تعد الإعاقة البصرية إحدى الظواهر الإنسانية في عامة المجتمعات على مر العصور، وفي معظم الحالات تكون الإعاقة بمثابة نعمة تنعكس على المعاق بحواس تعويضية، تجعل منه متعدد القدرات والمواهب التي تعود بالنفع عليه وعلى منْ حوله والمجتمع بصفة عامة إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً.
فيحول ذلك الانتفاع صاحب الإعاقة إلى نموذج لتجربة نجاح يستفيد منها المعاقون والأصحاء على السواء
ومن هذه النماذج المؤلف ذوو الإعاقة البصرية وأمين عام جمعية إبصار السابق الأستاذ محمد توفيق بلو الحاصل على جائزة الأميرة صيتة بنت عبد العزيز للتميز في مجال العمل الاجتماعي 1436/2015م
التقته «سيدتي» للحديث عما حققه، يقول بلو عما تعني له جائزة الأميرة صيته للتميز في العمل الاجتماعي إنها بمثابة تعويض إلهي عن مسيرة عمل امتدت لسنوات في خدمة ذوي الإعاقة البصرية بدءاً من تقديم فكرة وجبة الراكب الكفيف التي حصلت بموجبها الخطوط السعودية على 3 جوائز عالمية، وانتهاء بتقديم فكرة جمعية إبصار الخيرية والعمل على تأسيسها وإدارتها على مدى 13 عاماً، وأدين بالشكر والعرفان للقائمين على تلك الجائزة.
ويضيف بلو عن رحلته في العمل في مجال خدمات الإعاقة البصرية وإعادة التأهيل منذ إصابتي بضعف البصر فكرت أن أفضل وسيلة لضمان مستقبل وظيفي هو العمل في مجال يخدم حالتي والآخرين من أمثالي؛ لأنها كانت تمثل لي نقطة ضعف، وقررت أن أحولها إلى نقطة قوة أستفيد منها كمستقبل مهني، فاستثمرتها بالوعي والعلم والثقافة وتوظيف مكتسبات خبرتي الوظيفية والاستفادة من التجارب العالمية في المجال، فاكتسبت خبرة مهنية جديدة قادتني لطرح فكرة مشروع إبصار، ومن خلالها استطعت أن أصبح خبيراً محلياً ودولياً وعضواً ومستشاراً لعدة سنوات في عدد من المنظمات المحلية والدولية من أبرزها اللجنة الوطنية لمكافحة العمى بالمملكة العربية السعودية، لجنة المساندة والعلاقات العامة بالوكالة الدولية لمكافحة العمى المنبثقة من منظمة الصحة العالمية، المجلس الاستشاري لبرنامج توافق لتوظيف المعاقين المنبثق من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، المجلس الدولي لتعليم المعاقين بصرياً (ICEVI) في المملكة العربية السعودية، وأحمد الله أنني أنهيت مسيرة عملي في مجال الإعاقة البصرية، بعد أعدت الوكالة الدولية لمكافحة العمى جمعية إبصار نموذجاً للاقتداء به في مجال العناية بضعف البصر والتأهيل بمنطقة شرق الأبيض المتوسط، وقدت مع الزملاء من الأعضاء والعاملين برامج وخدمات استفاد منها حتى نهاية العام 2015م أكثر من «8000» معاق بصرياً من الذكور والإناث و«2200» مختص في طب العيون والبصريات وإعادة التأهيل والتربية الخاصة بكلفة بلغت 51،631،747ريال وإيرادات قدرها 47،746،124ريال، هذا بالإضافة إلى فحص مما يعني أننا استطعنا أن نصنع من الإعاقة البصرية منظومة للتنمية المستدامة وريادة في العمل الاجتماعي والخيري.
ولهذا رأيت أنه من المناسب بعد مضي تلك الفترة أن أتيح الفرصة لنشء وجيل جديد يواصل المسيرة لتنمية وتطوير المشروع وفق تطلعات الرؤى المستقبلية ببلادنا، وأن أخدم ذلك الصرح من موقع آخر يعود بالنفع عليه وعلى المستفيدين.
أعتقد بأن قراري بالتحول الوظيفي من مجال خدمة الإعاقة البصرية إلى مجال التأليف والنشر كان قراراً صعباً يتطلب الشجاعة والمغامرة، فقررت خوض تلك المغامرة والتحدي الذي سيستغرق بعض الوقت لقطف ثماره، وقد اخترت هذا المجال لأنني من بيئة أحاطها الأدب والفكر منذ طفولتي وأنا أحب القراءة والكتابة، وكنت أحلم بأن أكون كاتباً ومؤلفاً، وحظيت بتشجيع ودعم مستمر من جدي لأمي طاهر عبد الرحمن زمخشري -رحمه الله- الذي نشأت في كنفه منذ الخامسة من عمري بعد وفاة والدي، وعندما التحقت بالخطوط السعودية كمضيف جوي انشغلت بتلك الوظيفة عن حلمي بأن أكون كاتباً ولكنه راودني إبان عملي كطاهٍ جوي، عندما فكرت بكتابة كتاب عن خدمة الطعام على الطائرات، ومن خلال عملي كمدرب حصلت على تدريب على كتابة أدلة الأنظمة والإجراءات ومناهج التدريب، فرسخ ذلك في أعماقي أمنية وحلم كتابة الكتب، فاصطدم ذلك الحلم بفقداني للبصر، وأول ما حصلت على برنامج التأهيل عدت إلى استعادة المبادرة وتحدي الصعوبات والإعاقة البصرية بتأليف كتب عن حكايات وذكريات بابا طاهر، وفي أول ظهور تلفزيوني عرفني مقدم البرنامج الأستاذ عدنان صعيدي بأنني مؤلف رغم أنه لم يكن لي أي كتاب. فحفزني ذلك التقديم بأن أثبت للجمهور ما قاله المذيع بأنني مؤلف ولي كتب، وكانت باكورة إنتاجي كتاب «حصاد الظلام»، وهو كتاب رويت من خلاله تجربتي مع فقدان البصر أثناء عملي كمضيف جوي، وانعكاسات ذلك على حياتي الأسرية والمهنية، التي قادتني لطرح فكرة نالت على إثرها الخطوط السعودية أحد أهم جوائزها العالمية، ورحلاتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي قادتني لطرح رؤية عالمية للتعامل مع الإعاقة البصرية، ثم أصدرت مؤلفي الثاني بعنوان «الماسة السمراء.. بابا طاهر زمخشري القرن العشرين - مختصر السيرة الذاتية للأديب الرحل طاهر زمخشري» في العام 1426هـ/2005م، ومع الانشغال وضغط وقت العمل في مجال الإعاقة البصرية اضطررت للتوقف عن الكتابة، وبمجرد انتهاء عملي مع جمعية إبصار تفرغت لمجال التأليف والكتابة، فأصدرت الجزء الأول من سلسلة كتابي «رحلتي عبر السنين»، وهو كتاب جمعت فيه بين فن كتابة السير الذاتية وأدب والرحلات وثقت من خلال أهم الأحداث والشخصيات التي ارتبطت بمسيرة حياتي من أبرزهم «جدي لأمي» الأديب الراحل طاهر زمخشري، والمدن التي نشأت فيها وزرتها وقد راعيت فيه عنصر التشويق، وإدراج بعض العبارات الفولكلورية لعادات وتقاليد الأهالي وأسماء بعض المأكولات والمشروبات والمناسبات والألعاب الشعبية.
وحالياً أنا بصدد إصدار «رحلتي عبر السنين - الجزء الثاني»، وسيتضمن هذا الجزء سيرتي الذاتية في الفترة من صيف العام 1975م حتى صيف 1978م وثقت من خلالها ما شهدته من تطور الحركة الرياضية المدرسية وأثرها عليَّ وعلى تطور الرياضة في المملكة العربية السعودية آنذاك، كذلك توثيق حركة النمو والتطور الذي شهده نادي الاتحاد برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن منصور من خلال بدء مسيرتي مع النادي كلاعب كرة يد وعضو رابطة مشجعين، كذلك رواية قصتي مع بابا طاهر في رثائه لكوكب الشرق أم كلثوم ثم الملك فيصل رحمهما الله، والطفرة الاقتصادية وتغيير النظام الدراسي وأثرهما علينا، ورحلتي المثيرة إلى تونس الخضراء مع بابا طاهر وما تخللها من مناسبات ولقاءات مع شخصيات هامة كان لها الأثر الكبير في حياتي، مختتماً الجزء بقصة أول إجازة صيفية لي في مصر مع أسرتي ونيلي لشهادة الكفاءة المتوسطة بتقدير جيد جداً. مع تضمين الكتاب لصور فوتوغرافية ومستندات ومخطوطات وثائقية، وجاء الكتاب في 295 صفحة من مقاس 24 × 17 وفي انتظار صدور إذن طباعته من وزارة الإعلام.
بالإضافة إلى إصدار الطبعة الثانية من كتاب «حصاد الظلام» والانتهاء من إعداد كتاب «الأديب طاهر زمخشري في سطور»، وهو مُختصر لكل ما يهمُّ أن تعرفه عن أحد أهم الشُّعراء المكِّيين في العصر الحديث والحائز على جائزة الدولة التقديرية 1985م/1405هـ وأسطوانة اليونسكو الذهبية عام 1987م/1407هـ الأديب الرَّاحل طاهر عبد الرحمن زمخشري، وجاء الكتاب في 80 صفحة من مقاس A5، وقد حصلت على إذن طباعته والآن أنا في مرحلة التفاوض مع دار نشر لطباعته ونشره وتوزيعه
كما انتهيت بحمد الله من إخراج أول كتاب لمؤلفة جديدة تخوض تجربتها الكتابية لأول مرة وهي ابنة خالتي «لينا برناوي» في باكورة إنتاجها كتاب «قيراط الحب»، وهو عبارة عن مجموعة رسائل وقصص أدبية قصيرة تعبر عن أنواع ومعاني الحب من تجارب واقعية ووحي الخيال، حيث عملت معها على مدى الستة أشهر الماضية بتقديم الاستشارة التحريرية والمراجعة والتنقيح والتصحيح والإشراف على التنفيذ باستخراج إذن الطباعة ثم التعاقد مع دار سيبويه لطباعته ونشره وتوزيعه، وإن شاء الله سترونه قريباً.
وهذه كانت أول تجربة أقوم بها لتقديم الدعم والمساندة للمؤلفين الجدد، وإن شاء الله سأتوسع في هذا المجال مستقبلاً، وفق ما يتيح لي الوقت والظروف المادية، حيث حصلت على ترخيص من وزارة الإعلام لتقديم خدمات ما قبل الطباعة، التي تشمل الاستشارات التحريرية وخدمات الصفّ والتصحيح والمراجعة النحوية والإملائية وضبط النصوص والإعداد الفني والتصميم والإخراج.
وحقيقة إن أهم التحديات والصعوبات التي يواجهها الكاتب أو المؤلف هي الاصطدام بخيار ما بين البحث عن وظيفة لأكل العيش أو الكتابة والتأليف فيما ينعم الله عليه به من تدفق أفكار لخدمة المجتمع فكرياً وثقافياً، الأمر الذي يستلزم التضحيات الكبيرة وهذا حال عامة المؤلفين، إضافة إلى عنصر الوقت والاحتفاظ بالأفكار في حينها والإعاقة البصرية بحد ذاتها، ما يترتب عليه من تكاليف مادية، وقد تجاوزت تلك الأمور بالاستعانة بكادر ذي خبرة ودراية وإيمان برغبتي وأهدافي.
أوصي عامة العاملين في مجال الإعاقة بكافة تخصصاتهم ومسؤولياتهم أن يضعوا صاحب الإعاقة نصب عينهم أولاً ثم تنميته؛ ليكون مستقلاً ذاتياً وأن يعطوا الخبز لخبازه. وأن يكون في أولوياتهم برامج إعادة التأهيل والتدريب وتوعية المختصين والمجتمع بقدرات ذوي الإعاقة دون إفراط أو تفريط.
كما أهيب بقطاعات المسئوليات الاجتماعية ورجال الأعمال المهتمين بتنمية وتطوير الثقافة والأدب في بلادنا بتقديم الدعم والمساندة لإنجاز هذا المشروع الثقافي الذي سيمتد لسنوات، ويكون ضمن المبادرات الفردية التي تسعى لإبراز الفكر والثقافة السعودية إلى مصاف العالمية.