بيت الله الحرام الذي أمر الله تعالى بأن تشد الرحال إليه يرتحل له من استطاع إليه سبيلاً سواء بالمال أو بالجهد والعدة، فكيف كان حال أصحاب القلوب المشتاقة والأنفس التواقة لبيت الله الحرام؟ وكيف كانوا يضحون من أجل الوصول إلى رحاب الحرم رغم الفاقة والمشقة؟
قصة حاج من التراث الإسلامي مليئة بالدروس والعبر نسردها لكم في السطور الآتية:
كان حاتم الأصم من كبار الصالحين، وقد حنّ قلبه للحج في سنة من السنوات، ولم يكن يمتلك نفقة الحج، ولا يمتلك نفقة الأبناء خلال فترة حجه، وعندما أقبل الموعد رأته ابنته حزيناً باكياً، وكان في البنت صلاح، فقالت له: ما يبكيك يا أبتاه؟ قال: الحج أقبل، فقالت: ومالك لا تحج؟ فقال: النفقة، قالت: يرزقك الله، قال: ونفقتكم، قالت: يرزقنا الله، قال: لكن الأمر إلى أمك، فذهبت البنت لتذكر أمها، وفي النهاية قالت له الأم والأبناء: اذهب إلى الحج وسيرزقنا الله، فترك لهم نفقة 3 أيام، وذهب هو إلى الحج وليس معه ما يكفيه من المال.
وكان يمشي خلف القافلة، وفي أول الطريق لسعت عقرب رئيس القافلة، فسألوا: من يقرأ عليه ويداويه؟ فوجدوا حاتم الذي قرأ عليه فعافاه الله، فقال رئيس القافلة: نفقة الذهاب والإياب عليّ، فقال: اللهم هذا تدبيرك لي فأرني تدبيرك لأهل بيتي، مرت الأيام الثلاثة، وانتهت النفقة عند الأبناء، وبدأ الجوع يقرص عليهم، فلاموا البنت التي كانت تضحك، وقالوا: ماذا يضحكك والجوع يوشك أن يقضي علينا؟ فقالت: أبونا هذا رزاق أم آكل رزق؟ فقالوا: آكل رزق، وإنما الرزاق هو الله، فقالت: ذهب آكل الرزق وبقي الرزاق.
وبينما كانت تكلمهم وإذا بالباب يقرع، فقالوا: من بالباب؟ فقال الطارق: إن أمير المؤمنين يستسقيكم، فملأت القربة بالماء، وشرب الخليفة، فوجد حلاوة بالماء لم يعهدها من قبل، فقال: من أين أتيتم بالماء؟ قالوا: من بيت حاتم، فقال: نادوه لأجازيه، فقالوا: هو في الحج، فخلع أمير المؤمنين منطقه "حزام من القماش الفاخر المرصع بالجواهر" وقال: هذه لهم، ثم قال: من كان له عليّ يد "أي من يحبني"، فخلع كل الوزراء والتجار منطقهم لهم، فتكومت المناطق واشتراها أحد التجار بمال ملأ البيت ذهباً يكفيهم حتى الموت، وأعاد المناطق إليهم، فاشتروا الطعام وهم يضحكون، فبكت البنت، وقالت لها الأم: أمرك عجيب يا ابنتي كنا نبكي من الجوع وأنت تضحكين، والآن فرج الله علينا فمالك تبكين؟ قالت البنت: هذا المخلوق الذي لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً الخليفة نظر إلينا نظرة عطف أغنتنا إلى الموت، فكيف بمالك الملك، وبذلك عاد الأصم من الحج وقد استجيبت دعوته وكشفت بلوته وقضيت حاجته.