«تغسيل الموتى» واحدة من المهن التي تمثل همزة وصل بين عالم الدنيا والعالم الآخر والمقترنة دائمًا بالموت، وتٌعد أيضًا إحدى المهن الغامضة الممتلئة بالأسرار، والتفاصيل التي لا يعرفها سوى أصحابها.
«سيدتي نت» اقتحمت هذه المهنة وتحدثت مع ممارسيها.
طرائف
مختار الشمسي أربعيني، لم يعرف مهنة أخرى غير تغسيل الأموات ويقول: «عشت حكايات صعبة وأخرى طريفة»، ففي إحدى الجنائز وبينما الدار مملوءة بالمعزين، خرجت من غرفة الغسل سيدة مكفهرة الوجه تسأل عن شقيقة المتوفاة، ثم سرت أخبار أن الصابون الذي غٌسّلت به المتوفاة اختفى، بعدها سمعنا ضجيجًا لنكتشف أن إحداهن وبينما كانت تنظف الغرفة لم تنتبه للصابون (المبحوث عنه) فانزلقت ليتحول الموقف إلى طرفة بين المعزين.
الحاجة يامنة، رفضت الحديث عن بعض الوقائع التي حدثت لها ولو من باب العظة، لأنها اعتبرت الأمر يدخل في باب الأمانة، إلا أنها تحدثت عن إحساسها في كل مرة تقوم فيه بتغسيل إحدى المتوفيات، حيث قالت: «كلما دخلت غرفة التغسيل يستولي علي شعور بالرهبة واحتقار للدنيا، لأجد نفسي هناك قريبة من الله تعالى يلهج لساني بطلب مغفرته، والإنسان الذي يُجرب عملية تغسيل الموتى لابد أن يزهد في الحياة، لأنك ترين أختًا لك كانت تعيش كما تعيشين وتلبس كما تلبسين، وها هي بين يديك جثة هامدة.
زغاريد بدل البكاء
يحكي أبو زكرياء: ذات يوم ممطر رن هاتفي مرارًا وأنا لا أستطيع أن أخرج حتى يدي المتصلبتين بردًا من تحت لحافي لأرد عليه، كان صوت الصراخ ينبعث من سماعة الهاتف: «أبو زكرياء، والدي أعطاك الله عمره وننتظرك في بيتنا لتأتي لتغسله وتكفنه».
جهزت الكفن وذهبت سريعًا، وصلت وأصوات النحيب تملأ المكان، حينما رأوني أفسحوا لي الطريق نحو الغرفة، وبمجرد دخولي وجدت الرجل يتململ في غطائه، اقتربت منه لأجده كمن كان نائمًا واستيقظ للتو، أخبرت أهله بالأمر لتنطلق الزغاريد بدل النحيب والبكاء».
«مليكة» تحكي كيف رعت برفقة شقيقاتها الثلاث، والدتها لمدة عشر سنوات بسبب مرض ألمّ بها منعها من الحركة إلى أن وافتها المنية، فاتفقت الشقيقات على أن يقمن بتغسيل والدتهن حسب وصيتها. تقول مليكة: «لا أستطيع أن أصف الموقف، لقد كان مزيجًا من الرهبة والفخر، ملأت الطمأنينة قلوبنا، لأننا استطعنا أن نعتني بها إلى آخر رمق في حياتها».
أسرار وإشارات
يقول «الحاج عبدالمجيد» (60 سنة)، وهو إمام مسجد إنه من أسرار الراحلين للدار الآخرة وبيان خاتمتهم هو أن ثقل الميت أثناء التغسيل، واسوداد وجهه وثقل النعش أثناء الذهاب به إلى المقبرة ووخز المشيعين للإسراع به، ينم عن سوء خاتمة الميت في الدنيا، وعدم قبوله بمكانته في الآخرة.
في حين يرى أن الميت صاحب الخاتمة الحسنة فإنه عادة ما يكون خفيف الجسد أبيض البشرة وكأنه نائم أثناء تغسيله. وكذلك يكون نعشه خفيفًا يتسابق به المشيعون إلى المقبرة.
رأي علم النفس
يقول الدكتور عبدالرزاق عتيب، إن ممتهني غسل الأموات كغيرهم من الناس يمتلكون مشاعر إنسانية ويتأثرون مثل باقي الأشخاص الآخرين، هي مسألة قدرة على التحمل والتحكم في الأعصاب، ومسألة اعتياد ليست إلا وليست مسألة إنسان بارد بلا إحساس كما يفكر بعض الناس.
شروط غسل الميت
يقول سعد ناصر، إعلامي وباحث في الحضارات والدراسات الإسلامية إنه بالنسبة للصفات الواجب توفرها في الشخص المغسل فقد قال الفقهاء: ينبغي أن يكون الغاسل ذا ثقة وأمينًا، عارفًا بأحكام الغسل. ولا يجوز له إذا رأى من الميت شيئًا مما يكره أن يذكره إلا لمصلحة، وإن رأى حسنًا من أمارات الخير مثل وضاءة الوجه ونحو ذلك، فيستحب له إظهاره، ليكثر الترحم عليه، إلا إذا كان الميت مبتدعًا ورأى على وجهه مكروهًا سوادًا فإنه ينبغي أن يبين ذلك، حتى يحذر الناس من منهجه.
وأولى الناس بغسل الميت وصُّيه، ثم أبوه، ثم جده، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته. وكذلك الأنثى أولى الناس بها وصيتها ثم القربى فالقربى من نسائها. ولكل من الزوجين غسل صاحبه، وللرجل والمرأة غسل من له دون سبع سنين، من ذكر وأنثى، لأنه لا حكم لعورته، بدليل أن إبراهيم بن النبي -صلى الله عليه وسلم- غسله النساء.