|
كبرت بحب عبد الناصر.. بعد أن بكيت بصوتٍ سمعه جيران منزلنا.. حتى وقعت على الأرض ولم ينقذني سوى ماء الزهر.. عرفت أن عبد الناصر لن يعد ثانية إلى دمشق ..
من سأنتظر ولمن سأقطف زهوري و إلى أين أطيّر حماماتي التي لم تعد بيضاء .. ولم يعد لي مديرة جميلة تحب عبد الناصر .. اختفت وانزوت وجلست بمنزلها تنتظر بأي لحظة من يسمى (عنصر) ليطلبها للتحقيق أو السجن لأنها آوت عميلاً يحب عبد الناصر أو وزعت منشوراً تذكر بالزعيم الذي لم يغب أبداً من قلوب شعبها وأبناء حارتها إذا صح التعبير.. لأنها لا تستطيع الابتعاد أكثر من أمتار معدودة عن هذه الحارة .. وحتى في هذا قلدتها، أليست هي قدوتي في حب هذا الرجل الذي ارتوى من ماء النيل وبردى ..اتخذت ركنا منزوياً في بيتنا الذي أصبح يملك جهاز تلفزيون لا أحب النظر إليه .. وضعت رأسي بين كتبي ودفاتري وبدأت أرسم طريقي وأنا لا أعرف أن كل ما نرسمه يكون لعباً وعبثاً وهراءً .. ونتفاجأ بالقدر الذي رسم لنا كل حياتنا ونحن في بطن أمهاتنا لا حول لنا ولا قوة ..
كبرت جداً وقاربت التقاعد من الحب، لأني لم أجد من يشبه عبد الناصر ..
المراهقة لم أعرفها .. أليست المراهقة هي رحلة الحب الأرعن؟ .. وما حاجتي للحب وأنا ممتلئة به من رأسي إلى أخمص قدمي ..
حب عبد الناصر عوضني عن أي حب آخر.. خارج عائلتي..
كبرت.. أصبحت في الصف الأول الإعدادي .. وليست لي مديرة واحدة بل مديرات قاسيات حنونات علمنني كل ما هو جميل وضروري..
لم أرافق طالبات صفي أبداً .. كيف أرافقهن وأنا أعتبرهن أصغر مني علماً وثقافة وسياسة ليس لديهن عبد الناصر .. فأصبحن دون مستواي .. فأذهب إلى طالبات الثانوية وأتحركش بهن وأسمع حكاياتهن وأروي لهن حكاياتي ليضحكن وأنال إعجابهن وأنا أنظر إلى الأعلى، كنت أحياناً لا أصل إلى ركبة واحدة منهن..
سمعتهن يتهامسن وهن خائفات..
و لم أستطع أن ألتقط أي كلمة من كلامهن سوى غداً..
ماذا تعني غداً؟ وماذا يقصدن؟
غداً.. أسرعت إلى مدرستي و أنا أنتظر.. أصبحت عاشقة الانتظار..
من؟ لا أعلم ؟
رأيت شلـّتي، طالبات الثانوية وهن مجتمعات مع بعضهن .. سمعت من خارج المدرسة الأصوات القوية تهدر وهي تهتف.. ناصر.. ناصر.. وتقترب من المدرسة..
أحسست بالرجفة في جسدي..
الباب الحديدي الكبير للمدرسة مقفل ووراءه الموجهة تقف باستعداد لأي طارئ ..
هجمت طالبات الثانوية على الباب وأبعدوها عنه وهي لا تملك أي وسيلة صد تجاه هذه القوة..