لايزال حي القادرية في بلدة الخيارة في البقاع الغربي تحت هول الفاجعة والصدمة، بعد وداعه الفتيات الأربع: ياسمين فالح العسكر (4 سنوات)، لين حسين قاسم (4 سنوات)، شهد عبد المعين الحسن (3 سنوات)، وبيان أحمد الحسن (سنتان) اللواتي قضين اختناقاً بعدما احتجزن داخل سيارة رباعية الدفع ذات زجاج داكن أقفلت عليهن أبوابها أوتوماتيكاً.
صور الفتيات تدمي القلب، إذ شاء الله أن يتحوّلن ملائكة في السماء بعدما كنّ يلعبن "الغميضة". الفتيات اللواتي شيّعن إلى مثواهن الأخير مساء الأربعاء الماضي تركن صدمة كبيرة في نفوس أهاليهن الذين يتقبلون التعازي بحرقة.
تفاصيل الحادثة
وفي حديث خاص بمجلة "سيدتي" روى لنا عبد المعين الحسن (والد شهد) تفاصيل الحادثة التي بدأت عندما صعدت الفتيات الصغيرات الأربعة في السيارة للعب بداخلها حوالي الساعة الثانية عشر ظهراً، وبعد أقل من ساعة تنبهت سوزان (والدة شهد) لاختفائها مع رفيقاتها، فبحثت عنهن في المنزل وفي الساحة وعند الجيران دون جدوى، ثم اتصلت بزوجها عبد المعين الذي كان يوزع الحليب في بلدة غزة لتسأله إذا ما أخذهنّ معه أو يعلم أين هنّ فلم تفلح، ثم استعانت بأقاربها لمساعدتها في البحث عنهنّ. وبعد 3 ساعات من البحث المضني، توجه عبد الكريم (عم البنات) للبحث عنهن في مدينة ملاهي مجمع الأزهر التجاري الذي لا يبعد سوى كيلومتر عن المنزل، وهمّ بفتح السيارة ليتفاجأ بالبنات الأربع جثثاً هامدة داخل الصندوق، فهرعت زعلة (عمة لين) إلى المكان وحملت لين إلى منزل ذويها لتعطيها لأمها ربيعة التي فقدت صوابها من هول المشهد. وفي هذه الأثناء، نقل علي الحسن (جد الفتيات) شهد وبيان وياسمين إلى المستشفى بسيارته، ثم بعد أقل من ربع ساعة عمل الصليب الأحمر على نقل لين إلى المستشفى نفسه.
هرج ومرج
في هذه الأثناء، كان فالح العسكر (والد ياسمين) في بلدته حوش الحريمة، وأحمد الحسن (والد بيان) في بيروت، وحسين قاسم (والد لين) في النبطية وقد حضر الثلاثة إلى المستشفى التي كان يسودها جو من الهرج والمرج بعدما منعت القوى الأمنية الأهالي من استلام الجثث إلا بعد الكشف عليها من قبل الطبيب الشرعي الذي وصل الساعة السابعة مساء من الهرمل التي تبعد أكثر من ساعتين ونصف عن المستشفى تبعته الأدلة الجنائية التي رفعت البصمات من مسرح الحادثة في القادرية ثم بصمات الضحايا في المستشفى.
النيابة العامة كلفت الطبيب الشرعي فيصل دلول بالكشف على جثث الأطفال وكتب في تقريره أن "عملية الاختناق بدأت بانحطاط في حركة الأطفال ما جعل تحركهن أبطأ بسبب نقص الأوكسجين داخل السيارة، تبعها حالة من اللاوعي والضياع لدى الأربعة ليغرقن بعدها في غيبوبة أدت إلى الوفاة المحتمة"، وذكر دلول في التقرير أيضاً أن الوفاة حصلت قبل فحصه لهن بأربع ساعات، أي في تمام الساعة الثالثة عصراً. وتحوطاً لأي أمر، جرى أخذ عينات من دم الضحايا لتخضع لفحوص مخبرية ولتثبيت أن الوفاة كانت أمراً طبيعياً ليبنى على الشيء مقتضاه.
إشاعات كثيرة
إشاعات كثيرة تداولتها العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك حيث شكك البعض في غرابة موت الأطفال، فكيف للأهل ألا يتنبهوا لفقدان أطفالهم لأكثر من ساعة، فكان جواب من سوزان (والدة شهد) أنها كانت تحضر الغداء برفقة والدتها حجة، وأنها كالمعتاد على يقين أن الأطفال لم يصبهم أي مكروه خلال لعبهم في الخارج. فيما شكك موقع آخر في صحة رواية الاختناق وتساءل عن سبب وجود الماء على ثياب الأطفال، وخصوصاً أن تسجيلاً صوتياً لأحد الأشخاص انتشر بسرعة هائلة على تطبيق "الواتس اب" يعزي فيه سبب موت الأطفال إلى غرقهن في بركة تابعة لأحد مصانع الألبان والأجبان في البلدة، لكن الأدلة الجنائية دحضت هذا التكهن والطبيب الشرعي أيضاً، وقد ذكرنا سابقاً أن عمة شهد هي من قامت برش المياه على الفتيات لإنعاشهن قبيل التوجه إلى المستشفى.
عشرات الحوادث
هذه واحدة من عشرات الحوادث التي هزت الشارع البقاعي الذي لم ينس بعد مآسي شهر نيسان الذي وصف بشهر الموت بعد جريمة قب الياس المروعة التي قتل فيها رجلان على يد مخمور بسبب تذمره من طعم كوب النسكافيه، وبعدها حادثة انقلاب سيارة واحتراق ثلاثة شبان كانوا بداخلها بالإضافة إلى عشرات الإصابات يومياً على طريق عام ديرزنون شرق زحلة، كما وفاة أكثر من مئة وخمسين شخصاً من بلدة برالياس وإصابة أكثر من 600 آخرين بمرض السرطان الذي سببه تلوث نهر الليطاني المليء بمخلفات المصانع والمستشفيات والجيف المتحللة والمياه الآسنة، والذي يشق طريقه وسط سهل البقاع على امتداد 170 كيلومتراً منذراً بأزمة بيئية وصحية خطرة.
دقت هذه الحادثة ناقوس الخطر لدى اللبنانيين عموماً والبقاعيين خصوصاً لوجوب أخذ الحيطة والحذر خلال لعب أطفالهم داخل المنزل أو خارجه، لكي لا يفقدوا فلذات أكبادهم لأبسط الأسباب فلا اعتراض على قدر الله لكن "درهم وقاية خير من قنطار علاج".