يلفتك في سيدني أكبر وأقدم مدينة في أستراليا، ذلك التنوع الثقافي الذي يجمع بين سحر الطبيعة الخلابة والحياة الحديثة، التي تتعرف إلى لغتها من خلال دار الأوبرا وجسر هاربر، وهي تشبه إلى حد كبير الطراز الإنجليزي في معمارها وحداثتها. هناك أسّس المصمّمان Neydine Bak و Dewald Struwig أستديو Verhaal للهندسة المعمارية والداخلية، في تجمّع عالمي من المصنّعين والفنانين المبدعين لخلق تجارب استثنائية في الضيافة والفنادق والسكن. لقاؤنا معهما لنتعرف إلى سبب مجيئهما إلى دبي، وما الذي أبدعاه في هذا البلد الذي احتضن المبدعين في كل المجالات حول العالم.
كلمة Verhaal أفريقية وتعني سرد قصة. فكلا المصمّمين من أصول أفريقية، ومن جنوب أفريقيا تحديداً، أرادا التعبير عن نهجهما في التصميم على شكل رواية قصة تتفرّد بتفاصيلها المرحة وزينتها الفنية، وخرجا بفضاء تصميمي أدبي وفني وتاريخي، تميّزه خطوط جمالية لا تشبه غيرها، كما يعبران.
التراث الأفريقي
انتقل المصممان الزوجان من جنوب أفريقيا إلى أستراليا في عام 2016، وبعد تلقي العديد من الطلبات من العملاء الذواقين في الشرق الأوسط، أسسا فرعاً لـ أستديوVerhaal في دبي، لمنح الحرفيين منصة لعرض أعمالهم في بيئة وظيفية تعنى بقطاع الضيافة، تتابع ندين: «تعودنا إجراء بحث مكثف لفك الرموز التاريخية في المكان، الذي سنعمل فيه. ندرس جميع الأنماط في هذا البلد لنصل إلى هدفنا في التصميم، وعادة ما نعتمد على عملائنا في شرح هذه المعلومات. ومع ذلك، فإن ملامح تراثنا الأفريقي تظهر جلياً في أعمالنا. إنها طريقة نرد فيها الجميل إلى مجتمعنا؛ لأنه يشكل جزءاً من فلسفتنا المستدامة تجاه التصميم الداخلي وتفاصيله الإبداعية».
تعوّد المصممان السفر حول العالم على نطاق واسع، ومن كل بلد يستمدان الإلهام من الملمس والمواد التي تتوفر فيه ومن السياق التاريخي له، يستدرك ديوالد: «نحن نعمل على تكوين أفكار مجردة من القصص التي يرويها عملاؤنا. نقتبس روايتهم، ثم نبني عليها من خلال أسفارنا إلى الأماكن التي يشيرون إليها، ومن هنا نستلهم تجاربنا».
المصمم ديوالد: مستقبل التصميم رهن تطور الذكاء الاصطناعي السريع، لذلك نتبنى التكنولوجيا لإيجاد حلول إبداعية لتصاميمنا
حب وشغف
يتذكر المصممان كيف عملا على مشروع لعميلة إيرانية–بحرينية، لها علامتها التجارية الخاصة بالضيافة. يتابع قائلاً: «لقد أرادت إحضار جزء من منزلها إلى المملكة العربية السعودية لحبها وشغفها بالثقافة الإيرانية والشرق الأوسط، كانت تريد دمج الفن المعاصر بالتقليدي. وقد تم أخيراً إدراج التصميم في قائمة جوائز التصميم الداخلي في السعودية، وهو أمر أثار فرحتي أنا وندين بشكل لا يصدق، فأنا أرى أن مجتمع الشرق، وتحديداً السعودية، يقدر تفسير Verhaal لثقافة الشرق الأوسط».
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المصممة شذى خليل: عالم الابتكار يؤرقني حتى تتحقق رؤيتي
روح الغرب والشرق
يؤكد المصممان أن الأسلوب القصصي الذي يتبعانه في أعمالهما، يحتاج إلى وقت للتطوير لإرضاء العميل الذواق في الشرق الأوسط، الذي يبحث عن الكمال المتوازن، لذلك يختاران سنوياً مجموعة محددة من العملاء، ليبدعا في إيصال أفكارهم إلى المستوى الذي يرضي الجميع، ويحقق التوازن بين المعاصر والتقليدي؛ حيث لا يجد المصممان مشكلة في الجمع بين روح الغرب والشرق في تصميم ما؛ لأن التصميم العالمي، برأيهما، ينتمي إلى المجتمعات الراقية أينما كانت، تعلق ندين: «أصبحت القدرة على السفر ورؤية العالم في متناول معظم الأفراد، لذا نجد أن الخطوط الفاصلة بين الشرق والغرب غير واضحة. فالرسالة التي يحتاج المصممون أن ينقلوها هي رسالة العميل، التي يشكلها من زيارة الأماكن نفسها، ومتابعة حسابات Instagram، وتثبيت الصور نفسها على Pinterest. ولكن لا يمكن أن تكون القصص حقيقية إلا إذا كانت التفاصيل السردية فريدة من نوعها، وتحكي روح المكان. هدفنا في النهاية، أن يشعر العميل بالاتصال المكاني والانتماء إلى منزله تماماً».
لدى ندين وديوالد مكتبة واسعة في الأستديو الخاص بهما، تعودا قضاء الكثير من وقتهما في قراءة القصص حول الأماكن والشخصيات والمصممين الآخرين للعثور على مصدر إلهامهما. يقول المصممان: «نميل أيضاً إلى اتباع حدسنا والسماح لذوق الفنان بالظهور؛ حيث تكون الملامح الحرفية والمواد المستدامة جلية في مشاريعنا، نحن نضع الخطوط العريضة للتصميم، ثم نسمح للعميل بإضفاء شخصيته على السرد القصصي للتصميم».
المصممة ندين: ثق بحدسك، اقترب منه كما تكتب قصة وأضف أكبر عدد ممكن من الزخارف
حركة الكثبان الرملية
أجمل إبداعات Verhaal كما يرى المصمّمان، كانت في الإمارات، وهما في طور العمل عليها، وهي «عبارة عن لوحة جدارية طبقناها بالذهب وتعكس طبيعة المنطقة العربية وثقافتها بطريقة معاصرة، لعميل يرغب في مساحة تحمل صدى طبيعة الإمارات بما تحويه من حيوانات ونباتات، والنتيجة كانت جميلة ورائعة وأنيقة»، كما يصفانها؛ حيث أبدعا لوحة جدارية ذهبية تحاكي فضاء الصحراء، وتتحرك من زوايا مختلفة، وهي تنقل حركة الكثبان الرملية وتمكّن الناظر من العبور بعينيه داخل السراب الذي يظهر في المسافة. هذا هو نوع رواية القصص التي يستمدان منها تصاميمهما. كما تُعد غرفة Flamingo من تصميم Tashas في منتجع النسيم مثالاً يعكس الفن والنغمات المفعمة بالحيوية التي تجسدها أعمال الأستديو؛ حيث الظلال المرجانية الناعمة على الجدران وتلك الأضواء اليدوية الصنع المعلقة فوق مقاعد الجلوس. تستطرد ندين: «أراد العميل منا أن نبتكر تجربة تصميمية أفريقية مرحة ومتطورة تتوافق مع الفن الفريد والجمال النقي من قارتنا الأم. كل قطعة في المكان تعكس إحدى قصص أساطيرنا، وقد حاز التصميم العديد من الجوائز؛ لأنه ينقل الزائر إلى تفاصيل الجمال الأفريقي».
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المصممة دلفينا كورتيز Delfina Cortese: في منزلي لكل شيء معنى ولكل قطعة قصّة وذكرى
محادثة هامسة
هناك غرابة لافتة للنظر في بعض تصاميم القطع التي يختارها ندين وديوالد، خاصة في الإكسسوارات، مثل الكرسي باللون البيج الذي يزين صفحتهما على Instagram، وقد رسمت عليه يدان تمتدان بشكل غريب، يقول عنه ديوالد: «الكرسي من تصميم أحد المبدعين الملهمين، بيير يوفانوفيتش، الذي يمتلك قدرة مذهلة على الجمع بين الراحة والجمال والتراث، ودمج كل هذه العناصر في قالب تصميمي معاصر. نحن نتبع نهجاً مشابهاً في القطع التي نختارها للإكسسوارات والإضاءة الزخرفية؛ حيث تكتمل قصة المكان من خلال محادثة هامسة تحكي قصة رحلة لا تُنسى ذات معنى متعدد الروايات، تربط الديكور الداخلي له، بالملامح الخارجية».
يعمل المبدعان مع العديد من الحرفيين، معظمهم من أفريقيا مع عدد قليل من الفنانين الإماراتيين، في الغالب. وقد تمثل الميزانية تحدياً لهما، لكن عملاءهما، كما يكشفان، يقدرون القيمة التي تعطيها الأعمال الفنية والنتيجة والخبرة الشاملة لعلاماتهم التجارية ومنازلهم؛ حيث يكونون جزءاً لا يتجزأ من أصالة التجربة وجمالها. تتابع ندين: «عادة نتفق مع عمال البناء ورسامي الجداريات المذهلين هنا في الإمارات العربية المتحدة، فنحن نحب العمل معهم مراراً وتكراراً. فهم يقدمون فهماً وخيارات مذهلة يمكننا العمل بها. السحر يكمن في حماستهم للعمل في مشاريع فريدة لإحياء الأفكار، كما لا نبيع القطع التي أشرفنا على تصميمها في المزادات، بل نحتفظ بها لعميل يصمم منشأته أو بيته، كما أن التكرار ليس فلسفتنا، لتكون القصة التي تمثلها القطعة صادقة، وتمثل جزءاً من عميل واحد».
ابتكار المستقبل
أصبح مستقبل التصميم، برأي المصممين ندين وديوالد، نقطة نقاش مع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، لذلك تبنيا التكنولوجيا ووصفاها أداة فعالة تجد حلولاً إبداعية لتصاميمهما، عبر رحلات افتراضية يقومان بها. كما يوفر لهما الذكاء الاصطناعي رواية واضحة للتاريخ الذي يستخدمانه في تصميم قطعهما. فالقدرة على التكيف مع الماضي، واحتضان الحاضر لخلق المستقبل هو ما يجدانه مثيراً في عملهما، الذي لا ينتظر أحداً، بل يتبع حدسهما، ويمزج شغفهما وحبهما لجميع الثقافات في بوتقة واحدة، تحكي في النهاية شخصية العميل. يختمان كلامهما ناصحين لكل من ينوي العمل على تصميمه الخاص: «ثق بحدسك، اقترب منه كما تكتب قصة، وأضف أكبر عدد ممكن من الزخارف. القصة التي تأسر العقل هي قصة تستحق القراءة مراراً وتكراراً».
ومن عالم الديكور نقترح عليك لقاء المصمم فريديريك أمبار Frederic Imbert : لست فناناً بل مصمّم يقدم العملية على الجمالية