فنانة الخزف ثريا قاوقجي إنجي: مجموعتي لرمضان 2025 مستوحاة من مراكش

الفنانة ثريا قاوقجي إنجي
فنانة الخزف ثريا قاوقجي إنجي

ثريا قاوقجي إنجي، فنانة تشكيلية متختصصة في الخزف، من أصل سوري، وتحديداً من مدينة حلب، تُقيم في مدينة يلوا بشمال غرب تركيا، وتُخرج من عجلة الفخار أجمل الأواني والأكسسوارات المنزلية.
لمناسبة رمضان 2025، أطلقتْ مجموعة من الأواني الخزفية باللون الأحمر، وعرضتْها في معرض بمدينة إسطنبول. عن المجموعة والاستيحاءات وعالم الخزف المعاصر، سألت «سيدتي» الفنانة وعادت بالإجابات الآتية، التي تعبّر عن شغف الفنانة بحرفتها، ودفعها بالمادة إلى حدود غير كلاسيكية.

مجموعة من الأواني باللون الأحمر

الفنانة ثريا قاوقجي إنجي في محترفها الكائن في مدينة يلوا التركية

حدّثينا عن مجموعتكِ الأخيرة من الأواني الخزفية، التي أطلقتِها لمناسبة شهر رمضان الكريم، لنواحي الاستلهامات وعدد القطع وطريقة الاشتغال بالخزف والتلوين؟

في زيارتي الأخيرة لمدينة مراكش المغربية، وجدتُ نفسي غارقةً في تفاصيلها الآسرة وتدرُّجات ألوانها الدافئة، ومساجدها ومدارسها القديمة، وأزقّتها التي تنبض بالحياة، وأبوابها العتيقة المزيّنة بزخارف تحكي تاريخاً من الجمال. كانت كلّ زاوية في هذه المدينة مصدرَ إلهام لي؛ حتى شعرتُ بأنني أريد أن أترجم هذا السحر إلى شيء ملموس، إلى فن يمكن أن يُلامس ويُستخدم. وهكذا، وُلدتْ مجموعتي الرمضانية من الأطباق الخزفية. صنعتُ كلّ طبق بعناية؛ مُستخدمةً عجلة الفخار مع الطين الأحمر؛ لأمنحه انسيابية مستوحاة من الأسواق المغربية، ثم زيّنتها بالزخارف مستخدِمةً اللون الأبيض والتزجيج ليعكس عمق التفاصيل. أردتُ أن تحمل هذه الأطباق رُوح مراكش، لا بشكل مباشر أو تقليدي؛ بل بطريقة تستحضر إحساس المكان، دفئه، وروحه التي تتسلل بهدوء إلى الأجواء الرمضانية. كل طبق في هذه المجموعة ليس مجرد إناء لتقديم الطعام؛ بل هو قطعة من ذاكرة الرحلة، من الأزقة الملتفّة حول نفسها، من نقاء اللون الأبيض الذي ينبض بالحياة، ومن لحظات التأمل في مدينة لا تشبه غيرها.

رموز رمضان

مجموعة رمضان 2025 من الأواني المصنوعة من الخزف

هل أنتِ مع فريق المصممين الذين يحبون التعبير عن الاحتفال بقدوم الشهر الفضيل، بصورة غير مباشرة، تتجاوز أمر الرموز التقليدية؟

أرى أن الاحتفال بقدوم رمضان لا يقتصر على الرموز التقليدية مثل الهلال والفوانيس؛ بل يمكن التعبير عنه بطرق أكثر تجريدية وابتكاراً. أحب أن أستوحي من الأجواء الروحانية والدفء العائلي الذي يُميّز هذا الشهر، من خلال تصاميم تركّز على الألوان والأنماط المستوحاة من الفن الإسلامي، من دون الحاجة إلى استخدام رموز مباشرة. بهذه الطريقة، يمكن للقِطع أن تحتفظ بجماليتها واستخدامها على مدار العام، وليس خلال شهر رمضان حصراً.

بين عجلة الفخار والتشكيل اليدوي

في مشغلكِ الخاص، تقومين بتشكيل الطين بطُرق متنوّعة، سواء باستخدام عجلة الفخار أو من خلال التشكيل اليدوي، هل يمكن التحدُّث عن الاختلافات بين الطريقتين، وكيف يبدو المنتَج النهائي نتيجةً لكلٍّ منهما؟

لكلّ طريقة من الطريقتين طابعها الخاص ومزاياها. استخدام عجلة الفخار، يساعد في الحصول على أشكال متناظرة وانسيابية؛ مما يجعل القِطع أكثر دقة في الشكل والمقاسات، وهو مثالي للإنتاج المتكرر. أما التشكيل اليدوي؛ فيمنح القطع لمسة فنية فريدة؛ حيث لا توجد قطعتان متطابقتان تماماً. هذا الأسلوب يسمح بتجرِبة أشكال أكثر حرية وإبداعاً؛ مما يجعل كلّ قطعة تحمل طابعاً شخصياً يعكس هوية الفنان.

مدينة يلوا التركية

يتأثر الفنانون بالمدن والمناطق التي يعيشون فيها. حدثينا عن دور مدينة يلوا التركية في نتاجكِ الفني.

لمدينة يلوا التركية بطبيعتها الهادئة وتاريخها الغني، تأثير كبير على عملي. استلهمتُ الكثير من ألوان وتصاميم قطعي من الطبيعة المحيطة، سواء من زرقة البحر أو خضرة الأشجار التي تميّز الأمكنة هناك.

الحِرف اليدوية

فنانة الخزف ثريا قاوقجي إنجي تحرص على تحقيق توازن بين الحفاظ على الطابع التقليدي للخزف وبين الابتكار

يعرف الخزف اهتماماً مُستجداً في الآونة الأخيرة، ما هي الأسباب، حسب رأيك؟

الاهتمام المتزايد بـالخزف أخيراً يعود إلى رغبة الناس في العودة إلى الحِرف اليدوية؛ فالخزف أكثر من مجرد فن؛ بل هو تجرِبة حسية تمنح شعوراً بالهدوء والتركيز؛ مما يجعل المادة وسيلة للتعبير الإبداعي والتأمل. إضافة إلى ذلك، أصبحت القطع الخزفية جزءاً أساسياً من الديكور العصري؛ حيث يفضّل أناس كثيرون امتلاك أشياء مصنوعة يدوياً تحمل طابعاً فريداً وغيرَ مكرر؛ مما يضفي لمسة جمالية مميزة على المساحات الداخلية. كما ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار هذا الفن؛ إذ بات الخزافون يشاركون أعمالهم ويلهمون غيرهم لاكتشاف هذا العالم الغني بالتفاصيل والجمال.

أساليب معاصرة

مجموعة سابقة للفنانة تعكس آثار رحلة قامت بها إلى كوريا الجنوبية عام 2023 مع إضافة لمسات شرقية

هل تحبين تقديم الخزف بصورة تقليدية أم تجرّبين في المادة وتجعلين القطع الفنية مواكبة للعصر؟

أحرص دائماً على تحقيق توازن بين الحفاظ على الطابع التقليدي للخزف وبين الابتكار. أحب أن أدمج التقنيات الحديثة بالإنتاج، مثل: الزخرفة اليدوية بأساليب معاصرة، أو إدخال ألوان غير تقليدية، لجعل القطع تتماشى مع أذواق العصر الحديث. أرى أن التطوير لا يعني التخلي عن التراث؛ بل إعادة تقديمه بأسلوب أكثر حداثة وجاذبية.

فن الخزف

تؤمنين بأن فن الخزف هو أكثر من مجرد حرفة؛ بل هو لغة تعبّر عن المشاعر وتربط بين الثقافات. أود التركيز على أمر الثقافات التي عرفت الحِرفة، وكيف أصبحت الأخيرة ضمن شعوبها في الوقت الراهن؟

الخزف لغة عالمية، تعكس هوية كلّ ثقافة من خلال أنماطها وأشكالها المميزة. في الصين، على سبيل المثال، يُعتبر الخزف أحد أقدم الفنون؛ حيث تطور ليصبح رمزاً للجمال والدقة، بينما في العالم الإسلامي، اشتهر الخزف بالزخارف الهندسية والخطوط العربية. في المغرب، نجد تأثيرات الأندلس واضحة في البلاط الخزفي المزخرف. في الوقت الراهن، أصبح الخزف أكثر اندماجاً بالحياة اليومية، ليس فقط كأدوات عملية، ولكن أيضاً كأعمال فنية تعكس روح العصر مع الحفاظ على جذورها الثقافية.

الفنون الإسلامية

من أين تستلهمين قِطعكِ الفنية؟

أستلهم أعمالي من مصادر متعددة، أبرزها الطبيعة؛ حيث أجد في الألوان والتكوينات الطبيعية مصدراً غنياً للأفكار. كما أن السفر والتعرُّف إلى ثقافات مختلفة، يوسّع من آفاقي الإبداعية. التاريخ والتراث أيضاً يقومان بدور كبير؛ حيث أستلهم من الفنون الإسلامية والعثمانية وأعيد تقديمها بطريقة تناسب الذوق الحديث.

شغف بالحرفة

متى ظهرت الفنانة الحِرَفية داخلك، هل تم ذلك في سنّ صغير أم أخيراً؟

شغفي بالخزف بدأ منذ الصِغر؛ حيث كنت أجد متعة في التعامل مع الطين وتشكيله بأشكال بسيطة. مع مرور الوقت، تطوّر هذا الشغف إلى رغبة حقيقية في إتقان الحرفة؛ مما دفعني لدراسة الفخار والخزف بشكل أكاديمي، ثم تأسيس مشغلي الخاص. لكن أعتقد أن الفنانة الحِرفية داخلي لاتزال تتطوّر باستمرار مع كل تجرِبة جديدة.

قيمة عاطفية

هل الخزف اليدوي قادر على المنافسة، في ظل الزيادة في إنتاج الأواني والأكسسوارات المنزلية المصنوعة آلياً؟

على الرغم من انتشار الإنتاج الصناعي، لايزال للخزف اليدوي مكانته؛ لأنه يقدّم قِيماً فنية وعاطفية لا يمكن للقطع الآلية أن توفّرها. كلّ قطعة خزفية مصنوعة يدوياً، تحمل لمسة فريدة وقصة خاصة؛ مما يجعلها مميزة للمستهلكين الذين يفضّلون المنتجات ذات الطابع الحصري. كما أن هناك وعياً متزايداً بأهمية دعم الحِرف اليدوية؛ مما يعزز مكانة الخزف التقليدي في الأسواق المعاصرة.