افتتحت هيئة المتاحف السعودية معرض «فنّ المملكة»، في المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس. هذه هي المحطة الثانية للمعرض، بعد نجاحه في أولى محطاته الدولية التي أقيمت في القصر الإمبراطوري بمدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، بالتزامن مع قمة مجموعة العشرين في نوفمبر 2024، ويأتي انطلاقاً من التزام هيئة المتاحف بدعم الفنانين السعوديين، وتعزيز حضورهم على الساحة الدولية، كما يعكس دور المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس، في تمكين الفنانين، وعرض أفضل الممارسات الفنية، وترسيخ مكانة المملكة كمركز حيوي للابتكار الفني.
تتميّز النسخة الثانية من المعرض، بأعمال فنية جديدة لم تُعرض في البرازيل، صُممت خصيصاً لهذه المحطة. ويستمرّ المعرض في المتحف السعودي للفن المعاصر في جاكس حتى 24 مايو 2025. وبعد اختتام محطته في الرياض، سينتقل إلى المتحف الوطني الصيني في بكين، وذلك ضمن فعاليات الاحتفال بالذكرى الـ25 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية.
تغطية وتصوير: عبير بو حمدان
مشهد بصري متنوّع

يحتفي "فنّ المملكة" بالمشهد الفني السعودي المعاصر، ويشارك فيه 17 فناناً سعودياً بارزاً، هم:
- مهند شونو.
- لينا قزاز.
- منال الضويان.
- أحمد زيداني.
- معاذ العوفي.
- أحمد ماطر.
- عهد العمودي.
- شادية عالم.
- فيصل سمرا.
- أيمن يسري ديدبان.
- دانيا الصالح.
- فلوة ناظر.
- سارة إبراهيم.
- أحمد عنقاوي.
- ناصر السالم.
- بسمة فلمبان.
- فاطمة عبدالهادي.
تتنوّع الأعمال المعروضة بين: اللوحات الزيتية، والمنحوتات، والأعمال التركيبية، والفيديو، في مشهد فني يعكس التفاعل بين الموروث والحداثة. ويقدّم رؤى إبداعية متنوّعة تعكس ثراء الهوية الثقافية للمملكة؛ إذ ينطلق المعرض من تساؤلات حول دور الفن في عصر التكنولوجيا الحديثة؛ حيث تتدفق الصور والمعلومات من كلّ حدَب وصوْب، في مشهد بصري متسارع، يفتقر أحياناً إلى التماسك والدقة. ومن هذه الخلفية، يحاول «فنّ المملكة» الإجابة عن سؤالين جوهريين: هل يمكن للفن المعاصر أن يُعبّر عن الثقافة؟ وكيف تساهم الفنون البصرية في إعادة بناء السرديات حول المجتمع والذاكرة، وتفكيك الماضي وإعادة تشكيل الحاضر؟
ويستلهم المعرض فكرته من العلاقة المتشابكة بين الفن والهوية؛ حيث يسلّط الضوء على تحولات المشهد الفني في المملكة؛ متتبعاً المسارات التي شكّلت تجرِبة الفنانين السعوديين، من الارتباط بالتراث والتقاليد المحلية، إلى التفاعل مع القضايا الراهنة والتطورات التكنولوجية الحديثة؛ ليقود الزوار في رحلة عبْر قصص الماضي وأحلام المستقبل ورغبات النفس وتخيّلات الفكر.

صُمم مسار المعرض بطريقة تُجسّد المشهد الثقافي المشترك بين الفنانين، وفي الوقت نفسه، تعكس: وجهة نظر كلّ فنان، وهويته المتفردة، ودوره في بناء ثقافة بصرية خاصة وسط زخم الفن المعاصر. بأساليب جمالية ومواد متنوّعة، تنسج الأعمال المعروضة حكاية التاريخ والذاكرة والتقاليد الثقافية للمملكة؛ فتعمّق من فهمنا لأفكار متشابكة ومواضيع معقدة، وترتقي بنا إلى آفاق جديدة من المعرفة.
ويتناول المعرض موضوعين رئيسيين: الأول يتمحور حول الصحراء، باعتبارها رمزاً للرحابة واللانهاية والحياة، بينما يتناول الثاني خصوصية التقاليد الثقافية وتطوُّر الثقافة البصرية من الماضي إلى الحاضر. يتقاطع هذان الموضوعان مع مفاهيم، مثل: الذاكرة، الوعي البيئي، الأصول، والهوية؛ ليقدّما طيفاً واسعاً من الأسئلة العميقة التي تعكس تاريخ المملكة، وتاريخاً أثْرته الإبداعات الفنية وأغنته القضايا المعاصرة.
عودة إلى البلد الأم

في حديث خاص لـ«سيدتي» قالت د. جنى جبور، مدير إدارة التواصل والإعلام بهيئة المتاحف: "اليوم نحن نطلق معرض فن المملكة، وهو أول معرض متجوّل للفن السعودي المعاصر بمبادرة من هيئة المتاحف، تم إطلاق المعرض بنسخته الافتتاحية في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل في نوفمبر 2024 على هامش انعقاد قمة دول الـ20، وطبعاً كان معرضاً ناجحاً جداً؛ لأنه استقطب فيما يَقلّ عن مدة شهرين، أكثر من 26,000 زائر. اليوم أيضاً المعرض يعود إلى بلده الأم المملكة العربية السعودية؛ ليستضيفه المتحف السعودي للفن المعاصر، ومن ثَم بعد مدة ثلاثة أشهر تقريباً في الرياض، سينتقل إلى الصين؛ ليستضيفه المتحف الوطني الصيني في بكين، في إطار الاحتفاء بالذكرى الـ25 على تأسيس العلاقات الدبلوماسية الصينية السعودية".
وأضافت: "معرض فن المملكة معرض مميز جداً؛ لأنه يجمع 17 فناناً سعودياً، من خلفيات مختلفة، من أجيال وأعمار مختلفة، من ممارسات فنية مختلفة، يجتمعون هنا في SAMOCA المتحف السعودي للفن المعاصر؛ ليقدّموا أفكاراً جديدة ونظرة جديدة، وسرديات ثقافية جديدة حول تاريخ المملكة وتراثها الثقافي وذاكرتها الجماعية. تختلف الأعمال المعروضة ما بين تركيبات تم تصميمها في المتحف، وأعمال فيديو، ولوحات زيتية، ولكن جميعها تقدّم رؤية مبتكرة للتراث الثقافي للمملكة".
البحث أساس للإبداع


الفنانة فلوة ناظر، فنانة مفاهيمية من مدينة جدة السعودية، تشارك في المعرض من خلال عملها الفني "تريد الأيدي أن تنظر وتريد العيون أن تلمس"، وعنه قالت لنا: "هذا العمل كان بتكليف من ستوديو «بريك لاب» لمعرض سعودي مودرن، في عام 2021، أعمالي عموماً تستكشف العلاقة بين الجسد والفضاء والمساحات التي نسكنها، وأخذ إلهامه من بيت باجنيد في جدة، وهو من المباني التي عملنا عليها أبحاثاً ودراسات ضمن دراساتنا عن العمارة الحديثة في جدة؛ لذا فهذه الأعمال مستوحاة من التفاصيل المتعلقة بالبيت وتاريخ صاحب البيت واهتماماته في بناء بيته، كذلك عندما زرت أنا البيت، ما المشاعر التي ولّدتها عندي هذه الزيارة، والطاقة التي شعرت بها وكيف تفاعلتُ معها".


أما الفنانة لينا قزاز؛ فأوضحت لنا خلفية وتفاصيل عملها الفني "تتبع خطوط النموّ"؛ قائلة: "حاولتُ في العمل تتبع خطوات النموّ والخطوط في النخلة، التي تنمو من الأرض وتكبر وتتشكل حتى تصبح نخلة شامخة". وأضافت: "كلّ أعمالي يكون أساسها البحث؛ فبمجرد أن تكون لديّ فكرة لعمل أو موضوع معيّن، أبدأ بالبحث، ودائماً أرجع للقرآن الكريم الذي يعطيني المفتاح لأُكمل البحث، كقوله تعالى: {وما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة}، بمعنى أننا لو قطعنا النخلة فستموت ولن تنمو من جديد، أخذت هذا المفتاح وبدأت أبحث في خلية النخيل، واكتشفت أن النخل يعيش بخلية واحدة مثل الإنسان، وهذا هو وجه الارتباط بين النخلة وبين الإنسان. ولذلك فالنخلة ارتبطت في الإسلام وفي الكتب السماوية كلها بالحضارات والإنسان والإنتاج والنصر والتكاثر، ونحن في النهاية فطرة الإنسان كالنخلة، يكبر من الأرض للسماء ويكون مقاوماً ومنتجاً. فبالنسبة لي، هذا كان الارتباط، وكنت أثناء عملي مع كلّ جذع من هذه الجذوع أو السعف، أشعر بأنني أتعامل مع شخصية مختلفة؛ لأن كلاً منها عنده ذاكرة جماعية للنخيل؛ فالنخلة عايشت الناس والحيوانات والسماء والأرض، وكلّ واحدة من هذه العناصر في العمل، تمثل جزءاً من هذه الذكريات". وأضافت: "لمستُ إعجاب الحضور بالعمل، والحمد لله، وهذا هو المطلوب، أن أستطيع إيصال فكرة معيّنة من هذا العمل الذي أنا فعلاً أشعر بارتباط معه على مستوى شخصي".


معاذ العوفي، باحث وفنان ومستكشف، يشارك بالمعرض من خلال عملين بعنوان: "التشهد الأخير"، و"أهل بانجيا"، وكان لنا حديث معه حول هذين العملين وأهمية جمع هذا العدد الكبير من الفنانين السعوديين المبدعين في معرض واحد، وقال العوفي: "العمل الأول اسمه التشهد الأخير وبدأ منذ عام 2024، كنت دائماً أحاول أن أوثّق المساجد أو المصليات المهجورة أو المتروكة على الطرقات لسبب أو لآخر. والعمل الثاني اسمه أهل بانجيا، وهو يتحدث بطريقة معيّنة تضع بعض الضوء على البيئة، وعلى المنشآت الحجرية التاريخية المنتشرة منذ القِدم في المملكة العربية السعودية ككلٍّ من شَمالها لجنوبها ومن شرقها إلى غربها". وعما إذا ما كانت الأعمال تحمل رسالة معيّنة، قال الفنان السعودي: "أحياناً أقول إنه لا توجد رسالة معيّنة من الأعمال، وأتمنى أن يستمتع الزوار بكلّ الأعمال التي يرَونها، وأن تكون مدخلاً للبحث والاطلاع أكثر. ولكن بالتأكيد، مثلاً من خلال عمل أهل بانجيا، يهمني أن يطلعوا على المملكة أكثر، وأن يتعرّفوا إلى كنوز المملكة العربية السعودية أكثر، وأن يعرفوا أن دولتنا أرضها معطاءة، وستفاجئنا دوماً بالكنوز، إن شاء الله. والأمر الثاني ممكن عن طريقة البناء المعماري وكيف يمكن أخذها إلى مرحلة مختلفة مستدامة بالنسبة لبناء المساجد والمصليات". وحول تسليط الضوء على الإبداع السعودي، قال: "كونه معرضاً دولياً متنقلاً ومستمراً؛ فهذا يعني مدّ المزيد من الجسور، ليس فقط محلياً، وإنما على الصعيد العالمي، وهذا يحفز المزيد من الفنانين السعوديين للمشاركة، ويفتح أمامهم آفاق تواصل وتعارُف واسعة".
لقطات من المعرض:
إليكم لقطات متنوّعة من بعض الأعمال المشاركة في المعرض، وتفاعل الحضور معها:









استعيدوا معنا لحظات افتتاح المتحف السعودي للفن المعاصر