انطلق شهر رمضان، الذي ينتظره المسلمون حول العالم كل سنة، فلكل زمان ومكان أشخاص وعادات وتقاليد تتغير عبر الأجيال، وها هو شهر رمضان المبارك يطل على المسلمين من جديد، بلغنا الله وإياكم سالمين.
يترافق هذا الشهر مع تقاليد اجتماعية مرتبطة بالعائلة والأصحاب واجتماع أفرادها يومياً على الإفطار، ولمة الأهل وصلاة التراويح وصلة الرحم وقيام الليل، لكن قبل أكثر من قرن كانت تختلف التقاليد والعادات حول العالم، خصوصاً في هذا الشهر، فكان الناس قديماً يصلون في الأماكن العامة، ويجتمعون على شكل حلقات، ويتبادلون الأحاديث الاجتماعية فيما بينهم.
حول عادات المسلمين قبل 100 عام، يقول فيصل ديدي أستاذ في التاريخ لسيدتي نت، إن الناس كانوا يجتمعون بالمسجد في نهار رمضان فيقرأ كل واحد منهم جزءًا حتى يتموا المصحف، ثم يتفرقون كل إلى بيته ليقضي وقت القيلولة أو إلى عمله أو تجارته، وفي هذه الأثناء كانوا يتذوقون حلاوة الصيام بذكر الله وصلة الأرحام، أما حين يحين وقت الإفطار، يذهب الكل إلى المسجد وقد أخرج كل بيت ما يستطيعه من طعام وشراب إلى المسجد، فيصلون ويختمون صلاتهم ثم يفطرون، ويقف أحدهم خارج المسجد ليدعو المارة إلى الإفطار، الكل في تجمع وفرحة لا يدانيها شيء، فرحة الصوم وفرحة اللقاء، فيتحابون بغير ضغينة، ثم يذهب كل واحد منهم إلى بيته ليكمل إفطاره مع زوجته وأبنائه.
ويضيف فيصل: «كل ما كان يدور في فلك هذا الشهر كانت البركة عنوانه، فمائدة رمضان كانت بسيطة، بحيث توضع أطباق الطعام عليها بعفوية، عكس الاصطفاف الأنيق المصطنع الذي تشهده اليوم، ربما يكون الطعام بسيطاً لكن يجمعهم جو من الرضا يسمو بهم إلى الغاية المرجوة من هذا الشهر الكريم، والذي جعله الله زهداً في كل شيء، حتى تطغى الروح على الجسد، وتتحرر من أسر الشهوات لتتفكر في أمر ربها الخالق القدير، على عكس ما يحدث الآن، إذ تحول رمضان إلى موسم لتناول كل المشتهيات، ومتابعة كل ما يعرضه التلفاز من برامج ومسلسلات ومسابقات وغير ذلك.
التمر والكنافة
وفي أمسيات رمضان يحلو التسامر والتزاور، حيث يكونون في نهار رمضان ممسكين عن الكلام من فرط التعب والإعياء، فإذا حل المساء رجعت إليهم الحيوية، وتشوقوا إلى العظات والأحاديث، فكانوا يجلسون عند بيت أحدهم ليتناولوا سير الأوائل وأحاديث النبي الحياتية، تسليتهم في هذه الأوقات هو التمر و«الكنافة»، حيث كانت هي أطيب المأكولات المميزة في رمضان، ويسود جو من الألفة والمحبة بينهم نكاد لا نراه اليوم.
يجيء وقت السحور، فكانوا يؤخرون وقت السحور قبل صلاة الفجر قليلاً، ثم يؤذن للفجر فيتوضئون ويذهبون للمسجد لأداء صلاة الفجر في جماعة، يجلسون ليقرؤوا جزءًا من القرآن ثم يذهب كل واحد إلى حقله وتجارته وقد طلعت شمس يوم جديد.
غياب الزيارات
من التغيرات المعنوية والتي مست بصفة مباشرة المجتمع المغربي في عاداته التربوية المتعلقة برمضان غياب الزيارات بعد الإفطار، كما يرى الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبدالله أبوعوض، حيث كانت الأسرة المغربية تكثر من الزيارات بعضها لبعض، في حين أصبحت الآن تنشغل بالبرامج التلفازية والمسلسلات الرمضانية،
كان المغاربة يولون اهتماماً كبيراً بـ صلاة التراويح ولا زالوا، ولكن ليس بالشكل الذي كان من خلال اهتمامهم باللباس والتعطر للمسجد بحكم انشغالهم بالمواعيد الاجتماعية بعد العشاء، ومن العادات التي كانت سائدة في المغرب، أنه وبعد كل إفطار كان الأطفال يخرجون وهم يحملون أكياساً يطرقون بعض البيوت لطلب الحلوى أو ما شابه، وكانت الأزقة تعرف صخباً للعبهم وكأنها الثالثة مساء فين حين أن الطفل المغربي الآن أصبح يرفق براءته في رمضان بالآلات الالكترونية مثل الايباد أو البلستيشن.
لقد غابت العادات الرمضانية بالمغرب لتنتقل من عمق المعنى إلى الاستهلاك.