لا شكَّ في أنَّ الزَّواج يعدُّ أهم مؤسسة يؤسسها الإنسان في حياته، لذا فإنَّه يتحرَّى الدِّقة في الاختيار بكل ما أوتي من حكمة، ومن هنا تأتي الكتب والدِّراسات والنَّظريات والآراء العديدة التي تقبل الخلاف والاتفاق حول معايير نجاح هذه المؤسسة واستمرارها، وتعدُّ الكفاءة بأشكالها المتعددة من أهم أصول نجاح هذه العلاقة، وهنا يأتي الخلاف، فهل تشترط الكفاءة الماديَّة بين الزَّوجين أم أنَّ المحبَّة والوفاق العقليّ والروحيّ كفيل بتخطِّي هذا الفارق وتجاوزه؟ ومتى تقبل المرأة بالارتباط برجل أقل منها ماديًا؟
كل هذه التَّساؤلات وأكثر نطرحها في التحقيق التالي الذي نستطلع فيه بعض التَّجارب الزوجيَّة التي لم تتوفَّر فيها الكفاءة الماديَّة، وما آلت إليه هذه الزيجات ....
بدايةً يخبرنا الكاتب والإعلاميّ "عماد اليماني" عن رأيه قائلاً : "المرأة عاطفيَّة، وإذا أحبَّت رجلاً فلن تفكِّر أو تهتم بوضعه الماديّ أكثر من أن تتزوَّجه وتكون بجانبه، حتى أنها ستقف في وجه الجميع من أجله، لكنَّ بعض الرجال لا يتقبلون هذه الفكرة خوفًا من أن تعايرهم زوجاتهم بقلَّة إمكانيَّاتهم، وقد يتولَّد لديهم شعور بالنَّقص، وإذا حدث الزَّواج فعلى الزَّوجة ألا تُشعر زوجها بذلك، وأن تبيِّن له أنَّ وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة تقف بجانبه وتسانده، فهم أسسوا هذه الأسرة معًا، ولا يوجد فرق بينهما، وكل هذا من أجل أبنائهما، فنجاحها هو نجاحه، وسيحققان كل ما يتمنونه؛ حتى لا يؤثِّر هذا الأمر على الأبناء عند رؤية والديهم وهم يتخاصمون ويتنازعون بسبب الأمور الماديَّة، وقد يسبب ذلك ضغط نفسيّ لديهم" .
ويذكر لنا اليماني إحدى التَّجارب التي وقف عليها قائلاً: "أعرف رجلاً تعرَّف على امرأة في مقر عمله، وتزوَّجها، وأنجبا طفلاً، وكان دائمًا يقف بجانبها ويساعدها لتحسين أدائها في العمل، وفي يوم من الأيام جاءها عرض من إحدى الشَّركات العالميَّة الكبرى براتب أعلى، ووافقت على الفور، وأصبح الزَّوج بعد فترة يختلق المشاكل، ويقصِّر في مصروف البيت بحجَّة أنَّ إمكانيَّاته الماديَّة أقل منها بالرُّغم من أنها كانت تناصفه في كل شيء سابقًا، وأصبح الزَّوجان في نزاع وخصام على أتفه الأسباب، ويهددها دائمًا بأنه سيجعلها تجلس في البيت، ومن غيرته وقهره من نجاحها أرسل للمسؤول عنها في العمل أنَّه هو من كان ينجز عملها ويساعدها، وأنَّها لم تصل للمنصب بخبرتها، فوصلوا بعد ذلك إلى طريق مسدود، وتم الطَّلاق بينهما".
وتقول الأديبة والشَّاعرة "عبير سمكري": " الفوارق الماديَّة في الماضي كانت لا تشكل عائقًا في ارتباط الرَّجل بامرأة أكثر منه مالاً، وكانت العائلات قديمًا تبحث عن أصله ومنبته وأخلاقه، أمَّا الآن فقد أصبح الوضع مختلفًا، والأمور الماديَّة طغت على كل هذه العادات، وللأسف كثير من الشَّباب يقبلون بالزَّواج من امرأة تكبرهم في السِّن، وتكاد تكون في سن والدتهم؛ لكي يضمنون معيشة سهلة، وهناك من تقبل الزَّواج برجل أصغر منها وأقل منها ماديًا واجتماعيًا وثقافيًا أحيانًا؛ كي لا تبقى دون زواج، وهذا بالطَّبع له تأثير على تربية الأبناء، حيث ستبقى هناك فروق فرديَّة بين الطَّرفين مكتسبة من البيئة المحيطة بهم، فلا تكون تربية الأثرياء كتربية الفقراء، حتى وإن كان الاثنان مثقَّفين ومتعلِّمين".
وتحكي لنا الإعلاميَّة "أفراح عبد الله" قصَّة إحدى صديقاتها: "تزوَّجت صديقتي برجل أقل منها ماديًا، وهي موظَّفة براتب عالٍ جدًا، و كان زوج صديقتي دائمًا ما يذكِّرها بموضوع راتبها، وكيف قبلت الزواج به، وكأن الأمر يمثِّل أحد عيوبها، وبطبيعة الحال هو لم يكن يقبل منها أموالاً نهائيًا، ولا حتى هدايا؛ كي لا تكون صاحبة فضل عليه، حتى آلت الأمور للطَّلاق في النِّهاية" .
أمَّا رأي الكاتب "وهاج المجرشي" فيتمثَّل بقوله: " إن كان الزوجان متوافقين رغم الفارق الماديّ بينهما كأن يتزوجان بعد قصَّة حب مثلاً، فلن يؤثِّر ذلك على الأطفال؛ لأنَّهم لن يفسِّروا هذا الشيء على أنَّه عيب أو نقص في أحدهم، بل ستكون حياتهم مثاليَّة ورائعة؛ لأنَّهما ارتقيا عن هذه الفروق، فنجاح هذه العلاقة يتطلَّب من الزَّوجان القبول ببعضهما، وعدم الالتفات للمادَّة، لأنَّها زائلة لا محالة، فربما يُقلب الحال بين ليلة وضحاها".
الرأي النفسي
تخبرنا الدكتورة "صفاء مراد" الاختصاصيَّة النفسيّة عن رأيها قائلة: "المرأة بطبعها تتزوَّج من هو أعلى منها ماديًا، وذلك نظرًا لظروف المجتمع، حيث أنَّ واجبات الزَّوج تتطلَّب منه أن يكون هو المعول ماديًا، وهو من يلبِّي طلبات الزَّوجة والأبناء، لكن من وجهة نظري أنَّ المرأة ذات العلم والمكانة الوظيفيَّة قبل الزَّواج اعتادت أن تكون قائدة وسيِّدة نفسها ماديًا، لذلك تكون نظرتها لزوج المستقبل أنَّه رجل سيكملها عاطفيًا بغض النَّظر عن مستواه المادي، كما أنَّ الرَّجل المتفتح ثقافيًا لا ينظر ولا يقيِّم العلاقة الزوجيَّة من مبدأ مادي، ولكن لو نظرنا لأطر المجتمع الذي نعيش به، ستبقى النَّظرة السلبيَّة تلاحق الرَّجل، وقد تصفه بالفاشل، أو بأنَّ زوجته تصرف عليه؛ لعلم الناس أنَّها أعلى منه في الراتب الوظيفي".
وعن تأثير عدم الكفاءة الماديَّة بين الزَّوجين على الأبناء تقول "مراد" : "يجب أن يعيش الأبناء بعيدًا عن جو الحسابات الماديَّة، ويجب أن تُلبى متطلباتهم دون إدخالهم في تلك الأمور".
وتُخبرنا عن إحدى القصص الإيجابيَّة قائلة: "في إحدى المرات، صادفت شابة تحمل شهادة الماجستير في العلوم الإنسانيَّة، ومكانتها الوظيفيَّة عالية جدًا، وراتبها أيضًا عالٍ، فتزوجت رجلاً قدَّمت له استشارة نفسيَّة في مكان عملها، وجمع النَّصيب بينهما بعد ذلك، وهو شاب بسيط لا يمتلك إلا الشَّهادة الثانويَّة، وراتبه لا يتعدَّى ربع راتبها، ورغم ذلك لديهم ٣ أبناء الآن، وهم من أكثر الطُّلاب نجاحًا في مدارسهم ومستقرين نفسيًا، كما أنَّ زوجها فخور بها جدًا أمام كل المجالس المجتمعيًة، وهي من خلقت له ذلك الشُّعور بعدم تحدثها أو تطرّقها للأمور الماديَّة في حياتهما، فجعلت علاقتهما مبنيَّة على الودِّ والاحترام والأسريَّة بعيدًا عن التفاضل المادي".
