قرار الزواج والانتقال إلى مدينة أخرى أو السفر من أصعب القرارات التي تتخذها الفتاة وأسرتها، فهو قرار مصيري، قد تمتد آثاره إلى المدى البعيد، ويصاحبه دائماً القلق والخوف. ولأنّ الفتاة مرتبطة بأسرتها أكثر من الشاب يصعب أمر الابتعاد عليها أكثر، ولعل هذا ما يدفع بعض الأسر إلى عدم تزويج ابنتهم لعريس يسكن في مدينة أخرى غير مدينتهم، أو أنه يستعد لأن يسافر في بعثة أو مهمة عمل خارج البلاد.
«سيدتي» التقت أمهات وسألتهن: هل توافقين على زواج ابنتك من عريس مسافر، أو يعمل في غير المدينة التي تعيشين فيها؟ كما التقت فتيات مررن بمثل هذه التجربة، وكيف تأقلمن مع الحياة الجديدة. فلنتعرف إلى آرائهن من خلال هذا التحقيق:
كانت البداية مع الأديبة والروائية زكية القرشي، والتي مرت بهذه التجربة، وعاشتها مع ابنتها، حيث تقول عنها: «بالنسبة لموقفي تجاه هذه الواقعة لا أرفض أبداً، وابنتي (رنيم) قد تزوجت بمبتعث، وسافرت إلى أستراليا في اليوم الثالث من الزواج، وأمضت سبع سنوات، وعادت قبل شهور بعد حصول زوجها على الدكتوراه، وحصولها على الماجستير والحمد لله. وعلى العكس، سفر الزوجة مع زوجها المبتعث يتيح لها فرصة الدراسة في الخارج وتطوير حياتها، وتربية أطفالها بشكل أفضل، وكانت تأتي إلينا في المناسبات، وبالمقابل كنت أنا أيضاً أذهب إليها أحياناً. والحمد لله، المهم أن يكون العريس مناسباً، ويقدّر الحياة الزوجية، ولم أرفض ذهابها أبداً، فهذا مستقبلها ومستقبل زوجها، ويجب ألا أقف أمامهما. للأسف بعض الأسر ترفض تزويج ابنتها من عريس يسكن في غير مدينتهم أو مبتعث، وفي الوقت نفسه يبحثون لابنهم المبتعث أو الذي يعمل في مدينة أخرى أو دولة أخرى عن عروس، وكأنّ هذا الأمر بات حلالاً على ابنة غيرهم وحراماً على ابنتهم».
أرفض الابتعاد
فيما تخالفها الرأي عسلة الغامدي، وهي أم لثلاث فتيات، حيث تقول: «مجرد فكرة أن تسكن بناتي بعد زواجهن في مدينة غير التي أسكن فيها، خاصة السنة الأولى لزواجهن، هي بالنسبة لي فكرة مرفوضة، وقد تأخر زواج ابنتي الكبرى؛ لأنّ كل عريس تقدم لها إما يريد إكمال دراسته خارج الوطن، أو أنه يسكن في مدينة أخرى غير التي نعيش فيها، ولكن في النهاية وجدت العريس المناسب وزوجتها، فأنا لا أريد لابنتي الغربة التي مررت بها عندما زوجني والدي من ابن عمي الذي يسكن في الرياض، وأهلي في منطقة الجنوب».
لم أجد عروساً
يروي عبدالله القحطاني معاناته هو وزوجته أثناء خطبتهما لابنهما المبتعث قائلاً: «حصل ابننا على الماجستير هنا، ونظراً لتفوقه وطموحه أراد أن يكمل الدكتوراه، وحصل بالفعل على القبول في بريطانيا، وحاولت أنا ووالدته أن نزوجه حتى نطمئن عليه، وتقدمنا لعدد من الأسر، وكنا نجد الرفض منهم، خاصة عندما يعلمون أنه يرغب بالزواج والسفر مباشرة مع عروسه لاستكمال دراسته. حتى شقيقتي وأخي رفضا أن يزوجاه لذات السبب، وقالوا لي: لو أنه تزوج وذهب إلى مدينة أخرى قد نوافق، أما السفر والتغرب فلا».
لا أمانع
أما المذيعة بدور أحمد، فأبدت رأيها حول هذا الموضوع، وماذا ستفعل لو تقدم لها عريس مبتعث أو يسكن في مدينة أخرى قائلة: «أعتقد الرفض لدى الأهل فقط وليس من قبل الفتاة، وهذا يعود إلى ثقافة الأسرة في رسم وتخطيط الحياة الزوجية للفتاة، حتى في أبسط التفاصيل. فكثير من البنات لديهن الرغبة في الخروج والاستقرار خارج المدينة، أو مرافقة الزوج في الابتعاث للخارج؛ لما له من مزايا تحصل عليها الفتاة، من حيث اغتنام الفرصة لإكمال الدراسات العليا، أما بالنسبة لي فلا مانع لديّ من الموافقة على عريس من مدينة غير مدينتي».
رفضت بسبب ابتعاثي
المبتعث سعد الشايع، يحكي عن رفضه من قبل الأسرة التي تقدم لها قائلاً: «كنت أستعد للسفر، وذلك للحصول على الماجستير، ولكن والدي ووالدتي أصرا على تزويجي قبل السفر؛ للاطمئنان علي -كما يقولان- ولكن للأسف كلما طلبا لي ابنة بعض الأسر، والتي كانا يرغبان أن أرتبط بهم، رفضوا وفضلوا أن يتم الزواج بعد حصولي على الماجستر وعودتي من الغربة. وذهبت السنة الأولى وعدت بالإجازة، ولم تتمكن أمي من الخطبة لي، ومن يقبل من الأسر يضع شروطاً تعجيزية، فطلبت منها أن تؤجل الموضوع إلى أن أنتهي، وأعود إلى أرض الوطن».
الصبر وقوة التحمل
فيما تقول ابتهال يوسف، معلمة مرحلة ابتدائية: «أي فتاة لا تقبل أن تبتعد عن أسرتها عندما تتزوج، ولكن الظروف هي التي تحكم، وكنت أنا ووالدتي من أشد المعارضين لمثل هذا الزواج، وكم من عريس تقدم لي ولم يكن به عيب إلا أنه يسكن في مدينة أخرى، فكنت أرفض كثيراً في البداية، ولكن والدي -حفظه الله- جلس معي أنا ووالدتي وحاول أن يفهمنا أنّ رفضنا ليس له مبرر، ومثل هذا الأمر قد يؤخر من زواجي مستقبلاً، وبالفعل بعد أن تأملنا حديثه اقتنعنا بوجهة نظره، وكنت أسكن بالمنطقة الغربية، وتم تعييني في إحدى المدارس الخاصة، وعندما تقدم زوجي لي كان يعيش في المنطقة الوسطى، فقدمت استقالتي وذهبت معه».
قررت وندمت
وتروي رواء خالد تجربتها قائلة: «تقدم لي أحد أقارب والدي، وكان يستعد للسفر إلى أميركا في دورة بعمله، إلا أنّ والدتي وشقيقاتي لم يشجعنني على الزواج منه؛ لأنه سيسافر فترة من الزمن، ثم يعود ليستقر هنا في الرياض، وحاولن إقناعي، إلا أنني أحببت أن آخذ عريساً مميزاً وأسافر معه إلى إحدى الدول الأوروبية، فقد كان حلمي أن أزورها، وبالفعل تزوجت، ولكن لم أكن أتوقع أن يحدث ذلك لي؛ فقد عشت معاناة نفسية كادت أن تقضى علي؛ لأنني ابتعدت عن والدتي وشقيقاتي، وبعد شهرين عندما رأى زوجي حالتي اقترح عليّ أن يحجز لي للعودة، وفعلاً عدت إلى أهلي، ولكن تفاجأت بأنّ أمي هي من نصحتني بألا تطول إقامتي عندهم، وطلبت أن أتحلى بالصبر، وأن أذهب إلى زوجي ولا أغيب عنه كثيراً، وعدت وحاولت التكيف والتأقلم مع هذا الوضع الجديد، وتحملت آلام الغربة، وكانت تجربة صعبة جداً».
زواجي انتهى بالطلاق
بينما لم تستطع نجاح حسن أن تنقذ زواجها، حيث أخبرتنا بقصتها قائلة: «أنهيت دراستي الثانوية وتزوجت من أحد أقاربي، والذي كان يستعد لإكمال دراسته في بريطانيا، وكنت سعيدة أنني سأسافر وسأكمل تعليمي الجامعي هناك، ورغم رفض أمي إلا أنني لم أستمع لنصيحتها وسافرت. في البداية وخلال شهرين من زواجي كان زوجي يتركني في المنزل ويذهب بالساعات، وعندما أسأله يقول كنت مع زملائي بالجامعة، وكنت أستغرب عودته يوميّاً في أوقات متأخرة جداً من الليل، وبعد مضي وقت على زواجنا اكتشفت أنه يذهب إلى أصدقائه لسهرات مختلطة، وكانت له علاقات مشبوهة مع فتيات هناك، وهذا الأمر أتعبني كثيراً. وكان يتمادى في إهانتي ويعاملني بقسوة بعد أن اكتشفت حقيقته، ووصل الأمر إلى أنه كان يضربني ويشتمني. لا أخفيكم أنني حاولت أن أصبر وأحل المشكلة، ولكن تماديه جعلني أتراجع، وطلبت الطلاق، وعدت إلى أهلي».
الرأي الاجتماعي
الأخصائية الاجتماعية أمل العسكر من جامعة الدمام تقول: «يرفض الكثير من الأهل تزويج بناتهن من عريس من خارج مدينتهم، أو مبتعث لإحدى الدول؛ لأسباب قد يرونها من وجهة نظرهم أنها مهمة وواقعية، وتختلف الأسباب من أسرة إلى أخرى، فبعضهم يرفض لأنّ ابنتهم تكون وحيدة، أو الأم لا تريد ابتعاد ابنتها عنها، وغيرها من الأمور، وأعتقد أنه من الظلم رفض بعض الأسر للعريس لهذه الأسباب، فقد يكون رجلاً لا يعوض، وقد يندمون لرفضه. لكن الأهل يرون أحياناً الأمور السلبية دون النظر للإيجابيات التي قد تحدث... فالفتاة إذا ارتبطت بعريس مبتعث فقد تكون لديها فرصة لإكمال دراستها، وإذا كان في مدينة أخرى فقد تنشغل بالالتحاق بدورات تفيدها مستقبلاً، أو تكرس اهتمامها ببيتها وزوجها.
أما إذا كانت في نفس المدينة فستنحصر حياتها في الزيارات فقط، وهنالك عوامل تحول دون موافقة الفتاة على مثل هذا الزواج، وهي: إما عوامل مرتبطة بشخصية الفتاة؛ هل هي تتكيف مع كل الظروف، أم أنها لا تمتلك قدرة على ذلك؟ فبعض الفتيات يفضلن وجود الأهل في نفس المدينة التي يتواجدن فيها بعد زواجهن؛ لأن هذا يخفف الكثير من المسؤوليات عنهن، فعندما تريد الذهاب إلى مكان ما تأتي إلى أسرتها وتضع أطفالها، وعندما تكون متعبة قد تطهو والدتها لها الطعام، وأمور وتفاصيل كثيرة. أما عندما تكون بمفردها فتجد أنّ كل المهام والمسؤوليات تقع على عاتقها هي فقط. وهنالك أزواج قد يعوضون الفتاة عن أهلها، وبالمقابل هنالك أزواج غير مبالين، ويزيدون من غربة الفتاة ومتاعبها، فكل أمر له إيجابيات وسلبيات، وأنصح الفتاة التي تتزوج مبتعثاً أو عريساً يسكن خارج مدينتها بأن تتحلى ببعض الأمور أولها الصبر، كما بإمكانها التكيف مع الحياة الجديدة والغربة، وذلك من خلال إقامة صداقات جديدة مع أسر كثيرة قد تكون ظروفهم مشابهة لظروفها، كذلك التواصل مع أسرتها بشكل يومي وصديقاتها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، التي تمكنها من رؤيتهن والتحدث معهن بشكل واضح وكأنها معهن، كذلك أخذ دورات تفيدها مستقبلاً، أو تنمية مواهبها... كل هذه الأمور قد تشغل وقتاً كبيراً من يومها».
الزواج يساعد على الاستقرار النفسي
في دراسة أجريت على 34500 شخص تبين أنّ الزواج يساعد على الاستقرار النفسي، ويخفض من احتمال الإصابة بالاكتئاب. وذكر أخصائي علم النفس السريري (كيت سكوت) من جامعة أوتاغو في نيوزيلندا من خلال دراسته، أنّ رابط الزوجية يوفر الكثير من الفوائد للصحة النفسية لكل من الرجل والمرأة، وأنّ الأسى والاضطراب المرتبط بالانفصال يمكن أن يجعل الناس عرضة للاضطرابات العقلية. وتؤكد هذه الدراسة جملة أبحاث سابقة أوضحت أنّ الزواج يعزز صحة الرجل والمرأة، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الطلاق قد يؤدي لانتكاسات صحية من بينها الإصابة بأمراض القلب وحتى السرطان.
بين الابتعاث والطلاق
من أغرب قصص الطلاق التي حدثت مؤخراً في السعودية، وتحديداً بمنطقة جازان، أنّ أحد المواطنين طلق زوجته، وأنهى حياته الأسرية بعد أن أبلغته الزوجة بحصولها على بعثة لإكمال دراستها في الخارج، حيث رفض الزوج الأمر ولم يقبل به، وقد حاولت الزوجة إقناعه لكنها فشلت، وقام بتخييرها ما بين الابتعاث والسفر إلى الخارج وبين البقاء على ذمته، إلا أنّ الزوجة اختارت السفر وأصرت على موقفها، فما كان من الزوج إلا أن طلقها، ورغم محاولة أقاربهما إعادة الأمور إلى مجاريها وإصلاح ما بينهما إلا أنّ عناد الزوجة وإصرار الزوج أدى إلى فراقهما رغم إنجابهما طفلاً.