التقيناها في "دبي" برفقة زوجها المؤلف الموسيقي خالد مزنر، حيث بدت أنيقة ومشرقة كعادتها، يغمرها حب الناس وفخرهم بها وبما حققته، كونها أول مخرجة لبنانية وعربية يصل فيلمها إلى قائمة الترشيحات النهائية للأوسكار.
إنها نادين لبكي، التي أتت برفقة زوجها ومنتج فيلمها «كفرناحوم» خالد مزنر؛ لتشهد العرض الأول والخاص للفيلم في الإمارات ودول الخليج العربي، وذلك بسينما Vox في مول الإمارات بدبي، حيث احتشد عدد كبير من الجمهور والصحفيين الذين استقبلوها استقبال الأبطال. وبالرغم من كون العرض الخاص للفيلم كان مقتصراً على مجموعة من الصحفيين، إلا أن التواجد الكبير للجمهور كان يحمل رسالة مفادها، "سواء فزتِ بالأوسكار أم لا، نحن فخورون بكِ، ونحبك كثيراً".
باركنا لها على النجاح الكـبـير الذي حقــقه «كفرناحوم»، وسألناها:
ما هو شعورك بعد هذا الحلم الجميل الذي مررتِ به في «كفرناحوم»؟
أنا في غاية السعادة والفخر بما حققته، وسعيدة من أجل لبنان، وإن كنت أتمنى لو تكللت تلك الرحلة بحصد جائزة الأوسكار، وأن أحقق انتصاراً مثل هذا لبلدي، ولكن لا بأس، أنا واثقة أنني سأنالها يوماً ما.
زين في «كفرناحوم» كان يحاكم والديه، فمن كانت تحاكم نادين لبكي في «كفرناحوم»؟
أحاكم كل من أوصلنا إلى هذه الحال، وأحاكم أنفسنا جميعاً كبشر كيف يمكن أن نسمح بهذا الجرم الذي يحدث لتلك الفئة من الناس المهمشة التي تعيش في أسوأ الأحوال، وخاصة الأطفال، فأنا أشعر دائماً أن الطفل تحديداً هو من يدفع الثمن غالياً.
في تتر النهاية وجدنا إهداء خاصاً لطفليكِ وليد وميرون، فماذا أردتِ أن تقولي لهما؟
(تبتسم)، أردت أن أعبّر لهما عن تقديري لكل ما عانياه معي في تلك التجربة، فقد كنت مشغولة عنهما في أغلب فترات تصوير الفيلم، لذا أردت أن أترك لهما ذكرى ليدركا من خلالها لماذا كنت أتركهما، وأتمنى حين يكبران أن يدركا أنني كنت أتركهما من أجل قضية هامة، وأن يصبحا فخورين بي وبوالدهما.
هناك جندي مجهول وراء هذا الفيلم اسمه خالد مزنر، ماذا تحب نادين لبكي أن تقول له الآن؟
أقول له إنني فخورة به للغاية وبكل ما قدمه في الفيلم، فقد بذل مجهوداً ضخماً للغاية في تأليف الموسيقى التصويرية الخاصة بالفيلم، إلى جانب تحمله مسؤولية إنتاجه رغم عدم قيامه بأي تجربة إنتاج فيلم من قبل، وما لا يعرفه البعض أنه عانى كثيراً خلال مراحل تمويل وإنتاج الفيلم سواء مادياً أو ذهنياً، ولكنه لم يشعرني أبداً بذلك حتى لا أفقد تركيزي خلال إخراجي للفيلم، وهذا النجاح كله ما كان ليحدث لولاه.
البعض عاب على «كفرناحوم» تصوير الواقع بشكل قبيح وسوداوي للغاية، كيف تردين على تلك الانتقادات؟
للأسف، «كفرناحوم» لم يقدم إلا جزءاً ضئيلاً جداً من البشاعة الموجودة في عالمنا، لأن ثمة أشياء لا تستطيع أن تجسدها على الشاشة من فرط قسوتها، فالواقع أقسى وأفظع مما تصور.
اخترتِ شخصيات حقيقية عاشت تجارب قاسية في الواقع؛ ليقوموا ببطولة الفيلم ويعبّروا عن أحداثه بصدق، كيف استطاعت نادين التعبير عن هذا العالم من دون أن تحيا فيه؟
هذا يرجع إلى الأبحاث والدراسة الدقيقة التي قمنا بها خلال الإعداد للفيلم، فقد ذهبنا إلى تلك الأحياء البسيطة والمهمشة لمتابعة هؤلاء الناس ومعايشة حياتهم بشكل كامل، وهذا ما جعل متابعي الفيلم يصفونه بالصدق والأمانة في تجسيد الواقع الذي تحياه تلك الطبقة في عالمنا العربي.
دعينا نعود إلى النقطة الأهم في مشوار «كفرناحوم» وهي الأوسكار، هل دار بينك وبين رامي مالك (ممثل أميركي من أصل مصري فاز عن فيلم Bohemian Rhapsody بجائزة أوسكار أفضل ممثل ليصبح أول شخص من أصول عربية يفوز بها) أي حوار في يوم الحفل؟
تضحك نادين وتجيب باللهجة المصرية، «آه واتكلمنا بالمصري كمان»، وتتابع قائلة: رامي شخص رائع وقريب إلى القلب للغاية، شعرت وكأنني أعرفه منذ وقت طويل، وتفاجأت بأنه متابع جيد لكل أخبار الفيلم، وكان من أكبر الداعمين لنا، وأنا بالفعل فخورة بأنه نال مؤخراً التقدير الذي يتناسب مع موهبته.
قابلتِ مقدمة البرامج العالمية أوبرا وينفري كذلك، وعبّرت عن إعجابها بالفيلم، ما الكلمة التي قالتها لكِ ولا تستطيعين نسيانها؟
أوبرا شخصية عفوية للغاية وغير متكلفة، والحوار كـان بسيطــاً وحميمياً إلى أقصى حد، وشعرت بسعادة بالغة حين قالت لي إنني مثل حجر صغير يضرب في حائط كبير حتى يسقطه، وأنه يمكنني أن أصل بعيداً مهما بدا أنني صغيرة بعض الشيء الآن وسط كل هذا الزخم الهائل الذي تشهده صناعة السينما في العالم، وأتمنى أن يحدث تعاون بيننا قريباً.
لو استطعت العودة بالزمن، أي مرحلة في حياتك تتمنين العودة إليها من جديد؟
مرحلة تصوير «كفرناحوم»، فهذا الفيلم يتملكني بشدة ولا أستطيع الخروج من أجوائه، فأنا بالفعل أتمنى لو أعود لأختبر نفس تلك المشاعر والتجارب التي اختبرتها وقت تصوير الفيلم، وربما استطعت تصوير وتوثيق مواقف وأحداث جديدة لم أستطع توثيقها أثناء تصوير الفيلم.
سمعنا أنك جهزتِ الكلمة التي كنتِ ستلقينها على المسرح حال فوزك بالأوسكار، هل لنا أن نعرف بعضاً مما تخبئه تلك الكلمة؟
(تضحك بعفوية) أرجوكم لا حتى لا يصبح ذلك فألاً سيئاً، فأنا أخبئها من أجل أن أقولها على المسرح في حفل الأوسكار القادم.
ختاماً، ما هو عملك القادم؟
حالياً، أحضّر لفيلم وثائقي عن تجربة «كفرناحوم» سيكون بمثابة مفاجأة سواء للجمهور أو حتى لأبطال الفيلم، حيث ستدور أحداثه حول كل المواقف والتحضيرات التي صاحبت الإعداد للفيلم، لأن ثمة أشياء عدة لا يعرفها الناس عن كواليس التحضير للفيلم وماضي الشخصيات المشاركة فيه، وماذا تغير في حياتهم بعد عرضه، لذا أريد أن أوثق كل هذا لكي يعرف الناس كم عانينا من أجل أن تخرج هذه التجربة إلى النور بهذا الشكل.
خالد مزنر: لو كان «كفرناحوم» لمخرج آخر ما كنت لأخاطر بإنتاجه
خالد مزنر، الذي حمل على عاتقه مهمة الإنتاج والتأليف الموسيقي للفيلم، كان لنا معه حوارٌ خاصٌ أيضاً، كشف لنا خلاله العديد من الأسرار حول نادين والفيلم.
في البداية سألناه: هل كنت تتوقع كل هذا النجاح الكبير الذي حققه الفيلم؟
ربما تحتاج مني إجابة دبلوماسية، ولكن الحقيقة هي نعم، وإذا سألت كل شخص كان يعمل في هذا الفيلم فسوف تحصل على الإجابة ذاتها، فكلنا كنا نشعر بأننا نخوض تجربة هامة وكبيرة للغاية، وذلك منذ اللحظة التي بدأنا فيها العمل على الفيلم منذ ما يقرب من 3 سنوات تقريباً.
البعض قال إن الموسيقى كانت من أهم عناصر التميز في الفيلم، هل هذه هي أصعب موسيقى قام خالد مزنر بتأليفها؟
بالتأكيد، والسبب الرئيسي هو كوني منتج الفيلم، لذا فقد كان تركيزي على الموسيقى لا يتعدى الـ20 في المائة فقط، بعكس الأفلام الأخرى التي أتفرغ فيها للموسيقى فقط، وهو ما جعلني أشعر بالقلق من أن يؤثر انشغالي بالإنتاج على جودة الموسيقى، إلى جانب كون الفيلم واقعياً ومصوراً بطريقة وثائقية، فكان يجب أن تكون الموسيقى صادقة إلى أبعد حد وغير مصطنعة، وهو ما دفعنا في بعض المشاهد إلى الاستغناء عن الموسيقى والاكتفاء بالمؤثرات الطبيعية الموجودة في موقع تصوير المشهد، مثل صوت السيــارات والصـراخ والفـوضى المحيطة بنا.
دعني أسألك: لو كان مخرج آخر غير نادين هو من أتاك بسيناريو «كفرناحوم» فهل كنت لتقوم بإنتاجه؟
(يجيب ضاحكاً): لا، فأنا لست منتجاً من الأساس، ولا أعرف ما إذا كنت سأكرر هذه التجربة أم لا، فأنا حين أنظر إلى ما حققناه خلال تجربة إنتاج هذا الفيلم لا أعرف بالفعل كيف استطعنا أن ننجز كل ذلك، فأنا حين بدأت العمل على هذا الفيلم لم أكن أعرف ما هو الإنتاج السينمائي وكيف يتم، وانتهيت وأنا أقوم بكل عمليات إنتاج وتوزيع الفيلم خارجياً، وهي تجربة برغم متعتها إلا أنها كانت صعبة للغاية.
على ذكر الصعوبات، نادين قالت من قبل إنك قمت برهن منزلكما من أجل إتمام الفيلم، هل تذكر ما هو أصعب موقف مر عليك أثناء إنتاج الفيلم؟
كل مراحل إنتاج الفيلم كانت صعبة، ولكني لم أشأ أن أخبر نادين بذلك في حينه لكي لا يتأثر تركيزها وشغفها بالفيلم، فأنا لم أكن أملك شركة إنتاج أو جهة تمويل تستطيع تمويل الفيلم، لذا فقد كان التمويل كاملاً من جيبي الخاص، وهو ما أرهقني كثيراً، إلا أننا وبعد عام كامل من التصوير استطعنا إيجاد ممولين؛ كي يساعدونا في إنتاج الفيلم، وأخذنا في جني ثمار ما بدأناه معاً.
«كفرناحوم» هو الفيلم اللبناني الثاني على التوالي الذي يترشح للأوسكار بعد فيلم «قضية رقم 23» الذي ترشح العام الماضي، برأيك ما هو القادم للسينما اللبنانية؟
لا شك أن وجود لبنان في الأوسكار لعامين متتاليين هو إنجاز كبير للغاية، في حين غابت دول مهمة سينمائياً مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها... وهو ما أكد على قوة السينما اللبنانية ووجودها الحقيقي عالمياً، ولكن القادم صعب؛ لأن هذه المسؤولية وهذه النجاحات لا يمكن أن يتبعها تراجع، وأن نكمل ما بنيناه خلال العامين الماضيين والأعوام السابقة أيضاً.
بصراحة، هل حزنت نادين عندما لم تفز بالأوسكار؟
بالطبع، لأن «كفرناحوم» ببساطة هو من يستحق الأوسكار، وهذه شهادة أغلب النقاد الذين تابعوا الفيلم سواء في مهرجان كان أو غيره من المهرجانات الكبرى.
إذاً، لماذا لم يفز «كفرناحوم» بالأوسكار في رأيك؟
دعني أخبرك بشيء، ما يؤثر في اختيارات الأوسكار ليس جودة الفيلم فحسب وإنما قدرتك على الترويج للفيلم، فالأوسكار مثل الانتخابات، يوجد فيها ما يقرب من 6500 شخص يقومون بالتصويت على الأفلام، وعليك أن تقابلهم جميعاً وتتحدث إليهم كي تقنعهم بفيلمك، وهو ما يحتاج ميزانية أخرى إلى جانب ميزانية الفيلم، وهو ما استطاع غيرنا أن يحققه، فهنيئاً له، ونحن فخورون كثيراً بما حققناه.
في النهاية، إذا طلبت منك أن توجه رسالة إلى نادين لبكي عبر «سيدتي»، فما الذي تود أن تقوله لها؟
أقول لها إنني فخور بها، وبموهبتها، وبالطريق الذي نمشيه معاً، فقد أسسنا عائلة ناجحة، ونصنع أفلاماً ناجحة، وهو ليس بالأمر الهيّن مطلقاً، وأحلم أن أواصل معها هذه الرحلة الجميلة والممتعة.
جوائز «كفرناحوم»
يذكر أن «كفر ناحوم» استطاع في شهور قليلة أن يحصد عدة جوائز مثل جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان «كان»، وجائزة أفضل ممثل للطفل زين الرافعي ولجنة تحكيم الشباب كأفضل فيلم في مهرجان «أنطاليا»، وجائزة الجمهور في مهرجان «سراييفو» في البوسنة والهرسك، وجائزة الجمهور من مهرجان «ملبورن» في أستراليا، وجائزة الجمهور التفضيلية في مهرجان «كالجاري» في كندا، إلى جانب ترشحه لأهم الجوائز السينمائية في العالم، مثل الأوسكار والبافتا والغولدن غلوب.