تسمع صوته ملقياً إحدى قصائده الممزوجة برصانة الفصحى وحلاوة العامية، والمغلفة بحس الفكاهة الساخر، فلا يسعك سوى الابتسام والترنم بكلماته، وكأنها تحكي قصتك أو قصة جارك أو قصة حيّك وحارتك، بسيط الأسلوب قوي العبارة، فلا تخلو قصيدة من قصائده من رسالة موجهة جبارة، تدق وتطرق العقول والقلوب دون استئذان.
لقب «بشاعر البنات» عندما غزل في بنات حواء أشهر قصائده النبطية الرائعة:
غمض عيونك تصور.. بلدة ما فيها بنات
الشواطئ.. خاليات
الشوارع.. خاليات
المجالس.. خاليات
فتح عيونك وقلُ لي مثل شنهو هالحياة، وشكثر ثم شكثر ثم شكثر.... لولا البنات
شكثر كانت.... كريهة هالحياة
من حكيهم من ضحكهم.... يضحك اللولو يتناثر بالمئات
من سحرهم.... تنسحر دنيا بكبرها
تنزل نجوم السما.... تمطر ورود معطرات
هم ساس الساس.... وتاج الراس وشكثر ثم شكثر ثم شكثر.... لولا البنات
شكثر كانت كريهة هالحياة
من هو؟
بعد هذه القصيدة لن يخفى علينا اسم قائلها عبدالرحمن رفيع الشاعر البحريني الذي ولد عام 1938 في المنامة وأنهى تعليمه الابتدائي والثانوي بالبحرين، ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، غير أنه قطع دراسته في السنة الثالثة ليعود إلى بلاده ويعمل معلماً، ثم في وزارة الدولة للشؤون القانونية، ثم مراقباً للشؤون الثقافية بوزارة الإعلام.
أصدر تسعة دواوين شعرية منها:
• أغاني البحار الأربعة 1971
• الدوران حول البعيد 1979
• ويسألني؟ 1981
• ديوان الشعر الشعبي 1981
• (أولها كلام) 1991.
فاز الشاعر عبدالرحمن رفيع بمجموعة من الجوائز منها الجائزة الأولى في مسابقة (هنا البحرين) الأدبية.
غازي القصيبي رفيق دربه وأكثر من تأثر بفراقه
عرف عبد الرحمن الرفيع أيضاً كصديق مقرب من الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، حيث جمعتهما أيام جامعية في القاهرة، وكانت بينهما قصائد هجاء متبادلة، ومخططات لسرقة محاضرات الطلبة والاطلاع على ما يُكتب بها، هذا ما كشفه رفيع في إحدى الأمسيات التي أقيمت بالمنطقة الشرقية، والتي استحضر فيها أجمل أيام عمره التي قضاها مع الدكتور غازي متألماً وحزيناً على فراقه، حيث ألقى في نهاية المحفل قصيدة يرثي بها صديقه:
لا لم يمت أبو سهيل سيظل مصباح الظلم
سيظل سفراً عامراً بالعلم يزهو والشمم
باق على مر القرون هذا الشهم والنغم
وراوية فواحة غازي سيبقى قطعة مني وفي اللحم ودم
تميز بطرافة مواقفه
وتميز الشاعر عبدالرحمن رفيع بخفة الظل، والمواقف الفكاهية، التي لا يتوانى حتى يذكرها لجماهيره، ومن هذه المواقف كان له موقف طريف وشاعري مع الفنانة اللبنانية نجوى كرم، حين قابلها بإحدى الرحلات الجوية فألقى عليها التحية الأولى بقصيدة غزلية قائلاً:
أَنتِ صَوْتٌ ونَغَم وشَمِيمٌ والشَّمَم
أنتِ إنْ غنَّيت نَعْلُ فوقَ هاماتِ القِمَم
أَنتِ يا نجوى كرم..
ثم علم بأن ذلك اليوم صادف يوم ميلادها فأردفها بقصيدة أخرى قائلاً:
عيدُ ميلادِكِ.. ميلادُ الحياة..
هو يومٌ لا نهائيُّ الصفات..
آهِ لو أقدرُ لاخْتَرتُ له بيدي أحلى النجومِ الزاهرات..
وشَكَكْتُ العِقْدَ عِقْداً باهراً لك تَزْهِينَ به بين البنات..
أنتِ مَنْ أنت؟ من الشرق أم الغرب؟ أم هل أنت من كل الجهات؟
حينما صافحتني خِلْتُ يدي مَلَكَتْ في كَفِّها أغلى الهبات
هل أصابعُك إلا نِعْمةٌ وأحاديثُكِ إلا أغنيات
بفراقه خيم الحزن على الخليج
هذه الروح المرحة والطريفة، هذه الروح العبقرية التي نسجت من الإبداع كلمات اجتاحت قلوب كل العرب دون استثناء، فارقتنا في الأيام القلائل الماضية، يوم الثلاثاء العاشر من مارس بعد الظهر ودعت البحرين شاعرها الكبير عبدالرحمن رفيع إثر وعكة صحية عن عمر يناهز (79 عاماً)؛ ليوارى جثمانه الثرى في مقبرة المنامة، وبحضور الكثير من الشخصيات الفنية والدبلوماسية والثقافية.