الكلمة الطيبة

إذا جاء وقت دعاء المغرب قبل الإفطار مباشرة فلا تدعي على حماتك، فإن الدعوة لا ترد، وهي في النهاية أم زوجكِ وجدة أولادك، كوني طيبة القلب متسامحة فنحن في رمضان، وكل عام وأنتم بخير.

وحاولي ألا تدعي على أولادك وهم يتشاقون أثناء النهار؛ لأن دعوة الصائم عمومًا تنفتح لها الأبواب، صحيح أن دعاء الأمهات على أطفالهن هو مجرد لغو انفعالي تندم الأم فورًا على أنه أفلت من لسانها، وتدعو الله بعكسه، أمام كل دعوة غضب عشر دعوات حنان، إلا أنه من الأفضل خاصة في رمضان ضبط النفس، والاكتفاء بضربة خفيفة إن لزم الأمر. أما الدعاء على النفس بالخراب والموت الزؤام والدعوة على النفس بأن «تغور» من وجه الزوج، أو الحماة، أو العيال، فهو «يفك عنك» أي نعم، لكنك ستخافين في نهار الصوم أن يستجيبه الله، وهذا بالطبع بعيد عن التصديق، لكنك ستخافين والسلام.

أضيفي إلى هذا أنه من المفروض أن نتقرب إلى الله في هذا الشهر، فعلى الأقل إذا دعوناه نسأله الخير، ونلتزم الأدب، فلا نرفع أصواتنا ولا تنتفخ أوردة أعناقنا، ونرفع أيدينا إلى السماء ووجهنا إلى السقف صائحين شاكين داعين بالويل والثبور والهلاك الكامل، والخراب الشامل والدمار الساحق الماحق على من أثار أعصابنا في حر الصيام وجوع البطن، وجفاف اللسان والشفتين، وخبال العقل، وعقارب الساعة المصلوبة في الجدار، التي اعتقدت فجأة أنها قواقع، تتحرك دقيقة ثم تنام ألف عام!

أعلم أنك مشغولة في المطبخ، وصهد البخار يتصاعد من أواني الطبخ ليكتمل ما أنت فيه من حر، وعطش كأنك في الصحراء الكبرى، وزوجك يدخل المطبخ كل دقيقة في ساعة الذروة يسألك: هل نضجت البامية؟ ويرفع الغطاء ليستنشق عبيرها، فيعوق الحركة، ويعتدي على أسرار الصنعة، وينصحك ويسألك بحياة أولادك، ويوصيك خيرًا بالرقاق، ألا ينشف لأنه يحبه طريًا، والفراخ أن تكون خفيفة التحمير، والأرز مفلفلاً، والبطاطس المحمرة باطنها طري وظاهرها مقرمش، ويخرج من البطاطس إلى الكفتة، ويتساءل: هل هي بانيه أم مشوية؟ ويتشاجر إذا كانت بانيه، وربما تشاجر لو كانت مشوية، فهو أي كلام والسلام لقتل الوقت، والحديث عن المحبوب الطعام.

حاولي هنا ضبط الأعصاب، فلا تدعي عليه ولا على نفسك؛ لأن ساعة الصفر اقتربت، وساعة الذروة في الدعاء المستجاب أزفت، وصحيح أن الله لا يستجيب للغو وحماقات صغار عقول البشر، لكن صحيح أيضًا أن الكلمة الطيبة تصعد إلى الله، وأن رمضان أولى بذلك، وهذا هو الصيام الصعب.

فنحن معظمنا تعودنا على الصيام عن الطعام والشراب، والصبر عليهما في رمضان، لكن قليلا منا، وقليلاً جدًا يصبرون على الإساءات والاستفزازات والمشاحنات اليومية الصغيرة، بل ربما تفاقمت نتيجة مشقة الصيام وضغطها على الأعصاب، خصوصا في الأيام الأولى، وعلى الأخص من يدمنون السجائر والقهوة، وإذا كان هذا هو الصيام الصعب، فإنه أيضًا من وجهة نظري الصيام الأهم، أو على الأقل بنفس أهمية الانقطاع عن الطعام.

وبالذات حماتك أقصري النفس عنها واصبري واصطبري، واحتسبي صبرك عند الله؛ لأن دعاءك عليها سيكون غالبًا من القلب ومع سبق الإصرار والترصد، ولذلك في توقيت ساعة الأذان الخطرة، قد يستجاب الدعاء إذا كانت تظلمك، أو يقتص الله لها منك لو كان العكس.

حتى لا أطيل وأمل وألت وأعجن، ليكن كلامنا في رمضان ودعاؤنا بالخير؛ لأن الكلمة الطيبة تصعد، وربما ردها الله لنا عشرًا.