التهاب.... البكتيريا قادرة أيضاً على نقل الجينات الحاملة للمضادات الحيوية لبكتيريا من أنواع أخرى، ليصبح استخدام المضادات الحيوية محفوفاً بالمخاطر، لأن الاستخدام يسهّل على البكتيريا «مقاومتها». البكتيريا حيّة وقابلة للتكاثر، من دون جسم حيّ. بالمقابل، الفيروس لا يتكاثر من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى خلايا (أنزيماتها ومكوّناتها) نباتية أو حيوانية أو بشريّة.
تابعي المزيد: سرطان القولون: اكتشاف بكتيريا قد تكون مسؤولة عن هذا المرض الفتّاك
البروفيسور حسن زراقط: أصبح العالم بمثابة قرية متصلة، إذ قد ينقل مسافر واحد خلال ساعات معدودات أي فيروس من دولة لأخرى
منطقة الخليج
ويستشهد البروفيسور زراقط بمنطقة الخليج حيث ملأ «فيروس كورونا الشرق الأوسط» الأخبار، لكن سرعان ما أجريت بحوث على قدم وساق للتعرّف إلى المصدر الوسيط الذي كان الجمال، فطوّرت لقاحات للحيوانات المذكورة، مع استخدام تقنية الكواشف للفيروس في الجمال للحدّ من الانتشار والانتقال إلى البشر. خلال الأعوام الأخيرة، أمسى الفيروس محدوداً.
الرصد المستمرّ
للتجهّز الأوبئة، النقطة الأهمّ هي الرصد المستمرّ، ليس لأحوال البشر فحسب بل للحيوانات، بطرق مبتكرة، مثل: مراقبة المياه الآسنة (المجارير)، فهي مؤشّر لأي فيروس جديد أو قديم يعرف التجدّد وأخذ الاحتياطات حتّى لا يستعرّ.
الجدير بالذكر أن بعض الأوبئة قد يكون مصدرها فيروسات سبق أن تمّت السيطرة عليها أو كانت حكراً على مناطق قليلة، إلّا أن أسباب الانتشار تحققت من جديد جرّاء البيئة المناسبة. ينطبق الأمر على «الإيبولا» و«جدري القردة» و«شلل الأطفال».
عند معرفة أن ثمة فيروس ناشئ، وقادر على أن ينتشر ويتسبّب بوباء، تتكثّف البحوث لفهم طبيعة المرض والعلاجات واللقاحات. مثلاً: درس حالة «إنفلونزا الطيور» منذ عشرات الأعوام وأي فيروس يطرأ على الطيور وتجهيز اللقاحات المختلفة لها جعل أمر «الإنفلونزا» مسيطراً عليه بصورة أفضل من فيروسات أخرى، حتّى لا يتحوّل إلى وباء عالمي. لكن، غياب القوانين والصيد العشوائي، أثناء هجرة الطيور، في بعض الدول، كما انعدام الرصد الصحّي، قد يسهّل انتقال الفيروس، لا سيما في صفوف الصيّادين ومن تباع الطرائد إليهم.
من جهة ثانية، يعلي البروفيسور زراقط من أهميّة التكافل بين الدول ومشاركة المعلومات عن الفيروسات والبحوث المخبريّة المتعلقة، ويقول إن «العالم قرية متصلة.. ما يحدث في الفناء الخارجي لأي بيت، يدخل داخله، ففي البيت الآخر».
تابعي المزيد: أعراض عضة الكلاب المسعورة.. خطيرة جداً
جائحة «كورونا» ليست الأخيرة
جائحة كورونا ليست الأخيرة، وهناك أوبئة متوقّعة؛ بعض الفيروسات يمكن التنبؤ بأنه سيتحوّل إلى جائحة عالمية والتحضّر له (الكورونا الجديد، ومصدره الخفافيش، قد ينتشر بين البشر في أي لحظة)، بالإضافة إلى فيروسات لا نعرفها متوافرة في الطبيعة، وقد تروج. «علينا أن نحصّن أنظمتنا الصحية، ونموّل المختبرات القادرة على الاستجابة لأي طارئ جرثومي جديد وتطوير اللقاحات وتصنيعها. لكن، تبقى هناك صعوبة في السيطرة المسبّقة على الفيروسات»، يختم البروفيسور زراقط.
تابعي المزيد: اكتشاف جديد يقلل خطر الوفيات من فيروس كورونا
ملاحظة من "سيدتي نت": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.