فن المقامات لم يعرف وطناً عربياً، وإنما عاش في جميع الأقطار الإسلامية، فصال وجال طوافاً متنقلاً محتفظاً بماهيته المتدثرة ببلاغته وفصاحته وقوة بيانه، فما بين أهل مصر والعراق والشام واليمن حتى الحجاز والمغرب، ليتطور وينتقل لبلاد الأندلس وبلاد فارس، إلا أن العهد الذهبي للمقامات كان في فترة العصر العباسي، سيدتي التقت الدكتور أحمد الصعيدي مدرس الأدب العربي بكلية الأداب جامعة سوهاج ليحدثك عن فن المقامات بالسياق التالي:
يقول الدكتور أحمد الصعيدي لسيدتي : فن المقامات فن هادف يأتي في قالب فكاهي ليشعر القارئ بالاستمتاع والانجذاب نحو القراءة، وفنّ المقامة يتبع الأسلوب السّرديّ، بأسلوبٍ سطحيّ بسيط، ولقد كان معظم كتّاب المقامات يبدأون السّرد في مقاماتهم، إمّا بعبارة حدّثنا، وإمّا بعبارة حدّث، وإمّا بعبارة حكى، وإمّا بعبارة أخبر، إمّا بعبارة حدثني، وهي أداة سرديّة كانت تصطنعها شهر زاد في سرد حكايات ألف ليلة وليلة، وقد كان لفن المقامات العربيّة تأثيرٌ أدبي نثريّ، ليس فقط على مستوى الأدب العربيّ الحديث في فنّ القصّة والرّواية السّرديّة، وإنّما وصل التّأثير في أدب العالم، مثل تأثيرها في الكوميديا الإلهيّة لدانتي، وفي قصص الشطّار الأسبانيّة الّتي تتحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من النّاس .
يقول الدكتور الصعيدي: فن المقامات، هو فن أدبي نثري وهو من أقدم الفنون الأدبية التي ظهرت بعد الإسلام، وبدأ في الظهور في القرن الرابع الهجري، والمقامة هي أقرب للرواية الخيالية، حيث إنها تروي قصة أو حكاية متصلة ومحبوكة على لسان راوٍ، والراوي قد يكون بطل القصة أو ممن عاشوا أحداثها، وفن المقامات الساخر يُعد فناً حكائياً من الطراز الأول، وحكاياته غالباً ما تكون قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامة، يرويها عنه راوٍ معيّن، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طُرَف أو عِبَر، ويعتقد أن أول من روى المقامات هو الشاعر بديع الزمان الهمذاني والذي كتب ما يقرب من أربعمائة مقامة، وسميت بالمقامة لأن كلمة مقامة تعني المجلس الذي يجلس الناس فيه، والتعريف الأدبي للمقامة هي قضية تدور جميع أحداثها في جلسة واحدة.
و اسمه أحمد بن حسين المولود في همذان, وتبلغ عدد مقاماته إحدى وخمسين مقامة، ويستخدم الهمذاني في مقاماته راوياً خياليا ً اسمه عيسى بن هشام، وبطل يُعرف بأبي الفتح الإسكندري وهو رجل خيالي يعمل في جميع المهن لابتزاز الأموال فتراه مرة شيخاً ومرة مشعوذاً ومرة متسولاً ومرة تاجراً، و من أشهر مقاماته : البشرية، الجاحظية، القريظية، الإبليسية، الرستانية، الحمدانية، وقد برع الهمذاني في فن المقامات حتى إن الكثيرين لا يعرفون المقامات إلا من خلال الهمذاني وبطله عيسى بن هشام.
من المقامة الغيلانية على لسان عيسى بن هشام يقول الهمذاني:
أَمِنْ مَيَّةَ الطُّلَلُ الـدَّارِسُ *** أَلَظَّ بِهِ العَاصِفُ الرَّامِسُ
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَ شَجِيجُ الْقَـذَالِ *** وَمُسْتَوْقَدٌ مَا لَهُ قَـابِـس
وَحَوْضٌ تَثَلَّمَ مِنْ جَانِـبَـيْهِ *** وَمُحْتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ
وَعَهْدي بِهِ وَبِهِ سَـكْـنُـهُ *** وَمَيَّهُ وَالإِنْـسُ وَالآِنـسُ
كَأَنِّي بِمَيَّةَ مُسْـتَـنْـفِـرٌ *** غَزَالاً ترَاءَى لَهُ عَاطِسٌ
إِذَا جِئْتُهَا رَدَّنيِ عَـابِـسٌ *** رَقِيبٌ عَلَيْها لَهَا حَـارِسٌ
سَتَأْتِي امْرِأَ الْقَيْسِ مَأْثُورَةٌ *** يُغَنِّي بِها العَابِرَ الجَالِـسُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ امْرأَ القَيْسِ قَـدْ *** أَلَظَّ بِهِ دَاؤُهُ الـنَّـاجِـسُ
وهو محمد القاسم بن علي الحريري، ولد في مشان بالقرب من البصرة، وأخذ من علماء البصرة علوم اللغة و الأدب وترجمت مقاماته التي تبلغ خمسين مقامة إلى أغلب لغات العالم، وكان يستخدم في مقامته بطل يُسمى أبو زيد السروجي وراوياً يُسمى الحارث بن همام, ومن أشهر مقامات الحريري : الحرامية، الدمياطية، الحلوانية، الإسكندرية، المكية، الدمشقية الرازية .
من المقامة الدمياطية على لسان الحارث بن همام يقول الحريري:
جزَيْتُ مَنْ أعـلَـقَ بـي وُدَّهُ *** جَزاءَ مَنْ يبْني عـلـى أُسّـهِ
وكِلْتُ للخِلّ كمـا كـالَ لـي *** على وَفاء الكَيْلِ أو بخْـسِـهِ
ولمْ أُخَـسِّـرْهُ وشَـرُّ الـوَرى *** مَنْ يوْمُهُ أخْسَرُ منْ أمْـسِـهِ
وكلُّ منْ يطلُبُ عِندي جَـنـى *** فما لهُ إلا جَـنـى غـرْسِـهِ
لا أبتَغي الغَبْـنَ ولا أنْـثَـنـي *** بصَفقَةِ المغْبونِ في حِـسّـهِ
ولسْتُ بالموجِبِ حقـاً لـمَـنْ *** لا يوجِبُ الحقَّ على نفـسِـهِ
ورُبّ مَذاقِ الهَوى خـالَـنـي *** أصْدُقُهُ الوُدّ علـى لَـبْـسِـهِ
يقول الدكتور أحمد الصعيدي لسيدتي : فن المقامات فن هادف يأتي في قالب فكاهي ليشعر القارئ بالاستمتاع والانجذاب نحو القراءة، وفنّ المقامة يتبع الأسلوب السّرديّ، بأسلوبٍ سطحيّ بسيط، ولقد كان معظم كتّاب المقامات يبدأون السّرد في مقاماتهم، إمّا بعبارة حدّثنا، وإمّا بعبارة حدّث، وإمّا بعبارة حكى، وإمّا بعبارة أخبر، إمّا بعبارة حدثني، وهي أداة سرديّة كانت تصطنعها شهر زاد في سرد حكايات ألف ليلة وليلة، وقد كان لفن المقامات العربيّة تأثيرٌ أدبي نثريّ، ليس فقط على مستوى الأدب العربيّ الحديث في فنّ القصّة والرّواية السّرديّة، وإنّما وصل التّأثير في أدب العالم، مثل تأثيرها في الكوميديا الإلهيّة لدانتي، وفي قصص الشطّار الأسبانيّة الّتي تتحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من النّاس .
تعريف فن المقامات
يقول الدكتور الصعيدي: فن المقامات، هو فن أدبي نثري وهو من أقدم الفنون الأدبية التي ظهرت بعد الإسلام، وبدأ في الظهور في القرن الرابع الهجري، والمقامة هي أقرب للرواية الخيالية، حيث إنها تروي قصة أو حكاية متصلة ومحبوكة على لسان راوٍ، والراوي قد يكون بطل القصة أو ممن عاشوا أحداثها، وفن المقامات الساخر يُعد فناً حكائياً من الطراز الأول، وحكاياته غالباً ما تكون قصيرة، تشتمل كل واحدة منها على حادثة لبطل المقامة، يرويها عنه راوٍ معيّن، ويغلب على أسلوبها السجع والبديع، وتنتهي بمواعظ أو طُرَف أو عِبَر، ويعتقد أن أول من روى المقامات هو الشاعر بديع الزمان الهمذاني والذي كتب ما يقرب من أربعمائة مقامة، وسميت بالمقامة لأن كلمة مقامة تعني المجلس الذي يجلس الناس فيه، والتعريف الأدبي للمقامة هي قضية تدور جميع أحداثها في جلسة واحدة.
عناصر المقامة :
• المجلس
یجب أن تدور حوادث المقامة في مجلس واحد لاینتقل منه إلا في ماشذَّ وندر (وحدة مکان ضیقة).• الراویة
فلكل مجموع من المقامات راویة واحد ینقلها عن المجلس الذي تحدث فیه.• المكدي
وهو بطل المقامة الذي تدور حوله القصة بأكملها وينتصر في نهاية القصة، ولكل مجموع من المقامات مكدي واحد أیضاً أوبطل، وهوشخص خیالي في الأغلب، أبرز میزاته أنه واسع الحیلة ذرب اللسان ذو مقدرة في العلم والدین والأدب وهو شاعر وخطیب، یتظاهردائماً بالتقوی.• الملحة (النكتة أوالعقدة):
وهي الفكرة التي تدور حولها القصة المتضمنة في المقامة، وتكون عادة فكرة طریفة أوجريئة، ولكنها لاتحثّ دائماً علی الأخلاق الحمیدة، وقد لاتكون دائماً موفقة.• القصة نفسها:
لكل مقامة وحدة قصصیة قائمة بنفسها، ولا توجد صلة بین مقامة وأخری، ولكن المؤلف واحد والراویة واحدة والمكدي واحد، وقد تكون القصص من أزمنة مختلفة مُتباعدة وإن کان الراویة واحداً.• موضوع المقامة:
موضوعات المقامات مختلفة منها أدبي و فقهي و فکاهي وحماسي، ومنها خمري أومجوني، وهذه الموضوعات تتوالی علی غیر ترتیب مخصوص عند بدیع الزمان، أما الحریري فتکون الموضوعات متعاقبة علی نسق مخصوص وقد تكون المقامة طویلة أوقصیرة.• اسم المقامة:
واسم المقامة مأخوذ عادة من اسم البلد الذي انعقد فیه مجلس المقامة، كالمقامة الدمشقیة، التبریزیة، الرملیة نسبة إلی الرملة بفلسطین، المغربیة، السمرقندیة، الوفیة، البغدادیة، العراقیة، أومن المحلة التي تنطوی علیها المقامة نحو المقامة الدیناریة، الحرزیة، الشعریة، الإبلیسية، الخمریة.• شخصیة المقامة:
إن الشخصیة التي تبدو في المقامة لیست شخصیة المكدي ولكنها شخصیة المؤلف وتنبني هذه الشخصیة علی الدرایة الواسعة بکل شیء يطرقه المكدي، أوالمؤلف علی الأصلح، فهو واسع الاطلاع علی العلوم العربیة، وبصیر بالفنون الأدبیة من شعر ونثر وخطابة، حاد الذهن قوي الملاحظة في حل الألغاز وکشف الشبهات، ومرح في اجتیاز العقبات وسلوك المصائب.• الصناعة في المقامات:
فن المقامات فن تصنیع وتأنق في اللفظ، ويوجد إغراق في السجع وفي البدیع من جناس وطباق، وإغراق في المقابلة والموازنة وفي سائر أوجه البلاغة حتی ما لایدخل في باب البلاغة علی وجه الحصر، کالخطبة التي تقرأ طرداً وعكساً والخطبة المهملة التي لانقط فیها أوالتي تتعاقب فیها الأحرف المهملة والأحرف المعجمة المنقوطة.• الشعر:
المقامة قصة نثریة وقد یتخللها شعر قلیل أوکثیر من نظم صاحبها علی لسان المكدي، أومن نظم بعض الشعراء، فيما یروی، وقد یكون إیراد الشعر لإظهار المقدرة في النظم أو لإظهار البراعة في البدیع خاصة عند الحریريأشهر كتاب المقامات :
• بديع الزمان الهمذاني
و اسمه أحمد بن حسين المولود في همذان, وتبلغ عدد مقاماته إحدى وخمسين مقامة، ويستخدم الهمذاني في مقاماته راوياً خياليا ً اسمه عيسى بن هشام، وبطل يُعرف بأبي الفتح الإسكندري وهو رجل خيالي يعمل في جميع المهن لابتزاز الأموال فتراه مرة شيخاً ومرة مشعوذاً ومرة متسولاً ومرة تاجراً، و من أشهر مقاماته : البشرية، الجاحظية، القريظية، الإبليسية، الرستانية، الحمدانية، وقد برع الهمذاني في فن المقامات حتى إن الكثيرين لا يعرفون المقامات إلا من خلال الهمذاني وبطله عيسى بن هشام.
من المقامة الغيلانية على لسان عيسى بن هشام يقول الهمذاني:
أَمِنْ مَيَّةَ الطُّلَلُ الـدَّارِسُ *** أَلَظَّ بِهِ العَاصِفُ الرَّامِسُ
فَلَمْ يَبْقَ إِلاَ شَجِيجُ الْقَـذَالِ *** وَمُسْتَوْقَدٌ مَا لَهُ قَـابِـس
وَحَوْضٌ تَثَلَّمَ مِنْ جَانِـبَـيْهِ *** وَمُحْتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ
وَعَهْدي بِهِ وَبِهِ سَـكْـنُـهُ *** وَمَيَّهُ وَالإِنْـسُ وَالآِنـسُ
كَأَنِّي بِمَيَّةَ مُسْـتَـنْـفِـرٌ *** غَزَالاً ترَاءَى لَهُ عَاطِسٌ
إِذَا جِئْتُهَا رَدَّنيِ عَـابِـسٌ *** رَقِيبٌ عَلَيْها لَهَا حَـارِسٌ
سَتَأْتِي امْرِأَ الْقَيْسِ مَأْثُورَةٌ *** يُغَنِّي بِها العَابِرَ الجَالِـسُ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ امْرأَ القَيْسِ قَـدْ *** أَلَظَّ بِهِ دَاؤُهُ الـنَّـاجِـسُ
• الحريري
وهو محمد القاسم بن علي الحريري، ولد في مشان بالقرب من البصرة، وأخذ من علماء البصرة علوم اللغة و الأدب وترجمت مقاماته التي تبلغ خمسين مقامة إلى أغلب لغات العالم، وكان يستخدم في مقامته بطل يُسمى أبو زيد السروجي وراوياً يُسمى الحارث بن همام, ومن أشهر مقامات الحريري : الحرامية، الدمياطية، الحلوانية، الإسكندرية، المكية، الدمشقية الرازية .
من المقامة الدمياطية على لسان الحارث بن همام يقول الحريري:
جزَيْتُ مَنْ أعـلَـقَ بـي وُدَّهُ *** جَزاءَ مَنْ يبْني عـلـى أُسّـهِ
وكِلْتُ للخِلّ كمـا كـالَ لـي *** على وَفاء الكَيْلِ أو بخْـسِـهِ
ولمْ أُخَـسِّـرْهُ وشَـرُّ الـوَرى *** مَنْ يوْمُهُ أخْسَرُ منْ أمْـسِـهِ
وكلُّ منْ يطلُبُ عِندي جَـنـى *** فما لهُ إلا جَـنـى غـرْسِـهِ
لا أبتَغي الغَبْـنَ ولا أنْـثَـنـي *** بصَفقَةِ المغْبونِ في حِـسّـهِ
ولسْتُ بالموجِبِ حقـاً لـمَـنْ *** لا يوجِبُ الحقَّ على نفـسِـهِ
ورُبّ مَذاقِ الهَوى خـالَـنـي *** أصْدُقُهُ الوُدّ علـى لَـبْـسِـهِ