تُسهم مرحلة الطفولة في تشكيل شخصية الطفل وتحديد أهدافه المستقبلية؛ فما نحن عليه الآن ما هو إلا نتاج وحصاد لطفولتنا، وقد ازداد مؤخراً الوعي بأهمية الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال والمراهقين؛ لما له من تأثير حيوي ومباشر على سعادتهم وجودة حياتهم.
وتختلف الاضطرابات التي تصيب الأطفال والمراهقين قليلاً عن تلك التي تصيب البالغين، من حيث أسبابها وشدّة أعراضها، ولكنها تشترك في عامل مهم وقوي، وهو تأثيرها السلبي على كيفية التعامل مع المحيطين. وفي اليوم العالمي للطفل، الذي يوافق 20 نوفمبر من كل عام، التقى "سيدتي. نت" اختصاصية الطب النفسي الدكتورة فاطمة الزهراء محمود ماجوري، وكان الحديث حول أبرز الاضطرابات النفسية التي تصيب الأطفال، وتأثير الحالة النفسية للأم على الصحة النفسية للطفل، وكذلك أبرز الأعراض التي تُنذر بخطر تعرّض الطفل للمرض النفسي وتتطلب التدخل الفوري.
الفرق بين الاضطرابات النفسية الوراثية وتلك البيئية
أكدّت الدكتورة فاطمة الزهراء محمود أن الأطفال قد يصابون ببعض الاضطرابات التي تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً فيها؛ مثل اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو صعوبات التعلم، أو اضطراب الطيف التوحدي، وقد يصابون أيضاً ببعض الاضطرابات التي تلعب فيها العوامل البيئية والمجتمعية الدور الأكبر؛ مثل الاكتئاب (وهو شائع جداً لدى الأطفال والمراهقين) والقلق، والوسواس القهري، والرهاب الاجتماعي، ومشاكل الثقة بالنفس، وغيرها الكثير.
وتكمن الصعوبة بشكل أساسي في عدم قدرة الأطفال على التعبير عن معاناتهم على نحو صحيح طيلة الوقت، فيلجأون إلى الانعزال مثلاً، أو العنف والعدوانية مع الآخرين، أو قد تظهر عليهم بعض الأعراض والآلام الجسدية، وغالباً ما يتم التعامل مع هذه الأعراض بشكل يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلاً من حلها.
على سبيل المثال، قد ينظر البعض إلى الطفل المصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على أنه طفل مُهمِل، أو لا يحترم الآخرين، دون إدراك أنه لا يملك السيطرة على هذه الأعراض، فتتم معاقبته بشكل مستمر بدلاً من مساعدته، مما قد يسبب له مشاكل واضحة في الثقة بالنفس، وقد يتعرض نتيجة لذلك للإصابة بالاكتئاب.
أسباب وأعراض الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين
ونظراً لأهمية الاكتئاب، وشيوعه بين الأطفال في مختلف المراحل العمرية، تتابع الطبيبة النفسية، فمن المهم معرفة الصورة التي يظهر عليها والأسباب التي قد تُسهم في حدوثه.
وقد يصاب الأطفال بالاكتئاب نتيجة لعدة عوامل؛ منها: التعرّض للتعنيف الجسدي، أو اللفظي، أو التنمر، أو الانتقاد المستمر. كذلك يصبحون عرضة للإصابة بالاكتئاب بشكل أكبر بعد انفصال الوالدين، أو وفاة أحدهما، وبعد تعرضهم للصدمات النفسية.
هذا ويختلف الاكتئاب في أعراضه عند الأطفال منه عند البالغين، مما يجعل ملاحظته ليست بالمهمة السهلة، حيث يظهر أساساً في صورة آلام جسدية؛ مثل الصداع أو المغص، أو اضطرابات في المزاج، أو ضعف في التركيز، وقد يميل الطفل أيضاً إلى الانعزال وعدم الرغبة في اللعب أو الاستمتاع، ويظهر ذلك واضحاً أيضاً من خلال التدهور الواضح في المستوى الدراسي. وقد يُصاب بعض الأطفال بالتبول اللاإرادي نتيجة إصابتهم بالاكتئاب.
وتختلف الخطة العلاجية للاكتئاب على حسب شدّة الأعراض، ومدّة ظهورها، ومدى تأثيرها على حياة الطفل؛ فإذا كان الاكتئاب بسيطاً إلى متوسط، فيمكن علاجه بواسطة جلسات العلاج المعرفي السلوكي، أما إذا كان شديداً؛ فقد يتطلب الأمر التدخل الدوائي إلى جانب العلاج السلوكي.
لذلك تبقى مهمة التشخيص السليم ووضع الخطة العلاجية المناسبة هي وظيفة الطبيب النفسي بالأساس، وما عليك سوى اللجوء إليه عند الحاجة لذلك، أو عند ملاحظة الأعراض السابق ذكرها.
تابعي المزيد: ما هي مراحل الحزن الخمس وكيف يمكن تجاوزها؟ طبيبة نفسية تجيب
متى يحتاج الطفل إلى العلاج عند الطبيب النفسي؟
تشير الدكتورة فاطمة الزهراء إلى أن المقياس الأساسي الذي يحدد ما إذا كان طفلك في حاجة لزيارة الطبيب أم لا، هو شكل التغيير الذي طرأ عليه، مدّته، ومدى تأثيره على جودة حياته. ومن الأعراض التي تتطلب تدخل الطبيب النفسي:
- الانطوائية، وقلة الكلام في غير المعتاد.
- العنف والعدائية.
- المعاناة من بعض الآلام الجسدية.
- انخفاض المستوى الدراسي للطفل بشكل ملحوظ، أو أصبح يرفض الذهاب إلى المدرسة.
- الخوف أكثر من اللازم، أو تجنّب بعض الأشخاص.
- قيام الطفل بسلوكيات غريبة وغير معتادة.
كذلك إذا لاحظتِ أن طفلك يختلف في نموه العقلي والحركي عن باقي أقرانه من نفس المرحلة العمرية، وهنا لا نتحدث عن الفروق الفردية المقبولة، إنما على اختلاف واضح ومؤثر، مثل ما يلي:
- إذا واجه في بداية رحلته التعليمية صعوبة في التحصيل الدراسي، مهما بذل من جهد.
- إذا واجه صعوبة في الالتزام بقواعد البيت أو المدرسة.
جميعها مؤشرات تشير إلى ضرورة البحث في أسبابها، لذلك يجب أخذ مشورة متخصص؛ للوقوف على أسباب هذه المشاكل وحلّها سريعاً قبل تفاقمها.
نصائح لحماية الطفل من الإصابة بالاضطرابات النفسية
تقدم الدكتورة فاطمة الزهراء بعض المفاتيح التي قد تساعدك على حماية أطفالك من التعرّض لتجارب مؤلمة، وهي:
1- استمعي إلى طفلك باهتمام، امنحيه كل حواسك وتفاعلي مع قصصه الطفولية، وأعطيه من وقتك جزءاً خاصاً به.
2- طفلكِ مختلف عنكِ تماماً، فاحرصي على مساعدته في اكتشاف أحلامه، لا في تحقيق أحلامك.
3- استخدمي نظم المكافأة في تعليم الطفل السلوكيات المحببة، بدلاً من الإيذاء الجسدي أو اللفظي، الذي يخلق طفلاً خائفاً، ويؤثر سلباً على ثقته بنفسه.
4- احرصي على ذكر مميزاته وتسليط الضوء عليها بشكل مستمر، فهذا من شأنه أن يعزز ثقته بنفسه ويصقل هذه المميزات.
5- تقبلي أخطاء طفلكِ، فالخطأ يعني أنه يتعلم، ولا يعني أنه طفل سيئ.
6- من الجميل أن يكون طفلك متفوقاً دراسياً، ولكن احرصي ألا يؤثر ذلك على علاقتكما بشكل سلبي، إذا كان طفلك يبذل ما بوسعه؛ فهذا يكفي، ويجعله فخوراً بنفسه.
7- تذكري دائماً: علاقتك الجيدة بطفلك هي كلمة السر التي ستدعمه طيلة الوقت، لذا لا تتنازلي عنها مهما كانت الضغوط.
8- الأطفال يحتاجون إلى تكرار الأمور حتى يتقنوها، فالصبر مهم للغاية في التربية.
9- احرصي على ألا يتدخل الأطفال في شؤون ومشاكل الأب والأم، فهم ليسوا طرفاً أو سبباً بأي حال، ولا يملكون حلاً لأي مشكلة.
10- إذا طرأ تغيير واضح في شخصية طفلكِ أو في سلوكه، حاولي طمأنته ومحاورته لمعرفة ما حدث، وإذا استعصى عليكِ الأمر، فلا تترددي في استشارة طبيب نفسي.
كيف تؤثر الصحة النفسية للوالدين على الطفل؟
تشدد الطبيبة النفسية على أن العامل الأهم في حماية الأطفال يبقى البيئة المنزلية؛ فالصحة النفسية للوالدين، وخاصة الأم، تلعب دوراً محورياً في انعكاس ذلك على الأطفال، لذا فإنَّ اهتمامكِ بصحتكِ النفسية ليس رفاهية، بل هو من ضمن الأولويات التي تساعدكِ وتساعد أطفالكِ على الحياة بشكل أفضل.
وأخيراً، كل أم تبذل ما في وسعها لمساعدة أطفالها، قد تصيب أحياناً وتخطئ أحياناً أخرى، لذلك احرصي على القراءة والتعلم وزيادة الوعي بطبيعة المراحل العمرية المختلفة، ولا تستسلمي للشعور بالذنب مهما حدث، فهناك دائماً حل لكل مشكلة مهما كانت صعبة.
ملاحظة من "سيدتي. نت": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب مختص.
تابعي المزيد: اكتشفي الفرق بين العلاج السلوكي والعلاج المعرفي