«أنت زوجتي أمام الله»، كلمات تسمعها الفتيات بكثرة هذه الأيام، ولا تكون إلا لمطالبتها بالمزيد من العطاء تجاه الشاب «الزوج»، الذي فرض عليها صفة الزوجية بأربع كلمات فقط، وسرعان ما يبدأ قطار الطلبات في انطلاقه تحت مسمى الحقوق الزوجية، فحين فتحت «سيِّدتي» ملف الزواج الوهمي بين الشباب والفتيات وجدت قصصاً تصل إلى حد الغرابة، فمن الغريب أن تفرّط طالبة جامعية في فصل دراسي كامل؛ من أجل حرصها على عدم غيرة شريكها الوهمي، أو أن يكون لفتاة شريحة هاتف جوال خاصة؛ حتى لا يكتشف والدها ارتفاع سعر فاتورة مكالماتها؛ لأن الأسئلة التي تتلقاها من شريكها الوهمي كثيرة جداً.
قصص الزواج الوهمي أو الشريك الوهمي كثيرة، وقد جمعناها من شباب وفتيات لم يكتفوا بكلمة «أحبك»، بل زادوا عليها الكلمات الأربع التي تعدّ «شيفرة» خاصة ليكون لهم الحكم على الطرف الآخر بموجبها.
فرض الوصاية الوهمية
«الزواج الوهمي» وصفه اختصاصيو العلاقات الاجتماعية بالأسر بالشخصيات المهترئة نفسياً، تفقد الثقة بذاتها، فتلجأ إلى فرض الوصاية الوهمية على شخص آخر، والذي يكون بالضرورة الحلقة الأضعف في العلاقة، وغالباً ما تكون الفتاة هي الحلقة الأضعف، والتي من المفترض عليها الطاعة، حسب مفاهيم المجتمع الذكوري.
تقول استشارية العلاقات الزوجية والأسرية الدكتورة «أريج داغستاني»: «انتشر فيما يعرف بين الشباب بعلاقات الزواج الوهمي، فقد يرتبط الشاب والفتاة بمجرد كلمة، ويعتبر كل طرف الطرف الآخر زوجاً له، فلا تخرج الفتاة إلا بإذن الشاب، ولا يتخذ الشاب قراراً إلا بمشاورة الفتاة، ويحاسب الشاب الفتاة، وتغار هي عليه، ويجبران بعضهما على التخلص من علاقة صداقة أو زمالة غير مرغوب فيها، من وجهة نظر الشريك الوهمي، وينصِّبان أنفسهما على بعض كقضاة، يحل لكل منهما أن يحكم على الطرف الآخر، ويعاقبه، ويفرض عليه العيش تحت وطأة أشد المشاعر إيلاماً، فتظهر ردود الفعل من الشاب أو الفتاة أثناء التعايش مع الأهل، وعلى الرغم من كل تلك المشاعر والاهتمام والغيرة والمراعاة وألم العتاب.. ومشاعر الخوف من فقدان ذلك الشريك الوهمي ناهيك عن التوتر والانفعال والقلق من عدم وضوح رؤية النصف الآخر للشريك الوهمي؛ بسبب البعد المكاني، وفشل وسائل الاتصال فيما بينهما، إلا أن ذلك الشريك لا يجرؤ على إنقاذ الطرف الآخر من مطب قد يقع فيه من مطبَّات الحياة».
قصص الشريك الوهمي
من داخل إحدى دورات الاستشارات النفسية التي يلجأ إليها الشباب والفتيات لتقوية أنفسهم؛ محاولة منهم للتخلص من أسر علاقات «الزواج الوهمي»، رصدنا الكثير من قصص الشباب والفتيات، التي تم استعراضها خلال الدورة.
تقول «سارة.ح» طالبة: «استغل أحد الشباب المراهقين اسم أخيه، الملتزم دينياً، عبر «تويتر» للتعارف إلى الفتيات، ولجأت إليَّ صديقة لي عبر «تويتر»، روت قصتها مع هذا الشاب، والذي قال لها: «أنت زوجتي أمام الله»، موهماً إياها أنها صارت زوجته، وبدأت قصتها معه حين لاحظ اهتمامها بتغريداته، فحدثها على الخاص، وبدأت الرسائل بينهما، ثم المحادثات الهاتفية، ومنذ أن قال لها: «أنت زوجتي أمام الله»، وهو لا يكفُ عن محادثتها، وسؤالها: أين أنت؟ ومع من؟ وماذا تفعلين؟ وكيف خرجتِ من دون إذني؟ وجمل وعبارات من هذا القبيل، حتى تعبت صديقتي من أسلوبه، وما زاد الطين بلة مطالبته لها بإقامة علاقة الأزواج، وحين رفضت، غضب، ثم تنكر بشخصية أخرى، وحساب آخر على «تويتر» وتابعها، وبدأ يتحدث معها بشخصيته المزيفة، وسرعان ما ظهر على حقيقته، متهماً إياها بأنها غير مؤدبة، وكاذبة، وبعد ثلاثة أسابيع فقط من الحصار.. أنهى هو العلاقة الوهمية بينهما بكبسة زر».
شعور بالوحدة
قصة أخرى يرويها «م.ع»، مهندس، حين رفض السفر من منطقته التي يعيش فيها إلى منطقة أخرى من أجل العمل، والسبب رفض زوجته الوهمية بعد أن قال لها: «أنت زوجتي أمام الله»، والتي تعرف إليها أيضاً عن طريق برامج التواصل الاجتماعي، أي عاقل يرفض فرص العمل وباب الرزق؟ وهم لا يدرون من خلف الأبواب ومن السبب؟
تفادي الغيرة
«التبرير» كان حيلة الزوجة الوهمية «د.س» حين روت قصتها قائلة: «كنت أرفض الخروج مع والديَّ لزيارة الأهل؛ لأتفادى إثارة غيرته -وهي تقصد زوجها الوهمي- لعلمه أن أحد أقاربي يرغب في خطبتي، وكنت أرفض السفر مع أهلي حتى لا أستفز غضبه عليَّ؛ لأنه لا يرغب في خروجي أو تركي له بمفرده، فكنت أفتعل الأعذار الوهمية؛ حتى أحافظ عليه، خصوصاً بعد أن قال لي: «أنت زوجتي أمام الله».
خسارة دراسية
الخسارة الدراسية كانت ضمن الخسائر التي تكبدتها «م.ش»، طالبة؛ بسبب الزوج الوهمي الذي لم يتوقف يوماً عن إصدار قراراته، خصوصاً بعد أن قال لها: «أنت زوجتي أمام الله»، وتقول: «كنت أطيعه فيما يقول، ولم أذهب إلى الجامعة لمدة فصل دراسي كامل بعد سفر سائق أسرتنا الخاص؛ طاعة لزوجي كما أقنعني، فهو يرفض أن أركب السيارة مع سائق آخر غير الذي يعرفه؛ لأنه يشعره بالراحة، ولشدة خوفه عليَّ».
رفض مجتمعي
استطلعت «سيِّدتي» الآراء حول هذا النوع من العلاقات الذي انتشر مؤخراً بين الشباب والفتيات، فيما عرف باسم «الزواج الوهمي»، حيث يرفض الإعلامي حمود الوادي هذا النوع من العلاقات، مؤكداً أن غياب مشاعر الحب داخل الأسرة يكلِّف الفتيات الكثير، وأن المجتمع السعودي المحافظ لا يمكن أن يتقبل مثل هذه الصيحات الغريبة التي ربما دخلت إلينا عبر مواقع التواصل، وغياب رقابة الأهل على الأبناء والبنات بسبب الانشغال الدائم للأبوين، ولجوء الشاب أو الفتاة إلى علاقة كهذه لتعويض الحرمان الذي يعانون منه في الحقيقة.
ويتفق في الرفض مصمم الجرافيك سعد القرني، مشيراً إلى أن فقدان العاطفة داخل الأسرة الواحدة يدفع الشباب إلى الخروج عن المألوف، وهذا الخروج قد يكون في مثل هذه المشاعر التي يتم إفراغها في غير مكانها الصحيح، وقد تدفع الفتاة غالباً ثمن مثل هذه العلاقات التي تشوه سمعتها، وتنال من براءتها في كثير من المواقف. ولا أقول إن الرقابة هي الحل، بل الرفق والصداقة بين أفراد الأسرة؛ لإضفاء مشاعر الحب والحنان هو الحل، الذي ينقذ فتياتنا من مثل هذه المشاعر الوهمية، بالإضافة لفتح كل أبواب الحوار مع الأبناء والبنات؛ لتعويض نقص المشاعر التي يلجأون لتعويضها من خارج الأسرة.
الإسلام حرَّم كل العلاقات إلا الزواج الشرعي
رفض الأستاذ بالمعهد العالي للقضاء، عضو مجمع الفقه الإسلامي العالمي، الدكتور محمد بن يحيى النجيمي مثل هذه العلاقات، وقال: «لا علاقات إلا بزواج شرعي، والإسلام حرم كل العلاقات إلا الزواج الشرعي، ولا علاقات بعيداً عما أحله الشرع، فإذا كانت الخطيبة تعتبر أجنبية عن خطيبها فكيف بمثل هذا النوع من العلاقات التي فيها هذا المسمى «الزواج الوهمي»؟!