كانت واضحة ملامح السعادة التي سيطرت على وجوه فريق عمل فيلم "اسمعي - Listen"، الفيلم اللبناني الرابع للمخرج فيليب عرقتنجي، الذي عرف خلال مسيرته المهنيّة بإصراره الدائم على تجاوز الحدود التقليدية بعد سلسلة الأفلام التي قدمها على مدار السنوات السابقة، من فيلم "البوسطة" إلى "تحت القصف" و"ميراث". وفي فيلم "اسمعي" الذي تصل مدته إلى ساعة و42 دقيقة، كتب عرقتنجي السيناريو وتولّى الإخراج وشاركه في الإنتاج الفرنسي دينيس كاروت.
أراد عرقتنجي أن يبقي أسئلة الصحافيين حتى انتهاء العرض، واتخذ زاوية في صالة سينما سيتي في بيروت خلال العرض الأول للفيلم، ليناقش جدلية فيلمه مع كل صحافي أوصله فضوله الى الاستفسار عما مرّ أمامه على شاشة العرض. كان يعلم عرقتنجي أن "فيلمه لن يمر مرور الكرام، لا سيما أنه يحوي مشاهد جنسية جعلت الرقابة تصنّفه على أنه فيلم للكبار فقط".
يتمحوَر "اسمعي" على الحبّ كأحد أقوى أشكال المقاومة والبقاء على قيد الحياة، من خلال رحلة عبر عالم الصوت وأهميّة الاستماع، إذ يتناول قصة عاطفية مؤثرة: جود شاب لطيف وهادئ يعمل مهندس صوت، تنجذب إليه رنا، وهي ممثلة شابة صاحبة شخصية متمرّدة ونابِضَة بالحيويّة، عندما كان يعرّفها إلى عالم الصوت الذي يعيش فيه. وفيما كانت قصة الحبّ بين جود ورنا في ذروتها، يحصل ما لم يكن في الحسبان، وتغيب رنا فجأة. ولكي يستعيدها، يلجأ جود إلى رسائل وتسجيلات تتضمن أصواتاً من الحياة يواظب على إرسالها إليها بواسطة الشخص الأقرب إليها: "شقيقتها مروى". ويمثل الإغراء والإباحية عنصراً فعالاً في بنية الرواية. كما يتناول الفيلم أيضاً، مكانة المرأة في المجتمع اللبناني. كما يحاول جود، على رغم الاضطراب الذي يعيشه، أن يبقى وفياً لامرأة واحدة.
ويتولى الأدوار الرئيسية في الفيلم كلّ من هادي بو عياش وربى زعرور ويارا بو نصار، ويشارك في بطولته الممثلون رفيق علي أحمد وجوزف بو نصار ولمى لوَند.
يصف عرقتنجي فيلمه بأنه "قصة حب، وأنا منذ زمن أرغب في أن أحكي عن قصة حب وعلى بالي أن أخبر قصة شبابية. كل شيء يسير بالصوت. هذا الفيلم ليس فقط قصة حب إنما أيضاً قصة سمع".
ويسأل المخرج في حديثه الى "سيدتي نت" : "هل المشاهد الإباحية مزعجة الى هذه الدرجة في الفيلم؟ فالفيلم يتطرق إلى قصة حب وليس حرب، وفي الحب يمارس الشباب الجنس قبل الزواج، وباعتقادي أن السينما يجب أن تكون مرآة المجتمع، فهل نظهر هذا الشيء أم نغفله؟ ويتابع: "في حال أردنا تغطيته نكون نكذب على أنفسنا، وأعتقد أننا وصلنا الى فترة لا يجب أن نكذب فيها".
إذاً، الفيلم بحسب عرقتنجي مشاهده الإباحية ليست مبتذلة وعندما تأخذ صورة معينة تأخذها مثل ما هي وتحاول الابتعاد قدر الإمكان عن الكادراج وأي شيء طبيعي يجب أن نظهره كما هو.
وعن نهاية الفيلم التي تركها عرقتنجي مفتوحة، يسأل: "هل تظن أن لا شيء مقصوداً من قبلي برأيك؟ أنا بطبعي أفضل عندما يخرج المشاهد من الصالة أن يبدأ على الفور بالتفكير في ما رآه بالداخل، ويطرح في رأسه الأسئلة، فهدفي أن يخرج المشاهد غير مشبع ويبقى يريد المزيد مما رآه".
ولم ينكر عرقتنجي أن فيلمه ممكن أن يكون مقتبساً من مسلسل مكسيكي كما يتم التداول، لكن هو نفسه لم يشاهد المسلسل، مشيراً في نهاية المطاف الى أن "الجميع يقوم بالأفلام نفسها، لكن كل شخص يملك أسلوباً مختلفاً عن الآخر. ومن الممكن أن يكون للفيلم جزء ثان حسب عرقتنجي.
في مجتمع محافظ تحكمه العادات والتقاليد، يكسر بطل الفيلم هادي بو عياش الذي يلعب دور (جود)، التقاليد في ضيعته الجبلية ويمارس الجنس مع حبيبته في منزل مهجور في وضح النهار، ويقول لـ"سيدتي نت": "أنا شخصياً، آمنت بهذا الفيلم وقمنا به من قلبنا، وفيليب من أهم المخرجين في لبنان، وهذا الشيء يحمس الناس لمشاهدة الفيلم، وأهم شيء في هذا الفيلم هو الصوت". ويضيف: "يجب أن نهتم بأحاسيسنا وكل المشاكل التي تحصل في مجتمعنا هي بسبب عدم سماع بعضنا البعض. وفي حال وجدت حاسة "السمع"، فهناك أمور كثيرة يمكن أن تحلّ بطريقة سهلة.
ترى ربى زعرور أن "اسمعي" فيلم "يرضي كل الناس الذين يعرفون كيف يحبّون، كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً. إنّه قصّة ستؤثّر في الناس من جوانب عدّة وستجعلهم يفكرون فيها حتى بعد مغادرتهم صالات السينما".
وتتابع: "كان لي شرف العمل مع المخرج فيليب عرقتنجي. وقد تعلّمت كثيراً من هذه التجربة. لقد سبق أن درست التمثيل وشاركت في ورش عمل في كل من لوس أنجلوس ولندن، لكن مشاركتي في هذا الفيلم هي التجربة الأهم".
ولا تختلف يارا بو نصار في رؤيتها لتلك المشاهد عن آراء زملائها في الفيلم، لكنها تضع الإباحية في سياق خدمة المشهد، وتقول لـ"سيدتي نت" إن الأمر مرتبط بمسار العمل ومدى حاجة الفيلم إلى تصوير مشاهد حساسة، ولا أشعر بأنني يجب أن أبرر هذه الخطوة. وتضيف: "فيليب أحب رؤية الحميمية في العلاقات، وهذا واقع العلاقات في بيروت، وتسأل: "لماذا دائماً يجب أن تكون القبلة على الجبين وكل الوقت الأشياء مخبأة".
وتلفت: "يجب على الناس أن تتقبل هذا الأمر، وأنا كممثلة أردت أن أكون جزءاً من هذا الموضوع، وهو خيار غير مريح بالنسبة الى المجتمع الذي نعيشه، وبالنسبة إلي كان جزءاً من السيناريو ولم تكن لديّ مشكلة معه ولم أشعر بأنه سيكون صعباً عليّ اجتماعياً، وشعرت بأنه في إمكاني أن أحمل مسؤولية هذا القرار والمخرج لديه هذه النظرة، وهناك أمور أهم في مجتمعنا علينا أن نعلق عليها".
وتختم بالقول: "النهاية جميلة أن تترك مفتوحة والفيلم ليس أسود وأبيض وقصته تشغل الرأس بما تحتويه".
أما لمى لوند فتشدّد في حديثها الى "سيدتي نت"، على أنها تؤدي "دوراً مخالفاً تماماً لطبيعتها"، مشيرة إلى أن ذلك حمّسها أكثر لكي تتولى هذا الدور. وتضيف: "الابنة تجد أن أمّها لا تُطاق، وهذا ما كان يريده المخرج، أي إظهار عدم التواصل بين الأم وابنتها، وعدم تفهّمها لها".
وترى لاوند أن "الناس تعلم أن فيليب لا يقدم أي شيء لمجرد تقديمه، وقام بـ"لايف ستوري" ليقارب فيلمه الواقع، وكل شاب أو صبية ممكن أن يريا نفسيهما في هذا الفيلم لأنه يحتوي على جرعة كبيرة من الرومانسية، وكل أم ووالد يجب أن يتعلما من هذا الفيلم أموراً كثيرة، لأنه لا يزال هناك لغاية اليوم أشخاص لا يعرفون كيف يتعاطون مع أولادهم.
"اسمعي" فيلم "أنيق" في كل شيء، إذ إن كل شخصيّة فيه تُعبّر عن الحب كما تراه وتعيشه. وعرقتنجي مخرج لم يُخرج فيلماً إلا وترك أثراً وحقق نقلة نوعية... فهل سيكون "اسمعي" جرعة أمل بأن الحياة لا تتوقف وقد تفاجئك في لحظة يأس بأنك ولدت من جديد.
تابعوا أيضاً:
ولمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا أنستغرام سيدتي
ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر تويتر "سيدتي فن"