حياتي لم تعد تطاق.. هكذا صرحت «لينا» ابنة السادسة عشرة، وبذلك تختصر معاناتها، كما تقول، حيث توضح بعبارة أخرى أشد مرارة: «لم أعد أعرف من هو أبي الحقيقي؟ هل أبي الذي سجلت باسمه في شهادة ميلادي، أم هو عمي الذي يتحكم في حياتي وحياة أمي وإخوتي وكأنه أبي، وذلك كله؛ لأنه الشقيق الأكبر لأبي، ولأن أبي ضعيف الشخصية أمامه... ».
توضح «لينا» مشكلتها قائلة: «عمي هو الآمر الناهي في حياتنا، يكبر أبي بأعوام قليلة، ولكنه يتدخل في حياتنا كأنه والده أو والدته، وهو حقاً شقيقه الذي رباه بعد وفاة والديه، وأنفق عليه حتى تخرج في الجامعة، وبنى له شقة في بيت العائلة لنستقر فيها، وأصبح عمي بعائلته يعيشون معنا في نفس البناية في الطابق السفلي، ولكني أرى أنوفهم تندس في حياتنا، وتطل علينا من كل نافذة أو شرفة في شقتنا... لم أشعر يوماً بأن لي أباً واحداً، أو أن لأبي الحق في اتخاذ قرار يخص حياتنا إلا بعد أن يستأذن شقيقه ويشاوره، ولو حكيت كلمة يستأذن أو يشاور فأنا أعطي أبي أكبر من قدره؛ لأنه في الحقيقة يأخذ القرار جاهزاً بدون نقاش من شقيقه الأكبر.
أشعر بأن عمي يجد متعة وهو يراني أنتظر رأيه في نزهة أو رحلة صيفية سأقوم بها مع صديقاتي، وأرى نظرة التشفي والشماتة وأنا أرى كلماته الجوهرية التي ستنطلق من بين أسنانه، وهو يوافق على تغيير لون طلاء شقتنا، وسط دموع أمي التي لا تطيق هذا الوضع طبعاً».
تقول «لينا» أيضاً في رسالتها: «تخيلوا كل هذه الأمور التي يعتبرها كل شخص أنها شخصية مائة في المائة يتدخل بها عمي، بل إنه هو الذي اختار اسمي، وحين ألمح لأبي أنني لم أعد أحتمل تدخل عمي في حياتنا يرد ببرود: إنه شقيقي الذي صنعني، وله عليّ كل الحق، وهو بمثابة والدك.... ».
إلى هنا تنتهي رسالة «لينا» الموجعة، كما تقول؛ لأنها في النهاية تريد أن يكون لها أب واحد على الورق وفي الحياة، وقد حملت «سيدتي نت» رسالتها إلى الأخصائية الاجتماعية الأستاذة «حياة خليل»، التي قالت إن مثل هذه النماذج موجودة في الأسر العربية بكثرة، الرجل الشرقي تربى على أن يكون له «كبير»، سواء أب أو أم أو أخ أو أخت، لم يُربَّ على الانفراد والتوحد الذاتي، فهو بحاجة لمن يدس في رأسه أفكاراً وآراء. وهو صغير يرى والديه يستشيران من حولهما، وهو يكبر غير قادر عن التخلي عن هذه الأدوار، أدوار الكبار، في المقابل هؤلاء الكبار يجدون لذة، ويستمتعون بحاجة الآخرين، خاصة الأصغر منهم، وممن لهم فضل التربية عليهم لهم، وقد يستغلون حاجتهم وقد لا يستغلون، سوء أو حسن النية يتوافر في كل حالة، وفي النهاية، إن البنت المراهقة يكون مثلها لأعلى هو والدها، وتنتظر منه أن يكون الفارس، وهو صورة لفارس أحلامها القادم القوي الشخصية.
إن اهتزاز صورة البنت في نظر والدها يجعلها تبحث عن الأب «الثالث» في هذه القضية، ربما تقع في غرام رجل في سن والدها؛ لتهرب من هذين الرجلين اللذين لا تعرف أيهما هو والدها الحقيقي، فالأب له دور كبير فيما وصل إليه حال ابنته، وهو القادر لوحده أن يستمر أو أن يبتعد؛ لأن ابنته في سن حرجة، ويمكنه السكن بعيداً عن بيت العم؛ لأن الشعور بالفضل للآخرين لا يعني أن ندمر حياتنا من أجلهم، ولا أن نجعلهم أنوفاً مدسوسة في حياتنا.