خمسون عاماً مضت على رحيل سيدة الغناء العربي، كوكب الشرق الست أم كلثوم، ولا يزال صوتها رمزاً خالداً لمصر، يتردد في الأرجاء كما لو كان جزءاً من الزمن نفسه. وصفها الأديب العالمي نجيب محفوظ بـ"نعمة الدنيا"، وكأن صوتها لم يكن مجرد غناء، بل هبة سماوية منحت الحياة نغمة خاصة لا تزال تملأ القلوب بالشجن والعظمة. ووصفتها الباحثة فيرجينيا دانييلسون في كتابها "صوت مصر" بأنها أعظم مطربة شهدها العالم العربي في القرن العشرين، مؤكدة أن صوتها لم يكن مجرد غناء، بل حياة تُعاش بكل ما فيها من مشاعر وأحاسيس.
بداية الأسطورة
وُلدت أم كلثوم في بيئة بسيطة، وكان والدها إماماً ومُنشداً دينياً في قريته، فأورثها موهبتها الفريدة. ومع إدراكه لقوة صوتها، بدأ يصطحبها معه في المناسبات متخفيةً في زي صبي، إذ لم يكن غناء الإناث مقبولاً آنذاك، حتى لو كان إنشاداً دينياً. لم تكن الطفلة الصغيرة، التي جابت قرى ومدن الدلتا بصوتها الساحر، تعلم أنها ستصبح نجمة مصر الأولى، بل صوتها الذي لا يغيب عن الزمن.
رحلتها إلى القاهرة وبداية المجد
في عام 1923، انتقلت أم كلثوم إلى القاهرة، حيث بدأت مسيرتها الفنية بدعم من كبار الملحنين، مثل الشيخ أبوالعلا محمد وداوود حسني. لم يمر وقت طويل حتى لمع اسمها، بفضل صوتها العذب وذكائها في اختيار أعمالها. بحلول منتصف العشرينيات، قدّمت أول تسجيلاتها وأصبحت الأعلى أجراً بين مطربي عصرها، إذ تقاضت 50 جنيهاً للأسطوانة، متفوقةً على عمالقة الطرب، مثل محمد عبدالوهاب وسلامة حجازي.

تحولات فنية وانطلاقة نحو النجومية
في عام 1926، تخلّت أم كلثوم عن العباءة والعقال وظهرت بإطلالة أكثر عصرية، كما شكّلت فرقتها الموسيقية بقيادة محمدالقصبجي، لتبدأ مرحلة جديدة من التألق الفني. وفي عام 1937، أصبحت حفلاتها الشهرية تُبث على الهواء مباشرة عبر الإذاعة، محققةً شعبيةً واسعةً، حتى صارت ليلة الخميس من كل شهر واحدةً من الليالي السحرية التي ينتظرها جمهورها بشغف، مع انتشار أجهزة الراديو والترانزستور، التي حملت صوتها إلى أصغر القرى.
ذروة التألق والتعاون مع عمالقة الموسيقى
في الأربعينيات، بلغت أم كلثوم قمة مجدها، إذ جمعت بين الأغاني العاطفية والأعمال الشعرية الراقية، وسجّلت تعاوناً مميزاً مع زكريا أحمد، الذي قدّم لها روائع مثل "أنا في انتظارك"، ما عزّز مكانتها كصوت يجمع بين الأصالة والتجديد.
العالمية.. وأول فنانة عربية تغني في باريس
لم تقتصر شهرة أم كلثوم على العالم العربي، بل امتدت إلى الساحة الدولية، حيث قدّمت حفلات ناجحة في أوروبا، كان أبرزها حفلها التاريخي على مسرح الأولمبيا في باريس عام 1967، الذي جعلها أول فنان عربي يقف على هذا المسرح العريق.
لاقى الحفل نجاحاً ساحقاً، ونفدت التذاكر بالكامل، ما دفع إدارة المسرح لإقامة حفل إضافي، وسط حضور شخصيات ثقافية وسياسية بارزة. ومنذ ذلك الحين، باتت أم كلثوم تحظى بشهرة واسعة في فرنسا، لدرجة أن باريس قررت إحياء الذكرى الخمسين لوفاتها بسلسلة من الاحتفالات الخاصة.

الأسطورة التي لا تغيب
حياة أم كلثوم ومسيرتها الذهبية ألهمت العديد من الأعمال الدرامية، التي وثّقت رحلتها الفنية، وآخرها فيلم "الست"، الذي تجسّد فيه النجمة منى زكي شخصية كوكب الشرق. ورغم تعدد الأعمال التي تحكي سيرتها، يبقى الجمهور متشوقاً لكل جديد عنها، لأن أم كلثوم ليست مجرد فنانة في الذاكرة، بل حالة فنية متجددة مع كل جيل، وأيقونة لا تنطفئ، وصوت لا يعرف الصمت.
لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا «إنستغرام سيدتي».
وللاطلاع على فيديوغراف المشاهير زوروا «تيك توك سيدتي».
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» «سيدتي فن».