هي تجربة آلمتني، ومشاعر عشتها وعانيت منها سنوات وراء سنوات! نعم أنا الأم التي حملت وتعبت وأنجبت ولم تربِّ ابنتها ..لم تُرضعها ولم يؤرقها صوت بكائها فتصحو فزعة ساعات الليل! «أم» لم يعذبها صدرها بتكدس اللبن وتحجره فيه! لم أرها وهي تنمو ولم أُحدق في ملامحها ولون عينيها، عفواً.. حتى قلبي لم يخفق لمرضها، ويدي لم تتحسس جبينها الساخن وجسدها، أسابيع قليلة بعد الولادة وفارقتها، تركناها أنا ووالدها لدى أسرته لتعيش وسطهم، وتنهل من حبهم وعطفهم إلى حين عودتنا.
ماذا كان بيدي لأفعله والإعارة كانت حلماً انتظرناه سنوات؟ كنت في أواخر أشهر حملي، أنجبت ابنتي وتركتها «لحمة حمراء» كما يقولون، وسافرنا لبلد لا ناقة لنا فيها ولا بعير، لا جار نعرفه ولا قريب، المال هدفنا والعمل بجد واجتهاد سبيلنا.
ومر العام الأول من الغربة ثقيلاً مؤلماً؛ حتى عدنا لأرضنا ووسط أهلنا من جديد، وكانت المفاجأة؛ ابنتنا «نور» وقد بانت ملامحها الجميلة، ابتسامتها تملأ وجهها، وصوت ضحكاتها يعلو بالمكان، تحبو على الأرض فرحة تلاعب أعمامها وعماتها، وإن بكت جرت لترمي بنفسها على صدر جدها أو جدتها، كنا نحاول استمالتها، أن تنظر إلينا..تلاطفنا... بلا جدوى، أغريناها باللعب والفساتين الملونة.. لم تستجب، تغربنا؛ من أجلها ومعها كنا كالغرباء!
وتكررت أعوام الإعارة إلى أن اكتفينا، جلبنا ما نحتاج واشترينا بيتاً صغيراً ليجمعنا وابنتنا، ولازلت أتذكر قسوة لحظات انتزاع «نور» من بيت جدها، فلم تكن راضية ولم ترغب المغادرة والعودة معنا لبيتها، قلبها الصغير لم يستوعب مايحدث من حولها. لماذا نأخذها وإلى أين نذهب بها؟ وكأن عقلها يحدثها: ولماذا تركناها من قبل مادمنا نحبها؟ ما يهم. جاءت بعد محاولات مضنية ووعود بزيارات متكررة لبيت جدها.
وها هي «نور» وسطنا وفي بيتنا، تضيء قلوبنا وحياتنا، أعادت لي أمومتي وأسعدت أباها ومعها أحس بأبوته، اجتمع شملنا وعدنا أسرة واحدة، نجلس ولا نصدق فتتبادل الفرحة عيوننا، نصحونا الأهل بالصبر وإمساك العصا من الوسط؛ فلا ننتظر منها كل الحب، ولا نبعدها -أيضاً- كل البعد عن جدها وجدتها -أسرتها الأولى-.
لا! الحكاية لم تنته، فمنذ أيام وأنا أفكر في العودة لعملي، أعباء الحياة تضطرنا، وكنت تفرغت عاماً كاملاً بعد رجوعي إلى أن أتمت «نور» عامها الخامس واحتفلنا به، وهذا هو سر حيرتي، عقلي وقلبي يتخبطان...ألا يكفى ما دفعته «نور» ثمناً غالياً لغربتنا وحاجتنا للمال؟ هل أصبح العلم والعمل ذنباً تتحمله النساء؟ وهل يجب عليّ أن أمارس أمومة ناقصة، أن أظل «أماً» مع إيقاف التنفيذ؟ وأن تعود ابنتي من جديد لحضن غير حضني، وتعتاد أسلوب غيري!
هي امرأة عاملة و «أم» مع إيقاف التنفيذ!
- أطفال ومراهقون
- سيدتي - خيرية هنداوي
- 03 مارس 2013