كانت المسافة بيني وبين ابني بعيدة، وكنت على الرغم من تمسكي بأمور الدين وشعائره أعتبر نفسي فاشلاً في التعامل معه وهو يبلغ من العمر 13 عاماً، كان ابني البكر، وكنت أريده أن ينشأ نشأة دينية أسوة بالقائد المسلم أسامة بن زيد الذي كان لا زال مراهقاً حين قاد جيش المسلمين نحو النصر، وحين جاء رمضان الماضي كانت الفرصة التي تمنيتها حين اقتربنا معاً، وكانت طقوس رمضان هي التي قربتنا، فقد طلبت منه أن يصحبني في أول أيام الشهر لأداء صلاة التراويح، لم يكن حديثي معه بلهجة الآمر، بل قلت له: أنت شريكي ورجل البيت، ويجب أن تكون معي في كل خطوة.
وهكذا لم أتركه يؤدي الصلاة ويغادر المسجد سريعاً، بل التقيته بالصحبة الطيبة، وهم أصدقائي وأولادهم ممن هم في سنه، وجرى التعارف بيننا وازداد يوماً بعد يوم، وأقام ابني علاقات مع الفتية الذين هم في سنه، وبدأ يتعجلني كل يوم للذهاب للمسجد، وأصبحت فخوراً به وأمنحه فرصة لإبداء رأيه، وبعد العودة للبيت كنا نتناقش ببعض الأمور الدنيية، ونربطها بواقع حياتنا بطريقة محببة، قربت بيننا أكثر، وهجر ابني المعاصي يوماً بعد يوم، وقد كنت أشك أنه يدخن، ولم أواجهه ولكنه جاء واعترف لي بنفسه، وبأنه قرر أن يقلع عن رفاق السوء الذين عرفوه على التدخين.
وهكذا مرت أيام الشهر الفضيل، وقد حققت فيه ما لم أستطع أن أحققه في سنوات، وكنت حريصاً على قربي من ابني بعد رمضان، وأن أستمر في التسابق في ختم القرآن الكريم معه، مع عدم إهمال دروسه، وإتاحة المجال لهوايات نافعة.
رمضان قرب بيني وبين ابني وأصلح ما فسد فيه، وما حققته في شهر رمضان الماضي كان بدايته أن أهديت ابني في أول أيام رمضان: سجادة صلاة ومسبحة ومصحفاً.
وقد عرضت «سيدتي نت» تجربة هذا الأب على الدكتور إبراهيم أبو جلمبو أستاذ الشريعة في جامعة الأزهر في غزة، الذي أدلى برأيه قائلا: لقد استطاع هذا الأب أن يكون قدوة ناجحة، وهذه أهم خطوة، وابتعد عن طريق الوعظ والإرشاد المباشر، وهذه خطوة مهمة؛ لأن المراهق لا يتقبل النصيحة ويحب العناد، والصحبة الطيبة هي من أنجح الوسائل لتربية المراهق، كما أن إشعار المراهق بالمسؤولية يجعله يشعر بأنه كبير ومشارك في المجتمع وليس على الهامش، كما أن الحب والتخاطب العقلي، وزرع حب الله في قلوب المراهقين هي سبل التربية القويمة التي تجعل عزيمة المراهق لا تفتر، ولا يرتد لما كان عليه من مسار خاطئ.