«إذا كان طريقٌ ما أفضلَ من آخرَ، فتأكَّد أنه طريقُ الطبيعةِ». مقولةٌ، تُبيِّن أهميَّةَ الحفاظِ على الأخيرةِ ومواردها من خلال ممارساتٍ، تبدأ بصورةٍ فرديَّةٍ وكلَ يومٍ، وتتوسَّعُ على صعيدِ المجتمعاتِ والدول. في هذا الإطارِ، يختارُ بعض مصمِّمي الديكورِ والأثاثِ والمنتجاتِ «طريقَ الطبيعةِ» في نتاجِهم، معبِّرين بذلك عن مسؤوليَّةٍ ووعي.
في "ساعة الأرض"، التي توافق 23 مارس، هذا العام، يُطفئ ملايين الأشخاص في أكثر من 190 دولة الأضواء لمدة ساعة واحدة، وذلك من الثامنة والنصف مساء، لزيادة الوعي حول حماية الطبيعة، ومعالجة أزمة المناخ. في المناسبة، نظرة على تجاربِ مصمِّمين شبابٍ، يضعون الأخلاقيَّة البيئيَّة في اعتباراتهم عند الإنتاجِ، ويبدعون في أعمالهم، مع التفكيرِ في مصيرِ الإنسانِ والكوكب.
إكسسواراتٌ منزليَّةٌ من زجاجٍ مُعادٍ تدويره
تتمحورُ تجربةُ ميسم حنوف، مؤسِّسةُ «مشكاة» في لبنان، حول تصميمِ إكسسواراتٍ منزليَّةٍ باستخدامِ الزجاج المكسور. وحوَّلت المصمِّمةُ شغفها بتزيين منزلها ومتابعةِ التصاميمِ الجديدةِ والاهتمامِ بالتفاصيل الصغيرةِ قبل الكبيرة إلى عملٍ محترفٍ، موضحةً لـ «سيدتي»، أن عائلتها، تعملُ في مجالِ الزجاجِ منذ زمنٍ طويلٍ، لذا صمَّمت الإكسسواراتِ المنزليَّةَ الزجاجيَّةَ من مزهرياتٍ، وأكوابٍ، وأباريقَ، وأواني مطبخٍ.
وتركِّزُ حنوف الحديثَ على المزهريات بشكلٍ خاصٍّ، لافتةً إلى أن العناصرَ المذكورةَ، تُشعرها بالنورِ والضوء، وحين تُملأ بالأزهار الملوَّنةِ، تبدو مشرقةً، ومن هنا اختارت اسمَ «مشكاة» لشركتها الناشئة، لتعكسَ الإشراقَ المذكور.
وتُصنعُ إكسسواراتُ «مشكاة» يدوياً من زجاجٍ مكسورٍ مُعادٍ تدويره، لذا كلُّ قطعةٍ فيها فريدةٌ من نوعها، وتحملُ لمسةَ حرفي وفنانٍ ذي خبرةٍ طويلةٍ بنفخ الزجاجِ وتشكيله، إضافةً إلى مزايا الزجاجِ من لمعانٍ وبريقٍ، مقارنةً بموادَّ أخرى، تستخدمُ في صنعِ الإكسسوارات المنزليَّة، وهذه الأخيرةُ مصدرٌ للرضا البصري، بحسب تعبير المصمِّمة. وإلى جانبِ ذلك، تُصمَّم في «مشكاة» إكسسواراتٌ خاصَّةٌ بتزيين المناسباتِ والحفلات، لا سيما الأعراس.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال تصاميم معاصرة صديقة للبيئة Earth-Friendly
حماية البيئة
وعن الحفاظِ على البيئة، الذي يوجِّه عملها، تشرح حنوف، أن «الإكسسوارات ثمارٌ لإذابةِ الزجاجِ المكسورِ في حرارةٍ عاليةٍ، تتجاوزُ 1400 درجةٍ مئويَّة، حيث يتحوَّلُ إلى سائلٍ، ويصبحُ سهلَ النفخِ والتشكيل»، وتقولُ: «عوضاً عن رمي الزجاجِ هنا وهناك، أو طمره في التراب، نجمعُ كمياتٍ كبيرةً منه في أماكنَ عدة بلبنان، وبذلك نسهمُ ولو بجزءٍ بسيطٍ في حمايةِ البيئة بوطننا، وللعلم كلّ منتجاتنا قابلةٌ لإعادةِ التدوير».
ومع تحوُّل العماراتِ إلى كتلٍ إسمنتيَّةٍ، وبُعد الشققِ عن الطبيعةِ الخضراء، أطلقت المصمِّمةُ مجموعةً، سمَّتها «الطبيعة» في محاولةٍ لترك فسحةِ ضوءٍ شبيهةٍ إلى حدٍّ ما بالطبيعةِ في المساحاتِ الداخليَّة، وكسر حواجزِ «الباطون» حولنا. وتبرزُ ضمن المجموعةِ مجسَّماتٌ زجاجيَّةٌ على هيئةِ الفطرِ، واليقطينِ، والرمَّانِ، والكرز ملوَّنةٌ بألوانِ الباستيل. أيضاً، هناك مجموعةُ «العروس» التي ستبصرُ النورَ قريباً، وستتضمَّنُ مزهرياتٍ مختلفةً كبيرةَ الحجمِ لتزيين الممرَّاتِ التي تدخلُ منها العروسُ إلى قاعةِ الزفاف. إضافةً إلى مجموعةِ «مشكاة» التي تضمُّ حواملَ الشموعِ، ومجموعة «ماليبو» التي تحملُ إبريقاً للعصيرِ، وأكواباً متعلِّقةً بشهر رمضان.
"عوضاً عن رمي الزجاجِ، أو طمره، نجمعُ كمياتٍ كبيرةً منه، ونحوِّلها إلى إكسسواراتٍ منزليَّة"
ميسم حنوف
قطعٌ من حبل الجوت قابلةٌ للتحلُّل وإعادة التدوير
نورا وغيدا قواص شقيقتَان، درستَا الهندسةَ الداخليَّة، واليوم تصنعَان عبر شركتهما الناشئة Home Ropes اكسسوارات منزلية من حبلِ الجوت. وعن الخامةِ، تذكرُ غيدا، المولعةُ بالفنِّ، أنها «جاءت نتيجة البحثِ، فقد كنا مدفوعتَين بإنتاجِ ما قد يفيدُ الإنسانَ، ويزيِّنُ في الوقتِ نفسه منزله». وتُعقِّب نورا: «لبنان كان من أوائلِ البلدانِ في صنعِ السلال، التي تمثِّلُ جزءاً من حضارتنا، لذا ركَّزنا في رحلةِ البحثِ على إيجادِ خامةٍ عصريَّةٍ مشابهةٍ للقصبِ والقشِّ لصنع قطعِ أثاثٍ وإكسسواراتٍ مميَّزةٍ، تدمجُ بين التراثِ والحضارة، وكانت خامةُ حبل الجوت المرشَّحةَ الأولى بسبب تقاربها لناحيتَي اللونِ والشكلِ من الخامةِ المستخدمةِ في صنعِ السلال قديماً، إضافةً إلى تماشي حبل الجوت مع أنماطِ الديكور الداخلي المختلفة». وتضيفُ: «أنا وشقيقتي أوَّلُ مَن يوظِّفُ هذه الخامةَ في صنعِ الإكسسواراتِ والأثاث في لبنان، وتحديداً أواخر عام 2020».
نبات الجوت الاستوائي
وحسبَ غيدا، الجوت نباتٌ، يُزرعُ في المناطقِ الاستوائيَّةِ للحصولِ على أليافٍ طويلةٍ، والخامةُ قابلةٌ للتحلُّلِ وإعادةِ التدوير، إلى جانبِ المتعةِ بمميِّزاتٍ كثيرةٍ مثل بريقِ اللون، ونعومةِ الملمس على الرغم من الصلابةِ، لذا تعدُّ القطعُ المصنوعةُ من هذا الحبلِ استثماراً لكل الذين يقتنونها، فالقطعُ مهما كانت وظيفتها، ستبقى محافظةً على قوامها على الدوامِ، وقد تتوارثُ عبر الأجيال.
وعن الإسهامِ في الحفاظِ على البيئة، تقولُ نورا: «اختيارُ الجوت في تصاميمنا، يتَّفقُ مع السعي إلى الحفاظِ على البيئة، إلى جانبِ الموادِّ التي تُستخدمُ في التغليف، فهذه الأخيرةُ صديقةٌ للبيئة بدورها».
وبدأت المصمِّمتان في صنع قطعٍ صغيرةٍ وسلالٍ، وبعد مرورٍ أعوامٍ، أصبحتا قادرتَين على تولي مشروعاتِ تصميمٍ داخلي، من الأسقفِ إلى الأثاثِ، باستخدامِ حبل الجوت، بالتوازي مع الابتكارِ عبر دمجِ الخامةِ المذكورةِ بالخشبِ والحديد، وإمكانيةِ تخصيصِ كلّ قطعةٍ، والانفتاحِ على الجديدِ والمميَّزِ في المجال.
وبمناسبةِ حلولِ رمضان، أطلقت نورا وغيدا مجموعةً من الأواني، خاصَّةً أن الشهرَ الكريمَ، يجمعُ أفرادَ العائلةِ معاً على الموائدِ في الوقتِ نفسه.
"كنا سبَّاقتَين في لبنان في توظيفِ مادةِ حبلِ الجوت النباتيَّةِ في صنعِ الإكسسواراتِ والأثاث"
نورا وغيدا قواص
المصمِّم الفرنسي أرنو ديفين: الابتكارُ التكنولوجي والبيئة لا يتعارضان
- Fold Lamp، مصباح من الفولاذ، منفذ باتباع عمليات تصنيع بسيطة: الطي والدوران
- أرنو ديفين
- Basic ،Chair تصميم من خشب البلوط المبيض مجمّع بغراء السمك، يعبر عن التقاليد الحرفية، مع احترام البيئة
- Tube Chair، كرسي من الفولاذ، مصنوع ومجمع في مكان واحد، للتقليل من البصمة الكربونية، ومطلي بصورة توفر حلاً مستداماً وصديقاً للبيئة
كان لأرنو ديفين Arnaud Desvignes، المصمِّمُ المولودُ في مدينةِ نانسي، شرقَ فرنسا، تجاربُ في مجالِ هندسةِ العمارةِ الداخليَّة، قبل أن يركِّزَ في الوقت الراهن على تصميمِ المنتجاتِ، وهي مهنةٌ، تتيحُ له الجمعَ بين الفنِّ والتقنيَّةِ، وهما عنصران لا ينفصلان، حسبَ تعبيره.
المصمِّمُ، الذي درسَ الفنونَ، لطالما كان شغوفاً بالرسمِ، إذ يصفه بـ «الملاذ، فهو يمنحني القدرةَ على ترجمةِ الواقعِ على الورقِ، وإضافةَ شيءٍ من النعومةِ إلى حياتي عند الحاجةِ، وتجميدَ اللحظاتِ التي يستحقُّ فيها الوقتُ أن يتوقَّف. تسمحُ لي هذه الممارسةُ بتنظيمِ أفكاري، وتبسيطِ الأمور».
الروبوتات والذكاء الاصطناعي
يستلهمُ ديفين من التقنياتِ الجديدةِ، والروبوتاتِ، والذكاء الاصطناعي، والجديدِ في مجالِ استكشافِ الفضاءِ. يقولُ: «لستُ مقتنعاً بأن الطريقَ الذي تسلكه البشريَّةُ راهناً، هو الصحيحُ، لكنْ الابتكارُ التكنولوجي، والبيئة، ليسا متعارضين. على العكسِ من ذلك، يمكنُ أن يُكمل كلٌّ منهما الآخر».
لماذا وكيف؟
تصاميمُ ديفين «صديقةٌ للبيئة»، وفي هذا الإطارِ، يشرحُ المصمِّمُ: «سؤالٌ لطالما راودني في الماضي حول إذا ما كان من الأفضلِ وضعُ حدٍّ للإنتاجِ كما أعرفه، ولمهنتي، إذ تمتلئ الأرضُ بعددٍ لا يحصى من الكراسي والمزهريات والمصابيح، فلماذا إذاً نصمِّمُ قطعَ أثاثٍ جديدة؟». ويتابعُ: «لماذا، وكيف؟ هما أوَّلُ ما أفكِّر فيه عندما أرسمُ، فقد مررتُ بعديدٍ من مراحلِ التشكيكِ في مهنتي، وتبادلِ الأفكارِ مع أصدقائي وأحبَّائي، وتركتُ وكالاتِ تصميمٍ عدة لا تتوافقُ أخلاقياتها مع أخلاقياتي، وأخذتُ استراحةً لمدة عامٍ للسفرِ والرسمِ والتأمُّلِ في كل شيءٍ. اليوم، أخرجُ من هذه الفترة أقوى، ومع قناعاتٍ راسخةٍ، وحريَّةٍ فكريَّةٍ أكبر».
ويضيفُ ديفين: «يقضي دوري التصميمي بالاستمرارِ في الإبداعِ، لأن الإبداعَ، يُعرِّفنا نحن البشر، لكنْ من الضروري أيضاً القيامُ بذلك بشكلٍ مدروسٍ. صحيحٌ أنه لا يمكنُ وقف الاستهلاكِ والإنتاجِ بين عشيةٍ وضحاها، لكن على المقلبِ الآخرِ، يستطيعُ المصمِّمون التأثيرَ في الشركاتِ، وعاداتِ المستهلكين». وعليه، يعوِّلُ المصمِّمُ كثيراً على أخلاقياتِ أي شركةٍ يعملُ معها، ويوضحُ أنه عندما يصمِّمُ أي منتجٍ، يضعُ في حسبانه دائماً أنه بعد أعوامٍ من استخدامه، لن يبقى منه إلا فائدته والروابطُ التي شكَّلها مع المستهلك.
ويرى ديفين، أن «المنفعة لن تخضع أبداً لأهواءِ الموضةِ، أو الاتجاهاتِ السائدةِ، لذا فإنَّ تصميمَ قطعِ أثاث بسيطةٍ وقويةٍ ومتينةٍ في آنٍ واحدٍ أوَّلُ أدواتِ الإبداعِ». لكنْ ما تقدَّم لا يخلو من صعوبةٍ، خاصَّةً أن بعض العملياتِ خلال الإنتاجِ تطولُ، وتكونُ مكلفةً، وتتطلَّبُ التزاماً حقيقياً، وقناعاتٍ قويةً. هناك أيضاً بعض وكالاتِ التصميمِ، ومهندسي العمارةِ الذين تسمح لهم شهرتهم بأن يكونَ لهم تأثيرٌ كبيرٌ في تغيير العقلياتِ بيد أنهم يركِّزون على أن تكونَ لأعمالهم الأسبقيَّةُ دون أخذِ البيئةِ في اعتبارهم، وهو أمرٌ مؤسفٌ.
التأثير البيئي
تسمحُ خبرةُ ديفين في مجالَي هندسةِ العمارةِ الداخليَّةِ وتصميمِ الأثاثِ والمنتجاتِ له بالفهمِ العميقِ لعملياتِ التصنيع، سواءً كانت حرفيَّةً، أو صناعيَّةً، أو متعلِّقةً بالعملِ بالزجاجِ، أو المعدنِ، أو الخشبِ، أو الحجر. هو يدركُ تماماً التأثيرَ البيئي الكامنَ في كلّ مرحلةٍ من مراحل تحوُّل أي مادةٍ، بدءاً بالاستخراجِ، وحتى التشكيل.
وبدلاً من السعي إلى تعديلِ الخصائصِ الجوهريَّةِ للموادِّ، يسعى المصمِّمُ جاهداً إلى تحسينِ استخدامها في إبداعاته. في هذا الإطارِ، يفضِّلُ ديفين أي قطعةٍ من الأثاثِ، أو منتجاً مصنوعاً من مادةٍ واحدةٍ، كما يُشجِّعُ على إعادةِ التدوير، ويُقلِّل من البصمةِ الكربونيَّةِ المرتبطةِ بالنقل. ويدفعه هذا النهجُ إلى التفكيرِ في طرقِ التجميع والتثبيت مُقدَّماً، مع إعطاءِ الأولويَّةِ لسهولةِ التفكيكِ من أجل إعادةِ تدويرٍ مثلى.
وفيما يتعلَّقُ بالألوانِ، يقول: «الاتجاهاتُ المتعلِّقةُ سريعةُ الزوالِ، لذا أؤيِّدُ اتباعَ نهجٍ، يرتبطُ فيه اللونُ ارتباطاً وثيقاً بالمادةِ نفسها، مع احترامِ طبيعتها. مثلاً، يثيرُ المعدنُ البرودةَ والحياد، بينما يوفِّرُ الخشبُ الدفء الطبيعي، ومجموعةً لا حصرَ لها من الظلال. كلّ مادةٍ لها خصائصها، وأسعى جاهداً لعرضها في إبداعاتي».
"المصمِّمون قادرون على التأثير في الشركات وعادات المستهلكين"
أرنو ديفين