اكتسبت الصحة النفسية في السنوات الأخيرة أهمية بالغة على مستوى العالم. وبغض النظر عن الحالة المالية أو الموقع الجغرافي للفرد؛ أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الحاجة إلى طلب المساعدة من طبيب نفسي أو خبير في الصحة النفسية أمر بالغ الأهمية.
ولقد بات الطب النفسي العصبي تخصصاً طبياً تكاملياً يجمع بين عناصر الطب النفسي وعلم الأعصاب وعلم النفس العصبي مع التركيز على العلاقة بين الدماغ والسلوك. في حين تعتبر الوقاية من الأمراض النفسية أمراً بالغ الأهمية، بقدر أهمية العلاج.
ما الطب النفسي العصبي؟
يُعرَّف الطب النفسي العصبي وفقاً للجمعية الدولية للطب النفسي العصبي بأنه مجال من الطب العلمي الذي يهتم بالعلاقة المعقدة بين السلوك البشري ووظائف الدماغ، ويسعى إلى فهم السلوك غير الطبيعي والاضطرابات السلوكية على أساس التفاعل بين العوامل العصبية والنفسية والاجتماعية.
وينظر متخصصو الطب النفسي العصبي إلى الدماغ باعتباره العضو الذي يخرج منه كل السلوك، وهدفهم الأساسي هو زيادة المعرفة وفهم العلاقات بين سلوك الدماغ وتوسيع التدخلات العلاجية.
ويقدم الطبيب النفسي العصبي؛ التقييم والعلاج للصعوبات العاطفية والسلوكية والمعرفية والإدراكية في سياق المرض العصبي. تشمل الحالات العصبية النفسية الاضطرابات المعرفية والأعراض النفسية مثل اضطرابات الحركة، واضطرابات النوبات، وإصابات الدماغ المؤلمة، والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المواد، والأمراض الدماغية الوعائية.
ويمكن للطبيب أيضاً المساعدة في تحديد السبب الكامن وراء الأعراض المثيرة للقلق من خلال استكمال التقييم العصبي النفسي. ويمكن أن يشمل ذلك إجراء فحوصات عصبية، ودراسة الوظائف الحركية للمريض، والتنسيق، وردود الفعل، والأعصاب القحفية وغيرها، بالإضافة إلى إجراء مقابلة مع المريض لتحديد حالته المعرفية.
أعراض تستدعي استشارة طبيب نفسي عصبي
تشمل الأعراض التي قد تدفع بالمريض إلى طلب تقييم نفسي عصبي:
- الاكتئاب.
- الهوس.
- التحديات المتعلقة بالتركيز والتعلم.
- الأرق أو اضطرابات النوم الأخرى.
- الصعوبات في التعامل مع الآخرين مثل المزاج والسلوكيات التي لا يمكن التنبؤ بها.
ويكمن المكوِّن الرئيسي للاضطراب العصبي النفسي في أن الأعراض تميل إلى التأثير في وظائف الدماغ والعاطفة والمزاج، ويمكن أن تتراوح الأسباب من القابلية الوراثية للإصابة بالمرض إلى الإصابات الدماغية، أو العدوى، أو الآثار الجانبية للأدوية، أو حتى العوامل البيئية.
الاضطرابات النفسية: ما العلاجات المتوافرة؟
بما إنه يوجد العديد من أسباب الاضطرابات النفسية العصبية؛ فقد تتنوع العلاجات التي قد يصفها الأطباء لهذه الحالات المختلفة، إذ تُعتبر الأدوية والاستشارة النفسية و/أو العلاج النفسي من العلاجات الشائعة، ويتم تحديد خطة العلاج المناسبة بناءً على السبب الدقيق والعارض السريري وشدَّة الاضطراب العصبي النفسي.
دور الطبيب النفسي العصبي في إحداث التأثير
بغض النظر عن طرق العلاج، يهدف الطبيب النفسي العصبي دائماً إلى مساعدة المرضى وعائلاتهم على فهم الآثار النفسية لاضطراباتهم والتعامل معها بشكل أفضل، من خلال علاج فعَّال وعالي الجودة.
رأي اختصاصية في علم النفس حول الدراسة
"سيِّدتي" التقت الاختصاصية في علم النفس فانيسا حداد، للوقوف على رأيها حول الموضوع الآنف الذكر، فقالت بداية:
"قد يكون من الضروري السعي للحصول على الدعم النفسي للجميع، بمن في ذلك الأشخاص في البلدان الغنية والأفراد المستقرون مالياً؛ حيث إن الصحة النفسية باتت جزءاً لا يتجزأ من الرفاهية العامة، كونها تؤثر في كيفية تفكير الأفراد وشعورهم وسلوكهم في حياتهم اليومية؛ ما جعلها مطلباً عالمياً".
ربما تودين الإطلاع على الصدمات النفسية: هل تنتقل عبر الـDNA، وكيف يمكن تجنبها؟ اختصاصية تجيب
وتتابع الإختصاصية فانيسا مشيرة إلى أنه، وعلى عكس الأمراض الجسدية التي يمكن تحديدها وعلاجها بسهولة، تظل المشكلات النفسية غالباً مخفية؛ ما يؤدي إلى عواقب وخيمة إذا تُركت دون علاج. ولعل أبرز الأسباب التي تجعل السعي إلى طبيب نفسي أمراً ضرورياً للجميع، هي:
- انتشار الاضطرابات النفسية: فالاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب، باتت منتشرة بين جميع الفئات السكانية. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، سيُصاب واحد من كل أربعة أشخاص باضطراب نفسي أو عصبي في مرحلة ما من حياتهم. تسلط هذه الإحصائية الضوء على الطبيعة الواسعة للمشكلات النفسية؛ ما يجعل من الضروري للجميع الحصول على الدعم النفسي.
- الرعاية الوقائية: تماماً كما يمكن للفحوص الطبية المنتظمة أن تمنع الأمراض الجسدية، يمكن للزيارات المنتظمة للطبيب النفسي أن تساعد في منع تفاقم المشكلات النفسية؛ فالتدخل المبكر يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل، ما يقلل من شدَّة ومدة المشكلات النفسية.
- إدارة الإجهاد: الحياة الحديثة مليئة بالمؤثرات المجهدة، من ضغوط العمل إلى العلاقات الشخصية. ويمكن للإجهاد المزمن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية خطيرة، بما في ذلك الاكتئاب والقلق، في حين الأطباء النفسيون يقدمون أدوات وإستراتيجيات قيمة لإدارة الإجهاد؛ ما يعزز حياة أكثر صحة وتوازناً.
- تحسين العلاقات: تؤثر الصحة النفسية بشكل مباشر في كيفية تفاعل الأفراد مع الآخرين. يمكن أن يؤدي السعي إلى الدعم النفسي إلى تحسين مهارات الاتصال والذكاء العاطفي وقدرات حل النزاعات؛ ما يؤدي إلى علاقات أكثر صحة وإرضاءً".
أصول الحاجة إلى الدعم النفسي
وتتابع الاختصاصية النفسية فانسيا حداد حديثها قائلة: "تنبع الحاجة إلى الدعم النفسي من عوامل متنوعة تتجاوز الحدود الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، مثل:
- العوامل البيولوجية: تلعب الجينات دوراً كبيراً في قابلية الفرد للإصابة بالاضطرابات النفسية. يمكن أن يزيد التاريخ العائلي من الأمراض النفسية من الخطر؛ ما يجعل من الضروري للأفراد الذين لديهم خلفية عائلية مثل هذه، السعي إلى الرعاية الوقائية والدعم.
- العوامل البيئية: يمكن أن يؤثر التعرُّض للأحداث الصادمة، مثل الإساءة أو الإهمال أو التغييرات الحياتية الكبيرة، بشكل كبير؛ في الصحة النفسية. يساعد الأطباء النفسيون الأفراد على معالجة هذه التجارب، ويقدمون آليات التأقلم والتدخلات العلاجية.
- الضغوط المجتمعية: يمكن أن تُسهم التوقعات والضغوط المجتمعية في المشكلات النفسية. يمكن أن يؤدي السعي لتحقيق النجاح والاستقرار المالي والمكانة الاجتماعية إلى الإجهاد المزمن والقلق. ويساعد الأطباء النفسيون الأفراد على مواجهة هذه الضغوط؛ ما يعزز منظوراً أكثر صحة تجاه أهداف الحياة والإنجازات.
- التطورات التكنولوجية: في حين جلبت التكنولوجيا فوائد عديدة؛ فإنها أدت أيضاً إلى زيادة العزلة والتنمر الإلكتروني والتدفق المستمر للمعلومات. يمكن أن تؤثر هذه العوامل بشكل سلبي في الصحة النفسية؛ ما يجعل من الضروري السعي إلى الدعم المهني لإدارة تأثيراتها".
التأثير في البلدان الغنية والأفراد المستقرين مالياً
وتشير الاختصاصية فانيسا إلى أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الثروة والاستقرار المالي يحميان الأفراد من المشكلات النفسية. ومع ذلك، فإن المشكلات النفسية منتشرة، وتؤثر في الأفراد من جميع الشرائح الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الآتي تشرح الأسباب التي توجِب الدعم النفسي في البلدان الغنية وللأفراد المستقرين مالياً:
- التوقعات والضغوط العالية: يواجه الأفراد الأغنياء غالباً توقعات وضغوط عالية للحفاظ على مكانتهم ونجاحهم. يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإجهاد المزمن والقلق والإرهاق. يساعد الأطباء النفسيون هؤلاء الأفراد في إدارة صحتهم النفسية، ويقدمون إستراتيجيات للتكيف وتقنيات لتخفيف الإجهاد.
- العزلة والوحدة: لا يضمن الاستقرار المالي الروابط الاجتماعية أو الإشباع العاطفي. يعاني العديد من الأفراد المستقرين مالياً من العزلة والوحدة؛ ما يمكن أن يُسهم في الاكتئاب والقلق. يوفر الدعم النفسي مساحة آمنة لاستكشاف هذه المشاعر وتطوير روابط اجتماعية أكثر صحة.
- الإدمان: قد يكون لدى الأفراد الأغنياء إدمان على الكثير من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر، فيلعب الأطباء النفسيون دوراً حاسمًا في تحديد ومعالجة هذه المشكلات، ويقدمون الدعم للتعافي طويل الأمد.
- مشكلات العائلة والعلاقات: يمكن أن يؤدي الاستقرار المالي أحيانًا إلى توتر العلاقات العائلية والشخصية؛ ما يؤدي إلى النزاعات والضيق العاطفي. يساعد الأطباء النفسيون الأفراد على مواجهة هذه التحديات، ويعززون علاقات أكثر صحة ورفاهية عاطفية.
وتختم الاختصاصية النفسية مؤكدة أن السعي إلى المساعدة من طبيب نفسي أو خبير في الصحة النفسية ليس علامة على الضعف، بل هو خطوة نحو حياة صحية.
* ملاحظة من "سيِّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.
* المصدر: St. George’s University/Grenada