عالم الأكاذيب عند الأطفال في فترة النمو، هو عالم يشبه الخيال، ومليء بالقصص المُحاكة من طرفهم أو من طرف الكبار، وفي كل الأحوال قد تبقى هذه القصص قيد التصديق لسنوات، حتى يأتي ما يكذبها، سواء كان معرفة أو اعترافاً من طرف الشخص الذي كذب، وهي أكاذيب قد يبتدعها الأهل، ظناً منهم أنها ستمحى من ذاكرة الطفل، لكنها قد تبقى وتعمل بشكل سلبي في بناء شخصيته.. ومنها ما يخترعه الطفل نفسه لظروف تحتم عليه الكذب.
بعض الأكاذيب التي صدقناها في طفولتنا كانت إيجابية وسلبية، ولكن عندما نتذكرها اليوم، نشعر بفرحة غامرة، كانت هذه الأكاذيب: لا تكذب وإلا خطفك حيوان خيالي، نم مبكراً، وإلا ستأتي الأشباح. قل لي الحقيقة، لن أضربك، وعندما يبكي الطفل نقول له: انظر إلى هذا الطائر الأزرق الذي يطير في السماء.. دعنا نقرأ بعض هذه الأكاذيب التي اخترعها الأطفال والآباء.
التحدث إلى النوارس
لقد أخبرت أخي بأكاذيب عشوائية ومعقدة كان يصدقها عندما كنا أصغر سناً. أخبرته ذات مرة أنني أستطيع التحدث إلى الحيوانات، وأن لديّ أربعة أصدقاء من طيور النورس هم سامي وفريد وجمال وسعيد، وصديق صغير من طيور النورس اسمه رافي أخبرته أن موجة عملاقة جرفتني حيث كدت أغرق، فرفعتني تلك الطيور الأربعة من الماء وطارت بي إلى الشاطئ، وصدقها.
لقد أخبرته أيضاً، عندما كنت في الصف الأول وكان عمره أربع سنوات، أن هناك شبحاً شريراً يطاردنا. أخبرته أنه ذات يوم سيسيطر على العالم ويضع مكافأة علينا (كما في هاري بوتر، الذي كنت أحلم به).
منْ قتل الحصان؟
عندما بلغت التاسعة من العمر، تحدى والدي والدتي واشترى لي أول حصان. لم يكن قد مر على امتلاكي لسوني سوى عامين تقريباً عندما ثبتت إصابته بفقر الدم المعدي الذي يصيب الخيول. ولا يمكن علاج هذا المرض، ويجب عزل الحصان أو إعدامه.
كنا ننقل سوني إلى عيادة الطبيب البيطري المحلي، لذا ودعته ذات يوم وأنا أبكي، ثم اصطحبني والدي في سيارته. كنت أعتقد أن الطبيب سيقتله. بعد أسبوع، أخذني أبي لركوب الخيل مع بنات الطبيب البيطري، وقد أوضحن لي وهن يذرفن الدموع أن والدهن لم يقتل سوني على الإطلاق. فقد جاء رجل بمسدس وأطلق النار على حصاني المسكين. ولم يكتف بذلك، بل إنه لم يوجه المسدس نحوه مباشرة، بل وقف بعيداً عنه. لذا فقد أخطأه وأصابه في فمه. ثم في وجهه. بعبارة أخرى، استخدم حصاني للتدريب على التصويب. وفي النهاية صعد إليه وقتله بينما كان حصاني يصرخ.
وعندما كبرت قلت في نفسي يا لها من كذبة أردن منها فقط أن يقلن إن والدهن لم يقتل الحصان، ولم يكترثن لألمي من سماع القصة. حيث ظللت أسأل اسم هذا الشخص الذي قتل حصاني لسنوات.
سر السمكة الذهبية
عندما كنت في السادسة من عمري، اشترت لي أمي سمكة ذهبية، وكان اسمها كندة وبعد أسابيع قليلة من ولادة كندة، قررنا أن نعطي بعض الأسماك لأصدقائنا، فقد انتهى بي الأمر بامتلاك حوض أسماك يحتوي على حوالي 15 سمكة.
كل شهر كانت تموت سمكة أو اثنتان وكانت أمي تستبدلهما بسمكة جديدة. بعد ثلاث سنوات فقدت اهتمامي بالحوض، وتوقفت أمي عن شراء أسماك جديدة. السمكة الوحيدة المتبقية كانت كندة، التي عاشت لمدة ثلاث سنوات!
قبل خمس سنوات، عندما كان عمري 18 عاماً، كنت أحكي لصديق عن المدة التي بقيت فيها سمكتي الذهبية معنا، عندما قاطعتني أمي وأخبرتني الحقيقة: "ابني، لم تعش سمكتك لمدة 3 سنوات، لقد قمت باستبدالها في كل مرة تموت فيها ولم تلاحظ ذلك أبداً".
الهارب من السجن
عندما كنت صغيراً، كانت رحلة طويلة. كنت في اليوم الأول من إصابتي بنزلة برد بائسة، وكان الأطفال متعبين أيضاً. توقفنا في فندق رخيص في طريقنا إلى الشاطئ. كانت هذه أول إجازة لي منذ سنوات. كنت منهكاً.
كان الأطفال صاخبين بعض الشيء، وهو أمر طبيعي تماماً. تناولنا الطعام في مطعم يقع على الجانب الآخر من الشارع، والتقطت إحدى الصحف. قرأت عن بعض الأخبار المحلية حول هروب شخص ما من سجن المدينة. وعندما عدنا إلى الغرفة، وكان الأطفال في حالة ذهنية طبيعية تتمثل في مضايقة بعضهم البعض، طلبت منهم التزام الهدوء. لقد هرب قاتل الفأس في السجن، وكان يقطع الناس في جميع أنحاء البلدة، كان يتلصص من النوافذ، وإذا رأى أطفالاً، كان يلاحقهم.
صدقوا ذلك واختبأوا في أسرتهم حتى حصلت أخيراً على قسط من النوم الذي كنت في أمس الحاجة إليه. لم أسمع منهم أي صوت.
وبعد سنوات عديدة، في أحد التجمعات العائلية، رووا هذه القصة لبقية أفراد العائلة. فضحكت بشدة حتى بكيت. وما زالوا يصدقونها. لقد كانت كذبة جيدة حقاً.
هنا التي تخطف الأطفال
لم يخبرني أحد بذلك، لكن زوجة أبي كانت تخبر أختي (أختي غير الشقيقة) أن هناك سيدة تدعى "هنا" كانت تلتقط كل الأطفال السيئين وتأخذهم للعيش معها. كانت تقول لها إن السيدة هنا ستأتي لتأخذها إذا لم تتصرف بشكل جيد. نجح هذا الأمر لبضعة أيام، ثم في أحد الأيام قالت أختي: "لا أصدقك! اتصلي بي!"، لذا التقطت زوجة أبي الهاتف واتصلت برقم ما، كان رقم شقيقتها التي اتفقت معها على القصة قبل ذلك، وراحت تتكلم إليها وتشكو لها من تصرفاتها ثم طلبت منْ أختر أن تكلمها لكي تفهم شروطها، أذكر يومها كيف تبولت أختي وهي واقفة في مكانها، وعندما كبرت واكتشفت أن الأمر كان مجرد كذبة، لم تسامح زوجة أبي بسهولة.
هل تعرفين كيفية التعامل مع الكذب عند الأطفال؟
الصداقة وتدخين السجائر
طفلي مصاب بالتوحد، وهو في الغالب غير قادر على الكذب، فهو لا يفهم هذه الصفة جيداً. لكنه عندما كان عمره 7 سنوات تقريباً. أخرج بعض كعكات الوجبات الخفيفة من الخزانة. عندما سألته عما إذا كان قد فعل ذلك، قال لا وبدأ في البكاء. وعندما سألته عما إذا كان يكذب، قال نعم وبكى أكثر. في تلك اللحظة علمته درساً أكبر وهو أن الصدق يجعله أكثر قدرة على التعامل مع المواقف وربما لم يكن الموقف سيئاً كما كان قد طلب الكعكات، لذا بصراحة، لا يمكنني أبداً أن أخبركم بموقف كذب فيه طفلي عليّ أو حتى شعر بالإغراء للكذب. حادثة ممتعة أخرى كانت مع ابني عندما نزلت إلى مكتبي وقال لي.. "مرحباً، صديقي طلب مني الذهاب إلى منزله وتدخين بعض السجائر معه ومع بعض الأصدقاء، ضحكت كثيراً ورحت أشرح له أضرار السجائر".
البطاطس المقرمشة
لقد أخبرت ابنتي ذات مرة أنني ووالدها تزوجنا لأننا "متوافقان في طريقة طبخنا". لقد كنت دائماً أفضل البطاطس المقلية التي تحتوي على شرائح اللحم، بينما يفضل زوجي البطاطس المقلية الرقيقة والمقرمشة. لذلك، لم نسرق قط بطاطس كل منا.
لقد قصدت أن أقول ذلك على سبيل المزاح وليس الكذب، واعتقدت أنها تعلم أنني أمزح. بالنسبة لطفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، لا بد أن التوافق بين الذكر والأنثى كان سبباً وجيهاً للزواج وبناء منزل وإنجاب أطفال.
لا أستطيع أن أتذكر كم من الوقت ظلت تصدق هذه القصة، لكنني أوضحت الأمر بمجرد أن أدركت أنها تعتقد أنها حقيقية، حتى أصبحت منذ ذلك الحين تفهم (وتتسامح أحياناً) مع حس الفكاهة لدي.
تجارب الأمهات في كشف الكذب عند الأطفال.. قصص واقعية