ضعف الذاكرة البسيط حالة شائعة بعيدة عن «الزهايمر»

ثمّة أسباب عدّة مسؤولة عن ضعف الذاكرة، وهذا الأخير لا يعدو كونه أمراً طبيعياً يصاب به المرء نتيجة تعرّضه لمجموعة من العوامل السيكولوجية (الاكتئاب أو الضغط العصبي الزائد الناتج عن العمل المفرط أو قلّة النوم)، أو عوامل مرضيّة (تأثير الغدّة الدرقية على الذاكرة أو تناول بعض العقاقير الطبية التي يكون ضعف الذاكرة عارضاً جانبياً لها). وفي هذا الإطار، أثبتت دراسة طبية صادرة عن «منظمة الصحة العالمية» WHO أن ضعف الذاكرة البسيط ينتج من زيادة تحميل المعلومات والبيانات في مراكز خاصة بالمخ، ما يشكّل عبئاً على الذاكرة. ويتمّ العلاج عبر التخفيف من الضغط العصبي أوالقيام ببعض التمرينات العقلية البسيطة على نحو متكرّر. وقد أشارت نتائج هذه الدراسة إلى أن هذا النوع من قصور الذاكرة يصيب نسبة كبيرة من فئة الشباب ومتوسطي العمر قد تصل إلى 32.1% في العالم. «سيدتي» اطلعت من الاستشاري في الأمراض النفسية والعصبية الدكتور شريف الأسلمي على أبرز أسباب ضعف الذاكرة البسيط وطرق علاجه والوقاية منه.

 

 

يوجد في أعماق المخ غرف تحكّم مسؤولة عن تنسيق الرسائل العصبية التي تصل إلى المخ، وذلك على شكل نبضات كهربائية وناقلات كيميائية يتم نقلها والاحتفاظ بها في المسافات الخالية الموجودة بين الألياف العصبية الموصلة بين جزئي المخ. وفي هذا الإطار، أظهر بحث طبي أميركي أن بداية تكوّن الذاكرة والحفاظ عليها يتمّ وفق مراحل عدّة، هي:

- مرحلة اكتساب المعلومات والخبرات Acquisition Stage.

- تليها مرحلة تدعيم أو تقوية ما تمّ اكتسابه أو تخزينه داخل مراكز خاصة في المخConsolidation Stage.

- وأخيراً، استرجاعها عند الحاجة لتذكّرها Retrieval Stage.

 

أنواع الذاكرة

ويقسّم الأطباء الذاكرة إلى نوعين، هما:

1- ذاكرة قصيرة المدى Short Term Memory: يتمّ فيها الاحتفاظ بالمعلومات لفترة قصيرة، وتستعمل في الحياة اليومية.

2- ذاكرة طويلة المدى Long Term Memory: يتمّ تخزين المعلومات بها لسنوات طويلة أو لمدى الحياة، تستوعب كمّاً هائلاً من أحداث حياة كلّ منا والعديد من الخبرات المكتسبة.

 

أسباب مسؤولة

وهناك بعض العوامل المسبّبة لعدد من مشكلات ضعف الذاكرة البسيط، أبرزها: 

أ عوامل مرضية، تشمل:

- تأثير الغدّة الدرقية على الذاكرة: في حال النشاط الزائد للغدّة، قد يجد المرء صعوبةً في التركيز واضطراباً أثناء التفكير، أمّا في حال النقص أو الضعف في وظيفة الغدة الدرقية، فسيصاب المرء بحال من الوهن والخمول وقصور في الذاكرة وبطء في التفكير. ووفقاً لدراسة طبية صادرة حديثاً عن جامعة «أكسفورد»، ثبت أن 10% ممن يعانون من خلل أولّي في الغدة الدرقية Primary Hypothyroidism قد تظهر لديهم علامات ضعف عام في الأنشطة العقلية والجسدية وقصور مبدئي في تذكّر الأسماء والوجوه والأحداث اليوميّة.

- تأثير النقص في بعض الفيتامينات: يؤثّر النقص في فيتامين B12 المسؤول عن حماية الخلايا العصبية، في هذا الإطار. فهو مفيد في الحفاظ على وظائف الجهاز العصبي، ويتواجد في الخضر والفاكهة والحبوب الكاملة، إلى جانب الكبدة واللحوم الحمراء والبيض والأسماك والمأكولات البحرية  والألبان ومشتقاتها.

 

ب عوامل سيكولوجية، تشمل

- تأثير الاكتئاب على ضعف الذاكرة :الاكتئاب حالة نفسية سلبيّة تصيب المرء بدون سبب واضح، وتؤثّر سلباً على المزاج والنوم والقدرة على أداء الأنشطة البدنية وفقدان القدرة على التركيز والضعف الواضح في الذاكرة. لذا، يشكّ الباحثون في إصابة من يعاني من ضعف الذاكرة بالاكتئاب، ما يجعل الأطباء يطلبون من المرضى الجدد إجراء اختبار الاكتئاب، قبل الشروع في العلاج. وقد يكون المراهقون من أكثر الفئات العمرية عرضةً للاكتئاب لما يمرّون به من مشكلات عاطفية أو عائلية، ما يعرّضهم لظهور أعراض جسدية وعقلية معيّنة كنقص الوزن وفقدان الشهية والإرهاق المتواصل وصعوبة في تذكّر الأشياء.

- الضغط العصبي الزائد: يؤثر الضغط العصبي الزائد والوقوع تحت وطأة ظروف قاسية على المرء، فيجعله يعاني من ضعف الذاكرة البسيط. على سبيل المثال، يعاني المراهقون خلال فترة الاختبارات من تكدّس البيانات والمعلومات الأمر الذي يسبّب ضعفاً واضحاً في الذاكرة، كما يعاني الأفراد الذين يقومون بأكثر من عمل في وقت واحد أو من يتعرّضون لضغط زائد في العمل ناتج عن طول ساعات العمل إلى اضطراب واضح في الذاكرة ونسيان المهام والمواعيد الضرورية بصورة دائمة. في هذه الحال، ينصح علماء النفس أن يشمل العلاج تدوين المعلومات وتكرارها بصوت عال، حتى يتمّ تثبيتها في الذهن وعدم نسيانها سريعاً.

- تأثير النوم على الذاكرة: تؤثّر درجة عمق النوم على تخزين المعلومات والقدرة على استرجاعها، فقد وجد باحثون في مجال النوم في جامعة «ويسكنسون» الأميركية أن حرمان الشخص من النوم العميق يؤدّي إلى فشل ذريع في اختبارات الذاكرة، كتذكّر الوجوه وقوائم الأسماء والمفردات اليومية.  

 

ج عوامل بيئية، تشمل:

- تأثير السموم البيئية: تؤثر بعض السموم البيئية على وظيفة الذاكرة، مسبّبةً الضعف والنقص في التركيز، وتتمثّل في:

- استخدام الرصاص كعنصر أساسي للمواد المبيّضة للجدران والمنازل وبعض الأنابيب الحاملة لمياه الشرب.

- استخدام مادة الزئبق في الأحبار والدهانات والأصباغ.

- تسرّب غاز أول أكسيد الكربون من المدافئ المنزلية.

- استخدام بعض المواد الكيميائية على شكل مبيدات.

- تأثير بعض الأدوية والعقاقير الطبية: تتعارض بعض العقاقير مع الناقلات العصبية المسؤولة عن تنظيم الإشارات العصبية والتي عادةً ما ينتج عنها الشعور بالنعاس.

 

صور ضعف الذاكرة البسيط

من المعروف أن المخ البشري يمتلك قدرة على إنتاج خلايا دماغية جديدة وموصلات عصبية بشكل كبير، ويرى الأطباء أن ضعف الذاكرة البسيط مجرد عارض طبيعي لا يمثّل بالضرورة مؤشراً خطيراً لتدهور القدرات العقلية والذهنية.وفي هذا الإطار، يعدّد الباحثون حالات ضعف الذاكرة البسيط  الأكثر شيوعاً:

- نسيان أماكن الاحتفاظ بالأغراض الشخصية التي يستخدمها المرء بصورة يوميّة كمفاتيح السيارة والمنزل.

- نسيان أسماء بعض المعارف أو الأصداقاء والمواعيد التي يتم الارتباط بها بشكل مسبق.

- ايجاد صعوبة في تذكّر تفاصيل محادثة أو شيء قمت بقراءته مؤخراً.

- الدخول إلى إحدى غرف المنزل ونسيان سبب الدخول إليها أو المرور بها.

- الشعور بعدم التركيز وبسهولة في تشتّت الأفكار.

- صعوبة في تذكّر شيء ما كنت على وشك

النطق به.

وينبغي الإشارة إلى أهمية مراجعة الطبيب في حال تكرار مثل هذه الحالات من النسيان بشكل ملحوظ ومتكرّر.

 

طرق ممكنة لتعويض ضعف الذاكرة البسيط 

- تدوين الملاحظات الخاصّة بالمواعيد الهامة والمهام المطلوبة وجداول العمل وأرقام الهواتف.

- الحرص على وضع المتعلّقات التي تختزنها بشكل مستمر كحافظة النقود وساعة اليد والمفاتيح في مكان ثابت لا تقوم بتغييره.

- في حال وضع الشيء في مكان غير معتاد عليه، ينصح أن يتمّ النظر إليه جيداً ونطق اسمه بصوت عال أو تدوينه.

- الحرص على ضبط ساعة المنبّه في الجوّال للتذكير بالمواعيد الهامة والمهام اليومية.

- الإصغاء جيداً للمتحدث عند تعلم مهارات أو معلومات جديدة وترديد ما يتم سماعه بصوت واضح، يلي ذلك البدء في الحديث مع بعض الأصدقاء عن المهارات الجديدة.

- التركيز على عمل شيء واحد في وقت واحد.

 

علاجات حديثة

تتجه أنظار بعض الأطباء من جامعة «هارفارد» الأميركية قاموا بإصدار بحث طبي بعنوان

Mind in Society  إلى كيفية تنمية مهارات الفهم والإدراك Cognitive Skills، ومن ضمنها الاحتفاظ بالمعلومات واسترجاعها من الذاكرة. وقد قام الأطباء من خلال هذا البحث بتتبع خطوات تلك العملية المعقدة داخل العقل البشري والتي تعرف بالذاكرة، وطرح بعض النصائح التي توصي ببذل بعض التمرينات العقلية البسيطة بصورة دورية، أبرزها:

- ممارسة الألعاب التي تتطلّب بعضاً من التخطيط والفهم (الشطرنج أو المتاهات أو السودوكو).

- الإكثار من قراءة المجلات والصحف والكتب.

- الحرص دائماً على تعلّم أمور ومهارات جديدة (أساليب في القيادة أو وصفات المطبخ).

- دراسة أشياء مثيرة للاهتمام من شأنها زيادة درجة الاستيعاب العقلي حتى لو كانت تتضمّن موضوعات غير مألوفة.

- الحفاظ على العلاقات الاجتماعية في محيط الأهل والأصدقاء، إذ أثبتت الدراسات التي تضمنها البحث أن الأشخاص الذين يعانون من الوحدة هم أكثر عرضة لمشكلات ضعف الذاكرة والنسيان.

 

 

مدى قوّة الذاكرة 

تمكّن علماء النفس من قياس قوة الذاكرة من خلال اختبار فحص الذاكرة البسيط المعروف طبياً  MMSE والذي يشبه المحادثة العادية بين الأشخاص. ويتكوّن هذا الاختبار من أسئلة يجدر الإجابة عليها باستعمال سرعة البديهة بدون استغراق وقت طويل في التفكير. وتشمل هذه الأسئلة:

 

السؤال

1- في أي يوم من أيام الأسبوع نحن؟ (الدرجة 1)

2- في أي شهر؟ (الدرجة 2)

3- ما هو التاريخ الميلادي أو الهجري لليوم؟ (الدرجة 1)

4- في أي فصل من فصول السنة نحن؟ (الدرجة1)

5- في أي شارع تقيم؟ (الدرجة1)

6- في أي مدينة؟ (الدرجة1)

7- ما رقم المبنى الخاص بك؟ (الدرجة1)

8- في أي طابق تسكن؟ (الدرجة1)

9- ما اسم مديرك في العمل أو جارك في المبنى المجاور لك؟    (الدرجة1)

10- أين تحتفظ بأشيائك الخاصة، عادةً ؟ (الدرجة1)

11- متى آخر مرة شاهدت فيلمك أو برنامجك المفضّل؟ (الدرجة1)

12- ما اسم مدرستك الثانوية؟ (الدرجة1)

13- ما اسم معلم اللغة الانكليزية في المدرسة؟ (الدرجة1)

14- كم صديقاً لديك؟ (الدرجة1)

15- أذكر أسماء خمسة من أصدقائك. (الدرجة1)

16- ماذا تناولت أمس في وجبة الغداء؟ (الدرجة1)

17 متى آخر مرة ذهبت فيها برحلة مع العائلة؟ (الدرجة1)

18- ما الأنشطة التي قمتم بها في ذلك اليوم؟ (الدرجة1)

التقييم: في حال إحراز 16 درجة وأكثر فهذا دليل على أنك تتمتعين بذاكرة طبيعية ولا تعانين من قصور أو ضعف في الذاكرة. أما في حال الحصول على أقل من ذلك بعلامات تتراوح ما بين 10 إلى 15 درجة، فهذا دليل على إصابتك بضعف الذاكرة البسيط الذي قد ينتج عن سوء التغذية أو التعرض لضغوط عصبية زائدة في الحياة اليومية. أمّا في حال الحصول على أقل من 10 درجات فهذا مؤشر خطير على الإصابة بحالات متقدمة من ضعف الذاكرة المرضي والمعروف بـ «الألزهايمر» ما يلزم السرعة في استشارة الطبيب المتخصّص.

 

اكسترا

 

نصائح وقائية لذاكرة سليمة

1- مارسي التمرينات الرياضية بصورة مستمرة ومنتظمة، بما يضمن وصول إمداد كاف من الأوكسيجين إلى خلايا المخ، ما يحسّن القدرة على التذكّر والمهارات المعرفية الأخرى.فهذه التمرينات تحسّن من تأثير المواد الكيميائية الضرورية في المخ، وتساعد على الحفاظ على الخلايا العصبية.

2- تناولي وجبات غذائية صحيّة تحتوي على مضادات الأكسدة والمتوافرة في الخضر والفاكهة، فهي تعدّ مصدراً طبيعياً لفيتامين "بي 12" B12 الهام في تحسين وظائف المخ. ومن جهة أخرى، ينصح بتخفيف الدهون الضارة كالدهون المشبعة وخصوصاً المهدرجة التي تزيد مستوى "الكوليسترول" في الدم.

3- تحكّمي واضبطي نفسك عند التعرّض للانفعال الزائد أو الضغط العصبي أو الإجهاد.

4- احصلي على قسط جيّد وكاف من النوم، إذ أن النوم ضروري لمرحلة دعم وتقوية المعلومات المخزنة داخل المخ، علماً أن الأرق يسبّب الارهاق البدني وضعف التركيز وعدم القدرة على استرجاع المعلومات.

5- امتنعي عن التدخين لتحسين القدرة على نقل الأوكسيجين إلى خلايا المخ.