داء الصرع نوبات تنتج عن شحنات كهربائية إضافيّة تطلقها خلايا الدماغ عندما يحدث خلل في عملها، يعتبر من أكثر الأمراض العصبية انتشاراً بين الأطفال والراشدين بعد أوجاع الرأس، ويؤثّر على الحياة الصحية والاجتماعية والمهنية إذا لم تتمّ معالجته بالشكل الصحيح. وثمّة تصنيفات عالمية لهذا الداء تضعها «المنظمة العالمية لداء الصرع» وتقوم بتعديلها كل فترة، علماً أنّ هذه الأنواع قد تبلغ المائة.
لمعرفة المزيد حول داء الصرع وعلاجاته الحديثة، «سيدتي» حاورت عضو «الهيئة اللبنانية لمكافحة داء الصرع» والاختصاصي في طب الأعصاب والدماغ لدى الأطفال الدكتور ماهر لمع.
- ما هو داء الصرع؟ وما هي الأسباب المسؤولة عن الإصابة به؟
داء الصرع عبارة عن نوبات تنتج عن شحنات كهربائية إضافيّة تطلقها خلايا الدماغ عندما يحدث خلل في عملها نتيجة أسباب عدّة. وهو يصيب الأعمار كافة، إذ قد يظهر في الساعات الأولى التي تلي الولادة أو في مرحلة عمرية متقدّمة، علماً أن غالبية الحالات تبدأ بالظهور قبل سن الثامنة أو بعد الستين، ما يعني أن كل شخص معرّض للإصابة في أية مرحلة عمرية من حياته. وتغيب الفحوص المخبرية التي يمكن للزوجين اللجوء إليها لتجنّب إنجاب أطفال مصابين بالصرع. وتختلف الأسباب المسؤولة عن الإصابة باختلاف المرحلة العمرية. وفي هذا الإطار، ينتج هذا الداء لدى حديثي الولادة عن النقص في الأُكسيجين أثناء الولادة أو الفترة التي تسبقها أو تليها بوقت قصير أو الأمراض الاستقلابية Metabolic disorder أو خلل في تركيبة الجينات أو تشوّه خلقي في تكوين الدماغ.
وفي الموازاة، يحمل هذا الداء لدى الأطفال أنواعاً مختلفة ما تزال أسبابها مجهولةً حتى اليوم، على غرار النوبة الصغرى Childhood absence epilepsy التي تحدث بين سنّ الرابعة والعاشرة والنوبات الليلية Rolandic Epilepsy التي تحدث بين سنّ الرابعة والحادية عشرة، بالإضافة إلى أنواع أخرى تحدث بسبب تشوّه خلقي في الدماغ أو تعرّض الدماغ لصدمة (ضربة) قوية نتيجة حادث ما أو بعض الأمراض الاستقلابية...
أمّا لدى الراشدين فتعود الأسباب المسؤولة عن الإصابة إلى تعرّض الدماغ لصدمة معيّنة وأورام في الرأس، علماً أنّه في بعض الحالات يكون السبب غير معروف ويعتبر خللاً فجائياً في عمل خلايا الدماغ، بدون أي عامل مسبّب أو محرّض.
وبعد سن الستين، تكون الأسباب ناتجة عادة عن الأورام والسكتات الدماغية والتصلّب في الأوعية الدموية.
تصنيفات عالمية
- ما هي أنواع داء الصرع؟
ثمّة تصنيفات عالمية لداء الصرع تضعها «المنظمة العالمية لداء الصرع» وتقوم بتعديلها كل فترة، علماً أنّ هذه الأنواع قد تبلغ المائة، ويتمّ التعامل مع كل حالة على حدة.ولكن، هناك حالات ثابتة من الصرع قد نجدها لدى مجموعة المرضى، مثل: Rolandic Epilepsy والنوبة الصغرى Childhood absence epilepsy ومتلازمة وست West Syndrome ومتلازمة لينوكس وغاســــتو Lennox–Gastaut syndrome، كما تتمّ بعض التصنيفات حسب موقع صدور الشحنات الكهربائية في الدماغ، مثل: النوبات الصدحية Temporal Lobe Epilepsy وهي شائعة للغاية أو النوبات الأماميةFrontal Lobe Epilepsy.
وتجدر الإشارة إلى أن كل نوع من أنواع الصرع هو مرض قائم بذاته، ولا يمكن التعميم بأن كل الحالات متشابهة كما هو شائع بين أفراد المجتمع.
ولتشخيص داء الصرع، يجب حدوث نوبتين على الأقلّ، علماً أن النوبات متعدّدة الأشكال، يأتي بعضها مصحوباً بارتجاجات في الأطراف الأربعة أو في جهة واحدة مع أو بدون فقدان للوعي، بالإضافة إلى نوبات أخرى كحالة النوبة الصغرى التي تكون عبارة عن تثبيت للنظر مع فقدان للوعي لبضع ثوانٍ، ثم تنتهي ليعود المريض إلى طبيعته. وتترافق بعض النوبات الأخرى مع صراخ أو شعور بالغثيان أو خلل في النظر. وقد يصاب المريض بنوبة تكون عبارة عن انتفاض في أحد أطراف الجسم. ولعلّ المشكلة تكمن في غياب الفحوص التي يمكن إجراؤها للوليد الجديد للتأكد من خلوّه من هذا الداء الذي لا يُكتشف سوى عند بدء النوبات.
- هل من مستويات لداء الصرع؟
بالتأكيد، توجد مستويات عدّة لهذا الداء، فهنالك بعض المصابين الذين يواجهون نوبتين حصراً خلال حياتهم ويتابعون بعدها العلاج بشكل منتظم لفترة يحدّدها الطبيب المعالج، ثم يشفون تماماً. ولكن بالمقابل، هناك حالات أخرى قد تتطلّب العلاج لمدى الحياة، مع المتابعة الدائمة لدى الطبيب.
- يُحكى عن التباس لدى بعض الأطباء في تشخيص داء الصرع. إلى ما يُعزى ذلك؟
يعود السبب إلى الاستعجال من قبل بعض الأطباء في تشخيص داء الصرع لدى المريض، وذلك في بعض الحالات الصعبة، بدون اللجوء إلى الفحوص الكافية والمتطوّرة في بعض الأحيان كإجراء تخطيط مطوّل للدماغ لمدة تزيد على 24 ساعة متتالية، مع تصوير فيديو للمريض خلال التخطيط. وتلعب ضآلة الخبرة دوراً في هذا المجال، خصوصاً مع تجرؤ البعض من غير حاملي شهادة الاختصاص في طب الأعصاب على معالجة المرضى المصابين بالنوبات.
المراقبة عن كثب
- هل من أمراض معيّنة قد تتشابه عوارضها مع عوارض داء الصرع؟
تشبه النوبات التي تحدث جرّاء الإصابة ببعض الأمراض النفسية وتسمّىPsychotic Seizure إلى حدّ كبير نوبات الصرع، ولتمييزها يتمّ اللجوء في بعض الأحيان إلى إجراء صورة EEG وبعض الفحوص المخبرية ومراقبة المريض عن كثب خلال حدوث النوبة.
- ما هي أحدث العلاجات المتوافرة حالياً؟ وما مدى فعاليتها؟
منذ السبعينيات ولغاية اليوم، ظهرت مجموعة من الأدوية المعالجة للصرع حتى ناهز عددها اليوم 15 دواءً وأكثر، وهي تسمح بالسيطرة الكاملة على نوبات الصرع في غالبية الأحيان وتجنّب عوارضه السلبية على جسم المريض. ولكن، ثمّة 20% من الحالات التي لا تتجاوب مع العلاجات، بسبب وجود بروتين «يو» U في جسم المصاب والذي يمنع وصول الدواء إلى مكان عمله في غشاء خلية الدماغ.
ومن بين الأدوية الحديثة التي أثبتت فعاليتها في بعض الحالات التي كان من الصعب السيطرة عليها، هناك Steripentol الذي ساعد كثيراً على تحسين نوعية حياة الأطفال المصابين بمتلازمة درافي Dravet's syndrome وZonisamid الذي خفّف كثيراً من النوبات لدى المصابين بمتلازمة لينوكس وغاستو Lennox–Gastaut بالإضافة إلى Sulthiam الذي يتمّ وصفه في حالات Rolandic Epilepsy.
استئصال جزء من الدماغ
- هل من علاجات متمّمة للأدوية أو جراحات معيّنة في هذا المجال؟
بفضل تطوّر فحوص الأشعة المختلفة لدراسة الدماغ والأوعية، باتت عمليات استئصال جزء صغير من الدماغ المسؤول عن حدوث النوبات لدى بعض المرضى ممكنةً، علماً أن هذه الجراحات تشفي المريض نهائياً. ولكن، لا يمكن إجراؤها لجميع المصابين لأن كل مريض بداء الصرع يشكّل حالة خاصّة.
وهناك علاج يسمّى VNS therapy يساعد الأدوية في بعض الحالات، يتمثّل في جهاز يتمّ زرعه تحت جلد المريض، ثم وصله بالعصب العاشر في الرقبة فيطلق ذبذبات تؤثّر إيجاباً على عمل خلايا الدماغ المصابة.
- ما هي العناية التي يحتاجها المصاب من قبل المحيطين به وهل يمنع من القيام ببعض الأعمال؟
يجب التعامل مع الطفل المصاب بداء الصرع في المدرسة بشكل طبيعي وعدم تمييزه عن رفاقه لأنه بعيداً عن النوبة يعتبر شخصاً طبيعياً، ويجب تنبيه إدارة المدرسة إلى عدم تعييره من قبل رفاقه في حال حدوث نوبة في المدرسة لأن كل شخص معرّض للإصابة بنوبة صرع.
وبصورة عامّة، ينصح المصابون بالصرع وخصوصاً في بداية العلاج بعدم تسلّق المرتفعات سواء تعلّق الأمر بسلّم منزلي أو شجرة أو جبل والامتناع عن السباحة في أماكن عميقة وتفادي ركوب الدراجات وقيادة السيارة.
ولكن، تجدر الإشارة إلى أن هناك مشاهير مصابون بداء الصرع، ولم تحل أوضاعهم الصحيّة دون التميّز في المجتمع، ولكن أشدّد على الالتزام التام من قبل المريض بإرشادات الطبيب المعالج.