يُصيب مرض الانتباذ البطاني الرحمي أو ما يعرف ببطانة الرحم المهاجرة، واحدة من كل 10 نساء حول العالم في عمر الإنجاب بين سن البلوغ و 50 عامًا، حيث تنعكس التأثيرات السلبية لهذا المرض المزمن الذي يوصف بالمرض الصامت في كثير من الحالات، على نوعية الحياة وإضعاف الخصوبة وتأخر الإنجاب، فيما يساعد التشخيص المبكر للمرض على الحد من انتشاره ومضاعفاته، وفي دولة الإمارات يصيب نحو 10% من السيدات، مما يهدد قدرتهن على الإنجاب واحتمالية الإصابة بالعقم مستقبلاً بسبب الإصابة بمرض الانتباذ الرحمي. البروفيسور هوريس رومان استشاري جراحة بطانة الرحم، من مستشفى برجيل الطبي بأبوظبي، يشرح للسيدات تفاصيل مهمة عن "بطانة الرحم المهاجرة".
أعراض مؤلمة تؤثر على وظائف الكلى
يعرّف البروفيسور هوريس المرض بأنه مزمن يكون مصحوباً بألم شديد يؤثر في الحياة أثناء فترات الدورة الشهرية وأثناء العلاقة الزوجية، والتبول، ويسبب آلاماً مزمنة بالحوض، وانتفاخ البطن، والغثيان، والتعب، وأحياناً الاكتئاب، والقلق، والعقم، فيما يعتبر العرَض الأساسي لبطانة الرحم المهاجرة ألم الحوض ويكون مرتبطًا في معظم الأوقات بفترات الحيض، على الرغم من أن العديد من النساء يشعرن بتقلصات مؤلمة أثناء فترات الحيض ونزيف مفرط، حيث تصف المصابات بمرض بطانة الرحم المهاجرة أن آلام الحيض تكون أسوأ بكثير من المعتاد، كذلك قد يتفاقم الألم بمرور الوقت، وقد تشعر المريضة بآلام أسفل الظهر وفي المعدة أيضًا، والشعور بالألم عند ممارسة العلاقة الزوجية وأثناء التبرز أو التبول.
يتابع البروفسور هوريس: "إن أمراض بطانة الرحم المتقدمة، قد تصيب الأعضاء المجاورة للرحم مثل المستقيم أو الحالب أو المثانة، والأعضاء البعيدة عن الرحم مثل الحجاب الحاجز، كما تؤثر على وظائف الكلى و قد تصل خطورة تمدد أنسجة المرض لفقدان وظائف الكلية أو أجزاء من الأمعاء، لذلك، يجب على المرأة الاستماع إلى لغة جسدها لأن الأعراض غير المعتادة أو الألم الشديد أثناء فترات الحيض قد تكون العلامة الأولى لمرض انتباذ بطانة الرحم، وأنا أؤكد أنه يجب على النساء ألا يشعرن بالخجل أو يتجاهلن الأعراض، وعليهن استشارة الطبيب المختص في أسرع وقت ممكن، حيث أن بعض المصابات ببطانة الرحم المهاجرة لا تظهر عليهن أي أعراض، ويكتشف المرض صدفة عندما لا يتمكنَّ من الحمل أو بعد خضوعهن لجراحة من أجل سبب آخر، وهنا يكون المرض صامتاً، ولا بد الإشارة إلى أن الطبيب المتخصص ذي الخبرة الكبيرة في هذا المجال يعتبر الاختيار الصحيح لتجنب التشخيص الخاطئ والحصول على الخطة العلاجية المناسبة بحسب كل حالة، كما تعتبر أشعة الرنين المغناطيسي الوسيلة الأدق في تشخيص المرض".
قصة سارة مع معالجة الانتباذ البطاني
قصص كثيرة تخفي وراءها الألم والأمل لمن عانين من هذا المرض الصامت، كقصة سارة وهي شابة ثلاثينية عانت من مرض بطانة الرحم المهاجرة لسنوات، مرت خلالها بالألم والتشخيص الخاطئ وفقدت آمالها في الحمل، كما فقدت جزءاً من أمعائها وتضررت بعض الأعضاء المجاورة للرحم، إلى أن أجرت جراحة روبوتية استأصلت الأنسجة المتمددة ما غير حياتها ومنحها أملاً جديداً في تحقيق حلم الأمومة، يتابع د. هوريس: "كانت قد بدأت معاناة المريضة قبل وقت طويل يمتد لأكثر من عشرين عاماً منذ أن تم تشخيص حالتها خلال سنوات مراهقتها، حيث عانت من آلام شديدة في البطن وتعب وتقلبات مزاجية أثناء الدورة الشهرية، و بعد أن تزوجت قبل سبع سنوات، واجهت ألمًا إضافيًا لعدم قدرتها على الحمل، وقد حدث كل ذلك بينما كانت تصارع أعراض مرض بطانة الرحم المهاجرة أو الانتباذ البطاني الرحمي، وبسبب الألم المستمر، انقطعت المريضة عن عملها لمدة من الزمن، وحتى عن الأنشطة التي كانت تحبها مثل السباحة ، وبعد سنوات من التشخيص الخاطئ والعلاجات غير الفعالة، وجدت سارة أملًا جديدًا عندما تواصلت عن بُعد معي، حيث أعمل في مستشفى برجيل بأبوظبي، و تم تشخيص إصابة سارة بمرض بطانة الرحم المهاجرة في المرحلة الرابعة المتقدمة من المرض، و سافرت عقبها إلى أبوظبي للحصول على العلاج".
ماذا تقول سارة؟
وصفت حالة المريضة سارة بالخطيرة بسبب تأثيرات المرض الذي أثر سلباً على أعضاء متعددة ومجاورة للرحم، حيث أثر الالتهاب الشديد لبطانة الرحم على المستقيم والقولون مما تسبب في انسداد جزئي لهما، كما أصاب المبيضين وقناتي فالوب والسرة، مما أدى إلى حدوث مشكلة صحية في الحوض، فيما قام الفريق الطبي الجراحي متعدد التخصصات بوضع خطة علاجية شاملة مصممة لإزالة أنسجة بطانة الرحم المتمددة التي أثرت على أعضاء المريضة، وبمساعدة الروبوت دافنشي وICG المنظار، نجح فريق الجراحة بعمل إجراء جراحي دقيق لمعالجة التهاب بطانة الرحم الحاد الذي تعاني منه سارة واستئصال الأنسجة الرحمية المتمددة للقولون والمستقيم، وقد استغرقت الجراحة أربع ساعات ونصف، أجروا خلالها عملية استئصال الأنسجة الملاصقة بالقولون والمستقيم عبر نهج جراحي قليل التوغل، إلى جانب استئصال جزء من الأمعاء و مواقع متعددة مرتبطة بالمرض، مع مراعاة الإجراء الجراحي الدقيق بالمنظار للقولون والمستقيم لتجنب حدوث مضاعفات. تقول سارة لـ "سيدتي":" بحسب ما أخبرني به الطبيب سأعيش الأن حياة طبيعية واحتمالية الحمل بشكل طبيعي ستزداد بنسبة أكبر، أشعر أن رحلتي مع هذا المرض ستسلط الضوء على تحديات التعايش مع مرض انتباذ بطانة الرحم، وأهمية البحث عن رعاية متخصصة، أود أن أنصح جميع أولئك اللواتي يعانين من التهاب بطانة الرحم ألا يستسلمن للمرض ويقضوا بقية حياتهم في معاناة وصراع مع الألم".
وتضيف:" لقد كان زوجي بمثابة السند ومصدر القوة لي في السنوات القليلة الماضية لقد شعر بألمي، وأمسك بيدي، و غاب عن العمل لرعايتي خلال أيامي المؤلمة، اليوم مع الأمل الجديد ودعم زوجي والفريق الطبي، أتطلع إلى المستقبل بتفاؤل، وأحلم بحياة خالية من الألم وتحقيق حلم الأمومة، والآن بعد أن خضعت لعملية جراحية ناجحة بفضل من الله، آمل أن أعيش حياة طبيعية دون ألم، والأهم من ذلك كله، أن أكون أمًا إن شاء الله، وأقول لكل سيدة تشعر بأعراض مؤلمة وغير طبيعية، أنه يجب عليها عدم الانتظار والتوجه للطبيب المتخصص للحصول على استشارته، ومعالجة الأمر قبل أن تكون عواقبه وخيمة".
قصة تيريزا مع مرض بطانة الرحم المهاجرة
قصة أخرى لناجية من مرض بطانة الرحم المهاجرة، اسمها تيريزا البالغة من العمر 33 عاماً عانت من مرض بطانة الرحم المهاجرة المزمن لعدة سنوات، حيث تسببت هذه الحالة المرضية في إحداث ضرر لها في جزء من امعائها وأثر على كليتها اليسرى ما أدى لفقدها، وعندما تم تشخيص إصابة المريضة بمرض بطانة الرحم المهاجرة قبل 6 سنوات، لم تكن لديها المعلومات الصحية الكافية عن المرض والتأثيرات الخطيرة التي قد يُحدثها هذا المرض المنهك لجسدها، في عام 2017 تم تشخيص إصابة المريضة بكيس صغير الحجم على مبيضها الأيسر وخضعت لعملية جراحية لإستئصاله. تقول تيريزا لـ "سيدتي":" بعد الجراحة، لم أقم بإجراء أي فحوصات طبية للمتابعة، و بعد عامين بدأت أعاني من آلام شديدة في الظهر، خاصة أثناء الدورة الشهرية، وسرعان ما بدأت أعاني خلال الدورة الشهرية من الشعور بآلام شديدة وتعب مصحوب بانتفاخ في المعدة وغثيان وقيء، وعندما قدِمتُ إلى مدينة برجيل الطبية باحثةً عن العلاج كانت حالتي متأخرة وكان مرض التهاب بطانة الرحم قد أثر بشدة على حالتي الصحية".
بمناسبة شهر التوعية بمرض ببطانة الرحم المهاجرة .. وما هي علاجاته المنزلية؟
آثار مرض بطانة الرحم المهاجرة على المريضة
اكتشف أخصائي جراحات أمراض النساء المتخصص في مناظير بطانة الرحم وإصلاح قاع الحوض، أن حالة تيريزا تطورت إلى حد وصل إلى فقدان إحدى كليتيها وجزء من أمعائها، حيث أن التشخيص المتأخر سمح لمرض بطانة الرحم في المبيض بالتقدم والانتشار السريع، مما أدى إلى عواقب غيرت حياة المريضة، حيث كشف التصوير بالرنين المغناطيسي، تأثر الرحم والمبيضين، كما أثر التهاب بطانة الرحم الشديد على كليتها اليسرى وأجزاء متعددة من الأمعاء، فلم يكن هناك خيار آخر سوى إزالة كليتها اليسرى وبعض أجزاء من أمعائها، ما يؤكد هنا على أهمية التشخيص المبكر فبسبب تجاهل المشكلة لسنوات، وصلت المريضة لهذه المرحلة المتأخرة.
الجراحة حل جذري
تم إجراء العملية التي استغرقت 6 ساعات بالمنظار بالكامل (مع شقوق جلدية صغيرة فقط) بواسطة عدة جراحين من تخصصات متعددة شملت الجهاز الهضمي والنسائية والمسالك البولية، الذين قاموا بإزالة الالتصاقات لفتح كافة الفراغات الموجودة في الحوض وفصل الأمعاء والمثانة عن أنسجة المريضة واستئصال بطانة الرحم من عدة أماكن في الحوض وإزالة قناة فالوب والمبيض الأيسر لأنهما تأثرا تماماً بالمرض، وإزالة الكلية اليسرى المتضررة والحالب المتوسع للمريضة، فإذا بقيت الكلية موجوده فإنها ستكون فقط مصدراً للألم ولحدوث الالتهابات لذلك تم استئصالها، كما اضطر الفريق الطبي لإزالة أجزاء من المستقيم والزائدة الدودية والأعور والأمعاء الدقيقة، وتم الحفاظ على قولون المريضة سليماُ".
و وفقًا للأطباء ومع الحفاظ على رحم ومبايض المريضة، ورغم تأثير مرض بطانة الرحم على الخصوبة سابقاً، فإنه يمكن لها التخطيط لإنجاب أطفال في المستقبل، وبينما تواصل المريضة رحلة التعافي، تشعر بالسعادة لأنها وجدت الراحة من الألم. ومن خلال مشاركة قصتها، تأمل أن يتم تشجيع النساء الأخريات على طلب المساعدة على الفور. وقالت تيريزا:" أشعر أنني بحالة جيدة صحياً بعد الجراحة، وينصح الطبيب بإجراء فحوصات شهرية كل 6 أشهر، لذلك نصحني طبيبي بإجراء فحص بالموجات فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي سنويًا للتحقق من أن أموري الصحية مستقرة، لذلك أنصح النساء الأخريات بعدم الانتظار والتوجه للطبيب والحصول على التشخيص المبكر للدورة الشهرية المؤلمة، حيث يساهم الحصول على العلاج في الوقت المناسب بتجنب المضاعفات".
ما تأثير حبوب منع الحمل على علاج بطانة الرحم المهاجرة؟
يوضح البروفيسور رومان، أن هناك أسباباً متعددة قد تساهم في حدوث المرض، وهي: عوامل وراثية وبيئية، كأن تعاني أكثر من سيدة في نفس العائلة من هذا المرض، ومشاكل في الهرمونات أو العوامل المناعية التي قد تساعد على تحويل الخلايا المبطنة للجانب الداخلي من البطن.
فيما تعتبر إدارة أعراض المرض وخطر تكراره بالأدوية مثل حبوب منع الحمل إحدى الطرق الرئيسية لعلاج النساء المصابات بهذا المرض، وقد تكون هناك حاجة لعملية جراحية في حالات مختارة وهي فعالة للغاية لعلاج الألم والعقم وتعتبر بداية الثلاثينيات هي المرحلة العمرية المناسبة لإجراء الجراحات لهذا المرض.
وتشير بعض الدراسات إلى أن التهاب بطانة الرحم المهاجرة يزيد خطر الإصابة بسرطان المِبيَض، لكن الخطر العُمْري العام للإصابة بسرطان المِبيَض يكون منخفضًا في بادئ الأمر. ويظل منخفضًا إلى حد ما لدى النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة. لكن رغم ندرته، فإن هناك نوعًا آخر من السرطان وهو السرطان الغُّدي المرتبط ببطانة الرحم المهاجرة الذي يمكن أن يحدث في وقت لاحق من العمر لدى النساء المصابات ببطانة الرحم المهاجرة.
*ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.