أسطورة جسر التنهدات في فينيسيا وما يخفيه من أسرار

جسر التنهدات بفينيسيا
جسر التنهدات بفينيسيا يربط قصر دوجي بالأبراج المحصّنة لسجن محاكم بيومبي

يبدو اسم جسر التنهدات، بونتي دي سوسبيري Ponte dei Sospiri، اسماً غريباً غامضاً؛ فالجسر ما هو إلا ممر يربط بين مكانين؛ فهل يُعقل أن يتم بناء جسر لكي يتنهّد فقط الناس من فوقه؟ وما سر هذه التنهدات؟
الإجابة تجدينها ببساطة في مدينة فينيسيا، هذه المدينة الساحرة التي يطل علينا من خلالها مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. فما حكاية هذا الجسر، ولماذا يحوز هذه الشهرة العريضة في مدينة عائمة تكتظ بالجسور في كلّ مكان؟ تابعي السياق التالي لتعرفي!

مدينة الجسور والقنوات

فينيسيا مدينة الجسور والقنوات

بحسب موقع storymaps.arcgis.com، تشتهر البندقية بأنها مدينة القنوات، وبالتالي يوجد بها 472 جسراً تربط بين 126 جزيرة تشكّل المدينة. ومن المثير للدهشة، أنه لم يكن هناك جسور في المدينة خلال أول 500 عام من عمرها، وهناك أربعة جسور فقط تعبُر القناة الكبرى، تشمل:

  1. جسر أكاديميا Ponte dell'Accademia الخشبي بالقرب من Gallerie dell'Accademia.
  2. جسر سكالزي Ponte degli Scalzi بالقرب من محطة القطار.
  3. جسر كالاترافا Ponte di Calatrava a Venezia الحديث المعروف رسمياً باسم "Ponte della Costituzione" الذي تم افتتاحه في عام 2008.
  4. جسر ريالتو Ponte di Rialto أقدم الجسور وأشهرها جميعاً، الذي تم بناؤه في أواخر القرن السادس عشر.

على أن جسر التنهدات، بونتي دي سوسبيري Ponte dei Sospiri هو أحد أشهر وأهم الجسور بالمدينة.
ويمكنكِ التعرُّف أكثر إلى السياحة في فينيسيا: 10 إجابات على أسئلة الزائرين الشائعة

جسر للسجناء

جسر التنهدات بفينيسيا يربط قصر دوجي بالأبراج المحصّنة لسجن محاكم بيومبي

وفقاً لموقع veneziaautentica؛ فقد تم بناء جسر التنهدات وهو معروف أيضاً بجسر الحزانى، عام 1602 فوق قناة ريو بالازو؛ لربط الواجهة الشرقية لقصر دوجي بالأبراج المحصّنة في سجن محاكم التفتيش المخيف (المسمى بيومبي)، الذي أقامه أنطونيو دا بونتي، رئيس القسم في مكتب شرطة البندقية، الذي قام بتمويل البناء. وقد أقيم الجسر على الطراز الباروكي، صممه المهندس الفنان المعماري أنطونيو كونتينو، ويُعتبر هو الجسر المغطى الوحيد في فينيسيا؛ فهو منطقة مغلقة بالكامل؛ حيث النوافذ ضيقة وتسمح بمرور القليل من الضوء عبْر أسواره الحجرية؛ حيث تمكن رؤية جزيرة سان جورجيو ماجوري والبحيرة.
الجسر عبارة عن نفق مغطّى بطول عشرة أمتار، مضاء بنافذتين مربعتين من كل جانب، تصطفّ على جانبيهما قضبان حديدية ضخمة متقاطعة، وهو مصنوع من الرخام الأبيض الأستري الجميل، ويبلغ ارتفاعه حوالي 11 متراً. وعلى الرغم من صرامة هندسته المعمارية، إلا أنه يمكننا وصفها بالأناقة والرقي؛ حيث يزينه عشرون رأس قناع من بين زخارفه الأخرى البالغة الروعة.
ينقسم الجسر طولياً إلى قسمين بواسطة حاجز حجري متين؛ لذلك يوجد ممران: أحدهما في الجنوب، والآخر في الشَمال؛ حيث يمر السجناء السياسيون بالأول، والمجرمون معتادو الإجرام يمرون بالثاني للانتقال من قاعة المحكمة إلى الزنزانات المخصصة لهم؛ حيث يعبُر جسر التنهدات القناة التي تفصل قصر دوجي عن سجونه. وقد أُطلق على الجسر اسم: "جسر التنهدات" لأن منشئيه تصوّروا شكاوى المحكومين الذين عبَروه لينتقلوا مباشرة من المحكمة إلى السجن، أو من زنزاناتهم (من غرفة التعذيب) إلى المحكمة؛ فهو مغلق مثل الخزينة. وقد كان المنظر من جسر التنهدات هو آخر منظر لمدينة البندقية يشاهده المدانون قبل إنزالهم إلى زنازينهم.

حكايات الجسر ما بين الحزن والتنهدات والعشق والرعب

حكايات الجسر ما بين الحزن والتنهدات والعشق والرعب

ظل الجسر تحيط به هالةٌ مدهشة من السحر والغموض، وقد كان مشهوراً بحكايات السجناء؛ حيث تظل الصورةُ الأخيرة للحرية، التي يحتفظ بها أولئك الذين سيُمضون باقي أيامهم في السجن، معلقةً في أذهانهم وما بين جدران الجسر، تُشيّعها لحظات من الندم والحزن المتفاقمين والألم والحسرة الشديدين؛ فتنطلق التنهدات من أعماق هؤلاء البؤساء، سواء أكانوا من الأشرار المجرمين معتادي الإجرام، أو المظلومين المعنّفين ممن أصابهم جَوْر وتعسُّف. إلا أن حكاياتهم ظلت تظلل الجسر سنوات طوالاً، وتلقي عليه بهالة من الغموض والخوف؛ حتى أنها أثارت رعباً كبيراً في فترة من الفترات، لدرجة أن سائقي الجندول تجنّبوا عبور القناة التي يطل عليها الجسر، إلا إذا أُجبروا على المرور فيها؛ فكانوا يجدفون بكل قوة أذرعهم للفرار في أسرع وقت ممكن.
من ناحية أخرى، بينما كان الجندول ينزلق عبْر مياه القناة الصامتة؛ حيث تنعكس صورة جدران القصر على اليسار وأعماق السجن على اليمين، يشعر راكبو الجندول بأصوات أنين بشرية باهتة يبرّدها الخوف؛ حيث يذهب فكر مرتادي القناة أسفل الجسر إلى أولئك الذين حكم عليهم المجلس الأكبر للتوّ بالسجن مدى الحياة، أو بالإعدام للذين سيشقون طريقهم إلى القبر؛ فتبقى صرخات الرجال غير المرئيين المكتومة الذين أعلنوا براءتهم أو طلبوا المساعدة ولم يجدوها. ولأن السرية مضمونة، والأسرار محفوظة، وعدم وجود خطر الهروب أو المعرفة، أضاف كل ذلك رعباً وغموضاً أكثر للجسر وللقناة أسفله. ومن أشهر مَن سُجن وعبَر جسر التنهدات: جاكومو كازانوفا أشهر العشاق بالعالم، وقد هرب من السجن بحكاية أسطورية خلّدتها السينما العالمية.

التقليد الرومانسي لجسر التنهدات

ظل جسر التنهدات مرتبطاً بالحزن والمآسي؛ ففي الماضي لم يكن الجميع يربطون الجسر بشيء رومانسي؛ بل بشيء جنائزي وحزين؛ حيث كان بمثابة ممر للسجناء لدخول زنازينهم أو نقلهم إلى الإعدام. اليوم لم تعُد هذه الفكرة قيد التفكير. والأكثر من ذلك أنه منذ أن بدأ الشاعر الرومانسي اللورد بايرون في إهداء كتابات لهذا الجسر الشهير، لم يستغرق الأمر طويلاً حتى تتجدد أسطورة تنهدات المعاناة بأخرى كانت فيها التنهدات من السعادة والحب لتنطلق أسطورة مختلفة، تقول إنه إذا قبّل الزوج زوجته أثناء ركوب الجندول عند غروب الشمس تحت الجسر؛ فسيتم منحهما الحب الأبدي، وقد تحول هذا التقليد لثقافة في إيطاليا.

أكثر من جسر للتنهدات بالعالم

يوجد بالعالم أكثر من جسر للتنهدات خلاف فينيسيا؛ فيوجد بإنجلترا جسر بنفس الاسم والشكل في أكسفورد، وقد بُني في العام 1913 من أجل الربط ما بين مبنيين لمعهد هرتفورد (Hertford College)، ونيو كولدج لاين (New College Lane). وهو اليوم لا يُفتح إلّا لأعضاء الجامعة، وغالباً ما يستعمَل كخلفيّة لصور التخرُّج. كما يوجد جسر آخر بنفس الاسم في حي بارانكو بليما، بيرو.
وإذا تابعتِ السياق التالي ستعرفين لماذا: مياه قناة البندقية تصطبغ باللون الأخضر