كانت دائما ما تحمل ورقة صغيرة كتب عليها" هذا الوقت سيمضي" وبالفعل مضى الوقت وتنقلت الدكتورة هبة فلاتة، بين محطات النجاح التي بدأتها مع مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله موهبة ، ثم بالدخول لعالم الأبحاث، وتوجت هذا التميز مؤخرا بجائزة أفضل بحث مبتكر في مؤتمر الاتحاد الأوربي للموجات الصوتية في الطب، والذي حمل عنوان "استخدام صبغات الموجات فوق الصوتية بحجم النانو لقتل الخلايا السرطانية في الكبد.
ولتسليط الضوء على هذا الإنجاز الذي يضاف للمرأة السعودية، كان هذا الحوار مع الدكتورة هبة فلاتة:
بدايةً حدِّثينا عن نفسكِ، وأبرز محطات مسيرتكِ العلمية والمهنية؟
مسيرتي العلمية في المجال، بدأت بعد المرحلة المتوسطة، حيث التحقت بمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهوبين، وتحديداً البرنامج الصيفي الإثرائي، وكانت هذه المحطة الأولى فيها، وبعد إنهائي الثانوية، سجَّلت في جامعة الملك عبد العزيز، وتخرَّجت فيها بامتيازٍ مع مرتبة الشرف في تخصُّص الأشعة التشخيصية. عقب التخرُّج بدأ يراودني حلمٌ بتغيير حياة الناس عبر الدخول في عالم الأبحاث، والإسهام في تعليم الأجيال المقبلة، لذا التحقت بوصفي معيدةً بجامعة الملك سعود للعلوم الصحية، وتمَّ ابتعاثي للخارج من أجل الحصول على الماجستير، الذي نلته في 2016 والحمد لله بتقدير امتيازٍ أيضاً من جامعة بوسطن في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدت إلى السعودية، والتحقت ببرنامج الدكتوراه، وفي خلال هذه الفترة كنت ضمن أعضاء هيئة التدريس، وحصلت على جائزة أفضل معلمٍ في قسم الأشعة عامين متتاليين، وفي 2019 التحقت بجامعة دريكسل الأمريكية، وبدأت رحلة الدكتوراه، وتخرَّجت العام الجاري ولله الحمد بتقدير امتيازٍ.
خلال رحلة الدكتوراه، نشرت أبحاثاً عدة، وشاركت في مؤتمراتٍ كثيرة، بعضها بأبحاثٍ، وأخرى متحدثةً حيث ألقيت محاضراتٍ تتعلَّق بتخصُّص الأشعة، والحمد لله توَّجت رحلتي بحصولي على جائزة أفضل بحثٍ مبتكر.
ماذا عن المؤتمر والشروط المفروضة على الأبحاث المقدَّمة في المؤتمر؟
مؤتمر الاتحاد الأوروبي للموجات فوق الصوتية بالطب والعلوم من أهم المؤتمرات التي تركز على الأبحاث المتعلِّقة بالأشعة، خاصةً الموجات فوق الصوتية، ويُعقد كل عامٍ في دولةٍ مختلفةٍ، وهناك فئتان من الجوائز المقدَّمة، الأولى للباحثين، والأخرى للطلاب، وتندرج تحت كل واحدةٍ منهما أربع جوائز مختلفة. مشاركتي جاءت في فئة الباحثين، وقد وضع المؤتمر شروطاً عدة لقبول الأبحاث، منها أن يكون البحث في تخصُّص الأشعة، وتمَّ تقديم آلاف الأوراق العلمية، واختير منها نحو 200 بحثٍ لتُعرض في المؤتمر، بعد ذلك جرى تقييمها من قِبل لجنة غير معروفةٍ للحيادية، استندت فيها عملها على معلومات البحث، والإلقاء، والإجابات عن أسئلة الحضور، واختارت الفائزين بعد أسبوعٍ، وأرسلت لهم بريداً إلكترونياً بذلك، والجوائز النقدية.
ما ملخص البحث الذي قدَّمته وأهميته؟
مازال العالم يعاني من السرطان باختلاف أنواعه، فعلى الرغم من تقدُّم العلم إلا أن هذا المرض لا يزال يحتل المراتب الأولى بين أسباب الموت، ويعدُّ سرطان الكبد من أكثر السرطانات التي يجب تسليط الضوء عليها، نظراً لصعوبة اكتشافه في المراحل الأولى منه، فمع تقدم حالة المريض، تبدأ الأعراض في الظهور، ويكون في حاجةٍ إلى علاجاتٍ مختلفة، علماً أن الطريقة الوحيدة للنجاة، هي بزرع الكبد، لكن هذه الزراعة لا تتمُّ إلا بشروطٍ، منها عدد الأورام، وحجمها، وحالة المريض. من هنا بدأت لدي فكرة البحث، وكيف يمكن معالجة هذه الفئة من المرضى ليصبحوا قادرين على زراعه الكبد بدلاً من الانتظار فتراتٍ طويلة، قد يتطور خلالها المرض، واستخدمت في البحث صبغات الموجات فوق الصوتية بحجم أقل من 200 نانوميتر لمعالجة سرطان الكبد، وهذا الحجم بسبب طبيعة وفيسيولوجية السرطان الذي يستطيع تجاوز الحواجز، حيث نقوم بتسليط الموجات فوق الصوتية القادرة على قتل الخلايا السرطانية والشرايين المغذية لها بمسانده الصبغات.
البحث مازال قيد التجارب ما قبل السريرية، ونتائجه مبشرة جداً ولله الحمد، ونأمل في الأعوام المقبلة نقله للمراحل السريرية، ثم اعتماده ضمن العلاجات لمرض سرطان الكبد.
هل توقَّعتِ الفوز بالجائزة وما شعوركِ وقتها؟
لم أتوقَّع أبداً الحصول على الجائزة، خاصةً أن الفائزين يتمُّ تحديدهم بعد المؤتمر. عندما تم تلقَّيت الخبر، انتابني شعورٌ لا يوصف، شعورٌ ممزوجٌ من الفرح والسعادة والفخر، فمن الجميل أن يرى الإنسان جهوده تتكلَّل بالنجاح.
نتائج مبشرة
كيف يمكن استثمار نتائج بحثكِ المقدَّم في مجال الطب بالسعودية والعالم؟
النتائج الأولية للبحث مبشرةٌ جداً، ولله الحمد، وإذا تمكَّنا في العامين المقبلين من الانتقال للتجارب السريرية، والنجاح فيها، فسيساعد ذلك في علاج كثيرٍ من المرضى بسرطان الكبد، وتخفيف آلامهم، وتوفير فرصٍ عاليةٍ لزراعة الكبد لديهم بشكلٍ أسرع.
ماذا عن التقنية وثورة الذكاء الاصطناعي، كيف يمكن الاستفادة منها في مجال الأبحاث الطبية؟
نحن نعيش في ثورةٍ تقنيةٍ كبيرةٍ، يمكن الاستفادة منها بحل عديدٍ من المشكلات. اليوم يتمُّ استخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن بعض الأمراض، فبعد الحصول على صور الأشعة، تتمُّ مراجعتها باستخدام الذكاء الاصطناعي للكشف عن أمراضٍ عدة، ثم يُرسل تنبيهٌ للطبيب المعالج لعمل فحوصاتٍ معينةٍ من أجل التأكد من حالة المريض.
سفيرة السعودية
بوصفكِ سفيرةً للسعودية في هذه الجائزة، ماذا يمثل لكِ هذا الإنجاز، وما الرسالة التي توجِّهينها عبر"سيدتي نت"؟
الفوز لا يمثلني فقط، بل ويمثل وطني وعائلتي قبل ذلك، ويمثل كل امرأةٍ سعوديةٍ طموحةٍ، لديها شغفٌ بالوصول لأعلى القمم، واليوم أعتزُّ بأنني ابنة هذا الوطن وسفيرةٌ له، ورسالتي لكل سفيرٍ وسفيرةٍ لهذا البلد العظيم: كونوا خير سفراء لوطنكم، ودعوا العالم يشاهد بأننا أصحاب همةٍ وعزم، وأن مكاننا المقدمة دائماً وأبداً.
رؤية 2030
حدِّثينا عن "رؤية 2030" وانعكاسها على تمكين المرأة السعودية في كافة المجالات، خاصةً في الطب والأبحاث؟
تمكين المرأة السعودية، يؤدي إلى خلق أفكارٍ إبداعيةٍ، تسهم في تحقيق أهداف الرؤية المباركة. اليوم المرأة سفيرةٌ في جميع المجالات، وقادرة على الإبداع وبناء الوطن، وتشكِّل نقطة تحولٍ في كل المجالات، لا سيما بعد إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وفتح المجال أمامها لدراسة كل التخصصات في الجامعات السعودية، ومنها الطب، وإكمال دراساتها العليا. كل ذلك سيسهم في تحقيق أهداف "رؤية 2030".
طرق النجاح ليست سهلةً وممهدةً دائماً فهناك كثيرٌ من المصاعب والتحديات، ما أبرزها بالنسبة لكِ، وكيف تمكَّنتِ من تجاوزها؟
عوائق كثيرة، وقفت في طريقي، وتركت تأثيراً قوياً في شخصيتي، منها الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، فلا أخفيكم، كانت فترةً صعبةً جداً، نظراً لأني شخصٌ يحبُّ بلاده وعائلته كثيراً، ويحرص على أن يكون قريباً منها، لذا وجدت صعوبةً في التأقلم هناك، خاصةً في الأشهر الأولى، وما زاد الأمر سوءاً إصابة والدي بقطع في الأربطة، واضطراره للعودة إلى السعودية، لكن بفضل الله، استفدت من تلك الفترة بصقل شخصيتي، إذ أصبحت أقوى، كما زاد لدي الشغف بالتعرُّف على ثقافاتٍ جديدة. كذلك عانيت خلال مرحلة الدكتوراه، حيث كنت أعمل طالبةً باحثةً في أحد المعامل، وبعد مضي السنة الأولى، انتقل المشرف على بحثي إلى جامعةٍ أخرى، ما اضطرني إلى البحث عن مشرفٍ جديدٍ لفترةٍ ليست بالقصيرة، وبفضل الله التحقت مساعدَ باحثٍ في جامعة ومستشفى جيفرسون، قسم الأشعة، وبالتحديد معمل الموجات فوق الصوتية، وهو أحد أهم المعامل المعروفة في العالم والولايات المتحدة. كانت رسالتي لنفسي في تلك الفترة، أنه لا وجودَ لطريقٍ ممهدٍ في الحياة، وأن الإنسان بالإيمان بالله، والتحلي بالصبر والتفاؤل بالخير، سيصل إلى أهدافه، وأذكر أيضاً أنني كنت أحمل دائماً ورقةً صغيرةً، كُتِبَ عليها "هذا الوقت سيمضي"، وبالفعل مضى بكل ما يحمله من صعوبات.
المهارات الشخصية
ما سر تفوُّقك، والمهارات الشخصية المطلوبة لتحقيق النجاح؟
السر الأول، هو توفيقُ الله سبحانه وتعالى لي، من ثم دعمُ والدي ووالدتي، إذ أعدُّهما من أكبر الداعمين لي منذ طفولتي، ولا أنسى مساندة إخوتي، وملهمتي الدكتورة شذى الشريف، استشاري الأشعة في مدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة، حيث كانت خير ملهمةٍ وقدوةٍ لي. النجاح والإنجاز لا يتطلَّبان سوى المثابرة والصبر، واليقين بالقدرة على تحقيق الأفضل، وعدم التراجع، أو الخوف من الابتكار، والتفكير خارج المألوف.
كيف ترين الدعم المقدَّم لمجال الأبحاث في السعودية، والباحثات السعوديات بشكلٍ خاصٍّ؟
اليوم، تحظى المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز الأبحاث بدعمٍ كبيرٍ من الدولة، ما أسهم في فوز كثيرٍ من السعوديين والسعوديات بجوائز في مجالات أبحاثٍ مختلفة، وهذا انعكاسٌ واضحٌ لاهتمام الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، بالابتكار والإبداع، وتوفير الدعم اللازم، لتكون السعودية منبع العقول النابغة.
ما نصيحتكِ لكل مجتهدٍ وباحثٍ عن النجاح؟
حاول مراراً وتكراراً، قد لا تنجح من المحاولة الأولى، لكن حتماً ستنجح بطريقةٍ ما وفي وقتٍ ما.
ما طموحاتكِ وخطواتكِ المقبلة؟
أطمح لأن أكون سفيرةً للوطن والمرأة السعودية في مجال الأشعة التشخيصية والعلاجية، وأن أسهم في تحقيق "رؤية 2030"، وأن أدخل في مبادراتٍ بحثيةٍ تعاونيةٍ مع جامعاتٍ ومستشفياتٍ مختلفة في العالم، تسهم في تغيير حياة كثيرٍ من المرضى.
كلمة أخيرة؟
شكراً للوطن الغالي، وجامعة الملك سعود للعلوم الصحية، وكل مَن ترك أثراً جميلاً وبصمةً مميزةً حتى أصل إلى هذا النجاح، كما أشكر مجلة "سيدتي لاستضافتي.
تعرفوا على ملهمة سعودية أخرى : خلود المانع أول سعودية تحصل على لقب سيناتور في المنتدى العالمي للاستثمار وريادة الأعمال WBAF