الفنانة التشكيلية كرستين صافتلي: أركز على التفاعل المعقّد بين البشر

الفنانة التشكيلية كرستين صافتلي
الفنانة التشكيلية كرستين صافتلي

ولدت الفنانة التشكيلية اللبنانية كرستين صافتلي عام 1992 في المنية (شمال لبنان)، حصلت على درجة الماجستير في الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية في العام 2018 حيث تخصّصت في الرسم والتصوير التشكيلي والنحت.
شغلت منصب زميلة في "برنامج فضاء أشغال داخلية" للعام 2019-2020 الذي تنظّمه الجمعية اللبنانية للفنون التشكيلية (أشكال ألوان)، عُرِضت أعمالها في "مركز بيروت للفن"، "آرت ديزاين لبنان" وفي الدورة الثانية عشرة من "بينالي برلين".

 

إعداد: عفت شهاب الدين


لتسليط الضوء حول معرضها الأخير بعنوان "الحياة ما بعد الذات" أجرت "سيدتي" حواراً معها تناولت فيه عدة أمور ومواضيع، بالإضافة إلى الرسالة التي تريد إيصالها من خلال الرسم.

الحياة ما بعد الذات

من أعمال الفنانة كرستين صافتلي

 

أقامت "آرت ديزاين لبنان" المنصة الرقمية الابتكارية والغاليري غير الربحية المعروفة بإقامة معارض فنيّة في مساحات غير تقليدية معرضي الفردي الذي ضمّ 31 لوحة ورسمة إلى جانب عملَين نحتيين جديدين، موضوعات فلسفيّة مرتبطة بمفهوم "ما بعد الإنسانية"؛ كرستين قالت لـ"سيدتي": في أعمالي أستخدم مواد متنوّعة من ضمنها الأكريليك والزيت والپاستيل والفحم لأنتج أعمالاً تسعى إلى تحدّي معتقدنا المضلّل بالمركزية الإنسانية من خلال تسليط الضوء على التفاعل الإشكالي، والمعقّد بين البشر وغيرهم من الكائنات الواعية التي غالباً ما يتم عزلها وتجاهلها باعتبارها كيانات تفتقر إلى أي شكل من أشكال الذكاء.

"الحياة ما بعد الذات" عنوان اخترته لكسر "الأنا" ولكسر أننا وحدنا لا نرى ما يحيط بنا، وحتى نفكر أبعد من المحيط؛ أي أنا والمحيط وجميع القضايا التي أعمل عليها منذ حوالي السنة هو مفهوم ما بعد الإنسانية، لذلك اخترت هذا العنوان "الحياة ما بعد الذات".
كإنسانة أواجه مشاكل جرّاء ما نعيشه اليوم من حروب وصراعات ومشاكل اقتصادية وبيئية... مواجهة المشاكل بشكل يومي تدخل ضمن الأمور التي من المهم التحدّث عنها لإيجاد الحلول، أعيش هذه المشاكل الحياتية اليومية، وقد جرّبت من خلال أنني فنانة رسم التواصل مع الآخر حتى نتناقش لإيجاد حلول من خلال الفن الذي أقوم به رغم تعدّد وسائله، أي أنني اخترت وسيلة الرسم والمواد التي تتحوّل إلى منحوتة للتعبير عن الواقع الذي نعيشه".
حول ما يمّيزها عن غيرها من الفنانين التشكيليين والرسالة التي تريد إيصالها من خلال الفن، تشير كرستين من خلال هذا الحوار إلى أنها تتميّز بالرسومات والمادة التي تستخدمها وبتناولها لمواضيع ومشاكل تواجهها الشعوب يومياً في الحياة، تعتمد لغة التخاطب لإيجاد حلول للمشاكل التي نعيشها؛ مثل القضايا البيئية والتلوّث والتكنولوجيا السائدة بشتى الطرق المختلفة، وكيفية استخدامها بطريقة تخدم الإنسان.

لوحة من معرض "الحياة ما بعد الذات" لكرستين صافتلي


من المهم متابعة فتح باب التسجيل للمشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024

النظم البيئية المتداخلة

لوحة معبّرة للفنانة كرستين صافتلي


تأثّرت كرستين بالعديد من الرسّامين والنحاتين بالإضافة إلى التجارب التي خاضتها، كل هذه الأمور جعلت منها فنانة تبحث عن العديد من الأجوبة من خلال الرسم والمواضيع العلمية التي تتناول وظائف، ودور أعضاء الجسم وسبل تفاعلها مع بعضها.
وتضيف قائلة:
"التجارب أثّرت بي كثيراً من خلال الأبحاث التي أوصلتني إلى أجوبة، أقرأ يومياً أبحاثاً ودراسات علمية تتعلّق بأعضاء الجسم وكيفية تفاعلها مع بعضها، ومن ثم ألجأ إلى الرسم لإيصال رسالتي من خلال اللوحات.
أطوّر أعمالي على أنواع مختلفة من الأسطح؛ مثل الورق والقماش، ولكن أيضاً على مواد مكتشفة؛ مثل أغطية الطاولات البلاستيكية أو أغطية الأسِرّة المتصدّئة، أسعى إلى إلقاء الضوء على النظم البيئية المتداخلة التي غالباً ما يستملكها البشر، سواء كانت بيولوجية أو تكنولوجية، يستجوب مفهوم "ما بعد الإنسانية" فكرة الانفصال بين الذات الإنسانية وبيئتها، ساعياً إلى سدّ الفجوة الذهنيّة بين "نحن" و"هم".
تتجلّى موهبتي وجرأتي المدهشة في معالجة المواضيع المعقّدة، بالإضافة إلى تقنيّاتي الفنية الجريئة التي غالباً ما تشمل استخدامات غير متوقّعة للمواد اليومية كالسكر والملح والصدى والفحم والباستيل، بالإضافة إلى المواد الزيتية والأكريليك والسبراي والرصاص... من هنا أقول إن الفن في جوهره يهدف إلى سبر غور السجالات الفلسفية، وعملي في معرض "الحياة ما بعد الذات" جسّد هذا المفهوم بشكل جميل وبهيّ".

 

لوحة "شجرة الليمون" للفنانة كرستين صافتلي


قدّم معرض "الحياة ما بعد الذات" 4 مجموعات فنية هي "شجرة الليمون"، "وقت الحَصاد"، "غابة عذراء عند غروب الشمس" و"إبحار"، أستحضر فيها الاصطناعي والسامّ وأربطهما بالصور الأليفة والشاعرية للطبيعة البكر، على سبيل المثال قدّمت في مجموعة "شجرة الليمون" رسوماً تستخدم وبأسلوب مازح ومَرِح، مادتَي الأكريليك والفحم على أغطية طاولات بلاستيكية نرى عليها عناصر بصريّة متكرّرة لنبات الليمون، يتناقض الليمون بوصفه رمزاً حيّا للزراعة والطبخ في لبنان ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، مع التأليفات المشؤومة للجسد والبنى التحتية التي أقوم باستدعائها بطريقة نظاميّة ومنهجيّة.
في "الأنواع الواعية" أدمج بين التصوير والتجريد على مادة الورق لأظهر الترابط والتبادليّة الموجودة بين جميع الكائنات الواعية، مع تحويل التركيز بعيداً من البشر كنقطة مرجعية مركزية.
أخيراً، تهدف سلسلة "الاستعزاز البشري"، إلى جانب المنحوتتين اللتين تحملان عنوان "آلة أنثروبولوجية"، والمؤلّفة من الأسلاك والنسيج والمسامير ولوحات الدوائر وغيرها من مكوّنات البنى التحتية، على استجواب النّمو التكنولوجي للبشر والتداعيات الناشئة عنه.
في هذه الأعمال أتأمّل في علاقة الإنسانية بالآخر الباطن والظاهر، مخاطبة قضايا؛ مثل الحرب وانهيار البنى التحتية والسّميّة البيئية، ينظر المعرض إلى البشر، وعلى الرغم من عدم تماثلهم، على أنهم نوع معرقل ومعطّل بين أنواع أخرى كثيرة، يسعى المعرض إلى إظهار رغبة الزائرين في التمرّد ضد الرغبة في السيطرة على الطبيعة، وإلى تصوّر جماعي لشكل من أشكال الحياة الذي يتجاوز الذات الفردية المقيّدة والمكبوحة".
تختم كرستين حديثها بأنها تبحث وتقرأ كثيراً، وتتابع الأعمال الفنية بشكل مستمر للمزيد من التعرّف إلى الأمور الحياتية والتقرّب منها، وإيجاد الحلول لجميع المشاكل مهما كان نوعها.